خربشــات سيـاسـية
صناعات أمريكية نخب أول ونخب ثانٍ
لارا العمري
يتم الحديث بقوة هذه الأيام عن أن الربيع العربي الذي أزاح الأنظمة المتكلّسة والرؤوس العفنة بأفكار جنونية ومعقدة عن الحكم في ليبيا وتونس ومصر على نحو خاص، إنما هو من صناعة أمريكية. والترويج يتم في مصر والعراق بكثافة على اعتبار إنَّ هناك برنامجاً أمريكياً للتدريب والتمويل لناشطين شباب جرى ضخهم في الربيع العربي وساحات التحرير والتغيير.
كل شيء صناعة أمريكية. هناك اعترافات ترد على لسان وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في محاضرة جامعية تؤكد أن المجاهدين في أفغانستان هم من الصناعات الأمريكية الفاخرة لمواجهة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي. وان أسامة بن لادن لن يكون بعيداً عن تلك الصناعة في سياق هذا الاعتراف. وإنْ كان هناك خلافات حول النخب الأول أو النخب الثاني من الصناعة.
أمريكا تصنع كل شيء. السلاح الذي تحمي الأنظمة العربية رؤوسها ومقاعدها به. وتصنع الفلوس التي يتمتع بها الحكام الأثرياء العرب عبر استثمارات شارع المال وصفقات السلاح والنفط. وأمريكا تصنع الحليف والموالي والعدو والمعارض بإمكانات محلية لدى البلدان العربية. وتفصّل ثياب الزعامات ولافتات شعاراتهم ولبسانهم الداخلية والخارجية على حد سواء. فلماذا يستغرب سياسيون هم من نفس الصنيعة الأمريكية أن تقوم واشنطن بإنشاء مصنع للصناعات التحويلية العربية لإنتاج ربيع هنا وخريف هناك بما يلائم مصالحها الكبرى في منطقة الثروة والنفط والاستراتيجيا، حيث لا يمكن ترك الأمور سائبة بيد حكّام مخابيل ومهابيل معتوهين معزولين في دوائر زوجاتهم ومحضياتهم ومخصييهم وغلمانهم كما كان في ليبيا أو مصر أو تونس أو اليمن وكما موجود في دول أخرى قامت فيها حكومات مصنعة أمريكياً لكن من نخب متدنٍ كما في بغداد أو بعض دول الخليج، وتقوم منشآت صناعية إقليمية بتحسين وتعديل المنتوج الأمريكي هابط النوعية ليكون ملائماً للبيئة أو صديقاً للبيئة كما يقوم علماء التلوث.
هناك حكومات متضررة كما في بغداد من شيوع مصطلح الربيع العربي لأسباب تتعلق بمفردة الربيع ومفردة العربي معاً. لا سيما بعد أنْ وجدوا أن هذا الربيع على حدودهم المتاخمة لسوريا. وهم يعرفون ماذا يحمل الربيع الأمريكي حين هبّ على بغداد في ربيع 2003 وكيف حملهم إلى الكراسي وهو جدير بحمل غيرهم إلى دمشق أو حتى بغداد ثانية لكن ليس قبل أنْ يجري فك الرباط المدنّس بين طهران وواشنطن.
/5/2012 Issue 4196 – Date 10 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4196 التاريخ 10»5»2012
AZP02