خزين السنين يعزّز خصوصية الشخصيات – نصوص – يوسف عبود جويعد

العزف على وتر الفجيعة من خلال التنوع السردي

خزين السنين يعزّز خصوصية الشخصيات – نصوص – يوسف عبود جويعد

تمتاز المجموعة القصصية ((العزف على وتر الفجيعة )) للقاص عادل المعموري بالتزامها الدقيق في المحافظة على مقومات كتابة القصة القصيرة . وهو الجنس الادبي الذي يحتاج الى دراية ومعرفة تامة، قبل الولوج في بحره المتلاطم، اذ أننا نجد اركان كتابة القصة وادواتها الاصيلة واضحة في كل نص قصصي، من نصوص تلك المجموعة، الزمان، المكان، الشكل، المضمون، الحدث، الحكاية، تنامي الحدث وتواتره ووصوله الى الذروة، النهاية الصادمة واحياناً المفاجأة واحياناً الاندهاشية، وتلك صفة حسبت للقاص كنوع من انواع التجريب والحداثة، كون أن النهايات المذكورة يتناولها ساردوا القصة القصيرة جدا، الا انه استطاع توظيفها لتكون جزءمن العملية السردية للقصة القصيرة، حيث نلاحظ جميع قصص المجموعة تنحى هذا المنحى، وهي حالة من حالات تمتين النص وتقويته، اذ ان كل قصة سوف تترك احساس مغاير عن بقية القصص لدى المتلقي وتترك اثارها عليه، واعتمد القاص عادل المعموري على ان يكون الحدث والحكاية هو المحور الرئيسي الذي تنضوي تحته ادوات القص الملازمة له، مثل الشخوص, اللغة السردية، الحوار، اي ان الحدث القصصي هو المحرك الرئيسي لمسيرة النص السردي في بناء القصة، وهو الطاغي والمهيمن على بقية ادوات القص، وتتحرك بقية الادوات القصصية وفق متطلبات الحدث والحكاية وتلازمه وتسير معه بخط تصاعدي منسق، أي انه يقوم بمعالجة صنعة كتابة القصة القصيرة باعتماد الحدث كمحرك رئيسي للنص السردي، وهذا التناول يتطلب جهد ومعرفة من القاص، لان ذلك يحتاج الى تركيز لكي لايغلب جانب على آخر، ويعتبر ذلك من اساسيات فن كتابة القصة، وليس كما يذهب اغلب كتاب هذا الجنس الى طغيان الحس الشعري على الحدث، او طغيان الحوار المنمق على الحدث، او طغيان الشخوص على الحدث، مما يفقدها جانب مهم من الركائز الاساسية التي تعطي للنص انتماءه الحقيقي للقصة القصيرة، وتجدر الاشارة الى وجود تعاطف وتفاعل من السارد العليم داخل النص على مجريات الحدث والحكاية، حتى تصل بنا الى الشعور بانها محسوسة، هذا لان جميع النصوص لم تكن من وحي الخيال، او انها كتبت من خلف بروج حاجزة، بل ان القاص نقلها من واقع حياة البلد، ورغم اختلاف مضامين القصص، واشكالها، واختلاف الثيمة السردية فيها، الا ان لها قاسم مشترك في هذا الاحساس والتعاطف، ونلاحظ اصرار القاص عادل المعموري، على ان تاخذ كل نصوصه القصصية السياق المنطقي للاحداث السردية،بوتيرتها المتبعة التي تعطيها وضوحها كقصة قصيرة، حيث ان التعريف او البداية، ثم الحبكة، ثم التازم، ثم ذروة الحدث،ثم الانفراج بقفلة مدهشة، وقد ضمن مجموعته قصصاً توثيقية، مثل مجزرة (سبايكر )،حيث استطاع ان ينقل لنا هذه الفاجعة بنفس فيه من الوجع والاسى والحزن واخص بالذكر قصة ( العزف على وتر الفجيعة ) التي حملت المجموعة اسمها، وقد كانت عزفاً على وتر الفجيعة حقا, لنعيش طقوس المطاردة الحزينة لمقاتل استطاع النجاة من هذه المجزرة، والمخاطر التي احفت فيه وهو يحاول الوصول الى بر الامان، وكذلك قصة ( طوفان الدم) التي تطرح وجه آخر من هذه الفاجعة، وهنالك نصوص عن حرب الثمان سنوات وهي ((ذئب الليل )) و (( وابتدأ المشوار )) و (( رصاصة مشتهاة ))وهي نصوص سردية محتدمة ومليئة بالقتال والشظايا والدخان ورائحة البارود، ويتضح من خلال متابعتها، ان مناخها محسوس ومعاش، وهذا يثبت بان القاص عادل المعموري، يكتب القصة من ثمانينات القرن المنصرم، وخبرته في كتابة هذا الجنس الادبي طويلة، وقد انعكست هذه الخبرة على بقية القصص، وتحتلف الاشكال والمضامين للثيمة السردية لنصوص المجموعة، حيث ينقلنا الى عوالم وفضاءات سردية متنوعة، وهذا استعراض سريع لبقية قصص المجموعة، نشير فيها على هذا التنوع، حيث نزج وسط باقة منوعه من القصص، ونحلق في فضاءات مختارة من صميم واقع البلد،

– رغبة مجنونة : تنقل رغبة عاشق باختطاف معشوقته وربطها بالحبال والحصول على قبلة الا ان ذلك يتضح بانه مجرد خيال

– من يطرق الباب : رجل يعيش وحيداً مع ذكرياته في بستان موحش والنهاية صادمة جدا

– عنقاء جديدة : امرأة متسلطة وقوية وهي زوجة رجل مستسلم وضعيف الا انه اخيرا يتحول الى وحش يشكمها

– التمثال يدخن : ابن عاق يتنكر لامه

– سريالية عاشق مجنون : علاقة حب عنيفة تنتهي بوفاة العاشق – نزيف البنفسج : مداهمة عصابة مسلحة لعائلة فقيرة وقتلهم

– اللهيب : عن الخيانة الزوجية

– دماء ساخنة : حادثة دهس

– سايكوباثي – لص الغسيل

– غبار الماضي : خداع

– ظهيرة لاهثة : قناص من العدو

– للزقاق طقوس اخرى : ام تنتظر ابنها الغائب

– فراشات لا تحترق : نهاية انتظار

– عودة الرجل الميت : نهاية غير متوقعة

– ترنيمة عشق متاخر : خريف العمر

– رائحة الرماد : امرأة تحاول حرق نفسها

هذه الباقة المنوعة من النصوص السردية تدل على ان القاص عادل المعموري اراد ان يطوف بنا في اروقة الحياة،ليقدم لنا تجارب معاشة ومحسوسة، هي جزء من حياة البلد، هي عزف على وتر الفجيعة، لناي حزين في غابة الذاكرة، انها انفجار ادبي لقـــاص امضى سنوات في عالم القص.

.