بغداد- الزمان:
اعتبر رئيس هيئة النزاهة الاتحاديَّة، حيدر حنون، السبت الماضي، في المُلتقى الذي عقدته الهيئة بالتعاون مع السفارة العراقيَّة في أبو ظبي والمجلس الاقتصاديِّ العراقيِّ، ومجلس الأعمال العراقيِّ في أبو ظبي، أنَّ “عدم تعاون القطاع الخاص وسكوته عن الابتزاز وجرائم الفساد منح الفاسدين قوَّة وجعلهم يقترفون جرائم كبرى”.
وفي حين أعرب حنون عن “الأسف لتردُّد البعض في الإبلاغ عن الفساد”، حث خبراء قانون، وباحثون، المسؤولون والأفراد، والجهات، الذين يحاربون الفساد عبر وسائل الاعلام، إلى النزول إلى ساحة القضاء، وتقديم الأدلة والبراهين التي تساعد على البدء في دعاوى قضائية، بشكل قانوني ورسمي، مشيرين إلى إن مجرد الظهور في وسائل الاعلام، لن يحقق نتائج مرجوة لتعزيز نظام العدالة، ولن يساهم في وضع المسؤولين عن الفساد أمام القانون، الا بقدر محدود. واعتبرت المداخلات التي تحاور فيها المشاركون في تقرير الزمان، إن الاعلام جزء مهم في تعزيز النزاهة لكن ذلك يجب إن يكون مقرونا بجمع الأدلة بشكل كاف وتقديمها إلى السلطات القضائية.
ويقول الباحث القانوني علي التميمي، لـ الزمان إن الجهات والشخصيات التي تتحدث عن الفساد وتطالب بمحاربته، عليها اللجوء إلى القضاء بدلا من الاكتفاء باستعراض التفاصيل والاتهامات عبر وسائل الاعلام.
وقال التميمي لـ الزمان، إن “شخصيات سياسية واجتماعية، ومسؤولين حكوميين ونواب، يتحدثون عن ملفات الفساد، لكن هؤلاء في ذات الوقت لديهم تحفظات أو ربما توجهات سياسية تمنعهم من تسليم الملفات المتعلقة بالفساد إلى القضاء”.
واعتبر التميمي إن “ذلك يمكن تصنيفه قانونيا، في خانة التستر على المجرمين” وفق القانون العراقي”.
واستطرد في القول إن “جريمة التستر هي من الجرائم الخطرة والتي ربما لا تكتشف الا بعد التوصل الى الجناة واكتشاف الجريمة وبدأ التحقيق فيها وسماع افادات بقية المتهمين او عن طريق التحري والتفتيش، وهذه الجريمة يختلف شكلها من جريمة لأخرى فهي في جرائم المال، غيرها في السرقة او القتول”.
ويخشى أفراد لديهم معلومات عن الفساد من التبعات القانونية والانتقام الشخصي، ما يدفعهم إلى إخفاء الملفات لحماية أنفسهم، وقد يتواطأ عدد من الأفراد المتورطين في الفساد لحماية مصالحهم المشتركة.
وكشف التميمي عن إن “قانون العقوبات العراقي ينص على إن مجرد العلم بالجريمة او معرفة المجرم وعدم الابلاغ عنها هو تستر، وان عدم الابلاغ يشكل جريمة أيضا”، مستدركا: “المشرع أراد بذلك حماية المجتمع من الجرائم واثارها الاخرى فجعل الوازع الأخلاقي والوطني، هو الدافع للإبلاغ عن الجرائم”.
والأجهزة العراقية الرسمية ذات العلاقة، تحاول حسم ملفات الفساد عبر التأكد من الأدلة أو المعلومات وتقديمها إلى الجهات القضائية أو الرقابية المختصة، لكن هناك معوقات تحول دون ذلك منها الفوضى الإدارية وتخلف تقنيات التحقيق ما يؤدي إلى صعوبة الوصول إلى معلومات الفساد.
وينص قانون الأصول الجزائية على ان يكون البلاغ سريا في الجرائم الخطرة الأمنية والاقتصادية والإرهابية والتي عقوبتها المؤبد او الإعدام، وفق التفاصيل التي جاءت به المادة 47 من قانون الأصول الجزائية.
ويرى التميمي انه “ومع كثرة جرائم المال والفساد الإداري والمالي وحجمها الهائل وأثرها ونتائجها على الاجيال القادمة كونها جرائم ضد الإنسانية، فان هناك حاجة لتأمين حياة المخبرين عن هذه الجرائم بشكل كبير”.
ويحذر الخبير القانوني عبد القادر النايل، في حواره مع الزمان، من إن “ظاهرة الكلام عن الفساد قد يكون من أجل الابتزاز وليس هدفه مواجهة الفساد وهنا تقع مسؤولية أيضا على القضاء حيث يفترض أن كل من يتكلم عن الفساد يتم استدعاؤه لتثبيت شهادته”.
ويرى النايل بـ”عدم وجود خارطة طريق واضحة لمواجهة الفساد”، مشيرا إلى “المال العام استخدم كثيرا لأجل البقاء في السلطة وهو فساد أيضا”.
وأضاف أن “مواطنين ترتفع أصواتهم ضد الفساد لكنهم لا يستطيعون تقديم دعاوى قضائية لأنهم يضطهدون ويهددون”، مشيرا إلى “جهات تلعب دورا أساسيا في حماية الفساد والفاسدين والدليل تهريب المدانين بالفساد من السجون”.
وقال إن “هناك الكثير من الشواهد حيث القضاء يعجز احيانا عن المواجهة، بسبب قرارات العفو الخاصة، والتسويات” ، مشيرا إلى “متورطين جرت عملية تسوية أوضاعهم بحجة أنهم ارجعوا الأموال ما فتح الباب على مصراعيه حيث أصبحت ثقافة السرقة هي الأساس لبعض موظفي كبار الدولة، ومن ذلك انه عندما يمسك المتورط بالجرم المشهود ويدان فهو مطمئن إلى أن ارجاع جزء من سرقته سوف يؤمن اطلاق سراحه، وهناك من المتورطين من جرى إعادته إلى منصبه”. وقال إن “هناك مسؤولين يبقون في وظائفهم لأكثر من عشرين عاما ولا يتم تغييرهم لأنها تعود بالنفع المالي على الجهات صاحبة الشأن”، كاشفا عن “مناصب تشترى بمبالغ كبيرة لذلك لا يمكن التحدث عن محاربة الفساد من دون تفعيل قانون العقوبات العراقي ويكون بمعزل عن التسويات السياسية وستبقى ظاهرة الفاسدين الذين يتظاهرون بمحاربة للفساد وهذا ما يؤكد ضعف الإجراءات القضائية والحماية السياسية”.
المواد المعاقبة على التستر
وتعاقب المادة 245 من قانون العقوبات العراقي بالحبس لمدة تصل إلى السنة لمن يحجم عن الابلاغ عن الجريمة التي يعرفها، وعاقبت المادة 247 من قانون العقوبات العراقي ايضا بالحبس إلى الخمس سنوات لمن يمتنع عن الاخبار عن الجرائم وكان واجبه يلزمه بذلك، والمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب 13 لسنة 2005 عاقبت بالسجن المؤبد على التستر او إخفاء معلومات، او اشخاص بطبيعة إرهابية، فيما المادة 273 من قانون العقوبات العراقي عاقبت بالسجن 7 سنوات على اخفاء الاشخاص المطلوبين عن جرائم
ويقول د. غازي فيصل حسين، الأستاذ في العلاقات الدولية لـ الزمان أن “الفساد السياسي يعني إساءة استخدام السلطة العامة لتحقيق منافع غير مشروعة ومصالح شخصية ومكاسب خفية”، مؤكدا على إن “الفساد يبرز في الأنظمة السياسية غير الديمقراطية، مهما اختلفت هويتها وعناوينها ومسمياتها وتوجهاتها، حيث يرتبط الفساد السياسي بالفساد المالي، الذي يؤسس للجريمة المُنظّمة العابرة للحدود، والمرتبطة بجرائم تجارة المخدرات، وغسيل الأموال، وتزييف العملة، والجريمة السيبرانية، والعمولات غير المشروعة على الصفقات، والذي يُعد جريمة مخلة بالشرف وخيانة للوطن طبقا للقوانين العراقية”.
وقال إن “حجم الفساد المالي في العراق يشمل البنية الاقتصادية بكاملها، مما أدى إلى اتساع ظاهرة البطالة التي ارتفعت لأكثر من 31 %، وارتفع مستوى الفقر إلى 35%، كما وصل عدد الأميين إلى 12 ملايين نسمة، وانتشر تعاطي المخدرات بين 6 % من شباب العراق، بجانب غياب العدالة في التوظيف بسبب احتكار جهات نافذة للتوظيف عبر سيطرتها على آليات الدولة”.
واعتبر حسين إن “تدهور الاستقرار والأمن الاقتصادي مرتبط بظاهرة الفساد المالي”، مشيرا إلى “تقرير صادر عن مركز دراسات تنموية، يفيد بأن العراق توفر في أعوام سابقة على فوائض مالية تقدر بـ 700 مليار دولار لم يستفد منها، وكان يمكن أن تساهم في إعادة الإعمار”.
الأكاديمي الدكتور ضياء واجد المهندس يرى في حديثه لـ الزمان، إن “عدم اللجوء الى القضاء والى الجهات المختصة ليس بجديد. وقال: “شخصيا قصدت هيئة النزاهة والنزاهة النيابية وقدمت عشرات الملفات، لكن دون جدوى”.
واعتبر المهندس إن “مكافحة الفساد في العراق ليس حقيقيا بسبب جهات نافذة تسيطر على مزادات المناصب،
والصفقات، وبالتالي فان المواطن يدرك إن لا فائدة من اللجوء إلى الجهات المختصة لكشف الملفات”.
يتحدث الناشط في مجال مكافحة الفساد، سعيد ياسين موسى، لـ الزمان عن أن “الخطاب وجهود مكافحة الفساد تندرج في محاور عدة منها حكومية وقطاعية وقضائية واخرى تشريعية اضافة إلى خطاب اعلامي تنويري إرشادي للرأي العام”.
واعتبر موسى إن “من أخطر انواع الخطاب هو التلويح برزم من الأوراق امام الكاميرات دون احالتها الى الادعاء العام او هيأة النزاهة للتحري والتدقيق والتحقيق، وهنا تبرز شبهة الابتزاز السياسي لان الموضوع سوف ينسى، بعد فترة زمنية وهذا مؤشر منذ 2006 صعودا وليومنا هذا”.
وقال موسى إن “السياسة الوحيدة الناجحة هي اعتماد الإفصاح عن المعلومات وإبلاغ الجمهور من خلال الأخبار والبيانات الرسمية ونشر المعلومات واجبة النشر” داعيا إلى “وجوب إحالة أية ملفات الى هيئة النزاهة والادعاء العام بدل التلويح بها امام الكاميرات”.