خمس خطوات إلى الوراء..

 

 خمس خطوات إلى الوراء..
أسعد عزيز محمد
ترجمة محمد عبد الله محمود
ــ 1 ــ النسيان
خوفاً أن يشاهده أحد التفت يميناً ويساراً وفي طرفة عين التفت إلى الوراء…بئر عميق من النسيان تتدفق المياه إلى السطح منذ سنوات وهو يشرب منها كل يوم ، بل يشرب منها كل ساعة، يشرب والعطش يجفف فمه والظمأ ينسيه الكلمات والأحداث وما جرى، نسى كل شيءٍ ….نسى مبادئه في طريق نضاله….نسى كلمات حب من فم ألحبيبته….. نسى العواطف الجياشة والحب الوحيد في حياته ونسى أهم ذكرياته، نسى من أجل أي شيءٍ ناضل وقاتل وعاش ونسى…..ما كان يعرف لماذا نسى كل هذا ؟ بحث طويلاً في قواميس الفكر والكلمات بحث بين السطور وفي حركات الوجه….. وأخيراً عرف سبب النسيان الذي كأن يطغى على كل أفكاره… وجد الحل الذي كان غائباً دوماً عن باله… عرف بأنه ينسى لأنه الإنسان….محملاً بحمل النسيان
ــ 2 ــ الوفاء
في البداية كانت هناك الكلمة، حاول أن يتخطه وأن يقفز عليه بدون أن يسمعه، حاول جاهداً أن يمر عليه مرور الكرام، في يوم من الأيام قرأ قصة الرجل الذي أحب امرأة حباً جماً تلك أمرآة فقدت عينيها أثر حادث المؤسف
لم يستطع أن يراها على هذه الشاكلة وتبرع بالعينين لها، وحين شفيت من العمى هجرته وذهبت لتتزوج رجل آخر وبقي هذا المسكين في أزقة وشوارع المدينة متسولاً ينادي بالوفاء ويرحم أهل الوفاء….كان خيطاً يربطه بهذه القصة، وما أستطاع أن ينسى هذه القصة حتى في أعماق أحلامه….مسح أخيراً كلمة الوفاء في قاموس حياته للأبد وبدأ.
ــ 3 ــ الضياع
لقد ضاع مفتاحه وبحث عنه كثيراً، بحث بين ألأشياء القديمة في البيت المفكرة، عند والده، في الصندوق الخشبي لوالدته، الشهادة والأوراق الرسمية، الملابس والأدوات الخاصة بالوالده كالقداحة والسبحة، ووجد أشياء كثيرة، وجد كنز العائلة المختفية منذ القرون….كلما بدأ البحث وجد شيئا أخر وأشياء ذا قيمة….ولكن اشتغاله بالبحث والدوران أضاع في داخله شيئا لايعوض بمال الدنيا، وفي نهاية المطاف وجد المفتاح ولكنه لم يتوقف عن البحث والتفتيش، سأل نفسه مراراً أبحث عن ماذا؟ ولم يجد الجواب، وأقنع نفسه بأنه يبحث عن نفسه الضائعة في متاهات الحياة
ــ 4 ــ الهجرة
في يوم ممطر مشى طويلاَ وكان الماء ينزف في كل بقعة من جسمه، حتى أحسس بأن جسمه ممتلئ بالماء بدل الدم حين التفت لبرهة للوراء وأعد أنفاسه الباردة وتحسر على ألأشياء في طريقه، والهجرة لسنوات من عمره، عرف بأن هذه الأشياء لأتعد لكثرة أعدادها، بكى على حياته الفائتة والسنوات التي مضت في الترحال، بكى على كل شيء أهمله في طريقه ووجد النتيجة المحسوبة والمنطقية للعملية الحسابية، أذا كأن الشخص يترك كل هذه ألأشياء ويهاجر كل تلك السنوات فلابد أن يمتلك بدلا عنها الذهب والفضة والمجوهرات والمناصب.
ــ 5 ــ الحلم
تشبه الحلم، ما كان يصدق نفسه، كيف كبر وتزوج وخلف الأولاد ومازال حلم الطفولة يراوده دائماً، الحلم بالطيران فوق قمم الجبال مع الطيور المهاجرة، حلم النورس البرية على ضفاف نهر دجلة….كأن كل شيءٍ في حياته يشبه حلماً، ولكن في كل لحظة يخاف أن يستفيق من حلمه….خوفاً من أن يستيقظ من حلمه عندما يلتفت الى الوراء لا يساراَ …. وهذه الخطوة ألأخيرة من مهزلة الحياة.

/6/2012 Issue 4231 – Date 21 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4231 التاريخ 21»6»2012
AZP09

مشاركة