عدنان أبوزيد – الزمان
يشهد متحف مدينة الموصل الحضاري، الذي يمثل مركزا حضاريا في العراق والمنطقة، تأهيلا شاملا ليكون متاحا للجمهور لأول مرة بعد الخراب الذي أصابه جراء استيلاء تنظيم داعش على الموصل في العام 2014.
ومن المؤمل إن مشروع التأهيل سوف يعيد المتحف الذي صممه المهندس العراقي الراحل محمد مكية، وافتُتح لأول مرة في العام 1952، إلى مكانه المتميز في قلب المدينة، تزامنا مع أعمال تنقيب للمناطق الاثرية في المحافظة.
وقال الباحث العراقي الدكتور نبيل نورالدين، المختص بالحضارة الاشورية لـ الزمان، أن «اعادة افتتاح المتحف في الموصل يشكل تحديا ثقافيا كبيرا لأن اعمال التأهيل تحتاج الى وقت طويل، في وقت تتصاعد فيه الدعوات إلى السرعة في الإنجاز، من قبل الشارع الموصلي»، معتبرا إن «ثورة الاعمار المتسارعة في المدينة جعلت المجتمع المحلي ينتظر سرعة تأهيل المواقع الاثرية والتراثية غير أن الاعمال الاثارية تتطلب التأني والوقت والعمل بشكل دقيق، وهذا يأخذ وقتاً كثيراً».
ويرى نور الدين أن «المجتمع العراقي بحاجة إلى نشر ثقافة الاثار والموروث الثقافي بعد انحسار الاهتمام به، بسبب الحروب والعمليات العسكرية، وهذه الثقافة يجب ان تكون ضمن حملة تقودها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وسوف يساهم ذلك في دعم الاقتصاد».
وفي 13 آذار /مارس 2017، تحرر متحف الموصل من سيطرة تنظيم داعش، لينكشف حجم الدمار الذي أصاب محتوياته التي لا تقدّر بثمن، بين قطع أثرية ثمينة، هُشّمت واحترقت، وأخرى اختفت نهائيا، حيث سرقها أفراد التنظيم، ووجدت طريقها الى تجّار الآثار.
ونوه نور الدين إلى أن «أهم مقتنيات المتحف البريطاني، تؤكد على إن العراق شهد ظهور أقدم الحضارات البشرية منذ العصور السومرية الى الاكدية مرورا بالبابلية والاشورية وانتهاءً بالعصور العباسية، كما شهد قيام اقدم انظمة الحكم والقوانين والشرائع والمفاهيم التي بنيت عليها المجتمعات الارقى في تلك الحقب التاريخية والعلوم الصرفة من رياضيات وكيمياء واختراع اول عجلة وانشاء اول مكتبة في التاريخ التي يقدر عدد الواحها المسمارية ما يقارب 24000 رقيما طينيا».
واستطرد بان «العراق عائم على بحر من الاثار، وما تم كشفه يعادل نحو خمسة بالمائة من الموجود تحت الأرض».
ومتحف الموصل يحتل المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد المتحف العراقي في بغداد، وقد تحول إلى ركام من صخر ورماد، وهيكل محترق بالكامل، بسبب الأعمال الحربية، بعد أن كان بواباته يحرسها نسخ مقلدة لثوْرين مجنّحين، يرمزان الى المملكة الآشورية التي تأسست في نينوى في 705 قبل الميلاد.
ويشير نو الدين إلى «الحاجة إلى جهد كبير من التنقيبات الاثرية، لكشف موروث مدينة الموصل وخاصة العواصم الاشورية ضمن محافظة نينوى وهي كلخو (النمرود حاليا ) ونينوى ومدينة دور شروكين (خرسباد الحالية) ومدينة الحضر وكذلك مجموعة الكنائس والاديرة والجوامع والمراقد وكلها نقاط جذب سياحية»، داعيا إلى «التسويق السياحي للاثار، وان يكون للقطاع الخاص دور رئيسي في ذلك».
ومقتنيات متحف الموصل تعود الى حقبة السومريين والإمبراطورية الاكدية (2300 ق.م) اللتين حكمتا في العراق، وقطع أثرية من الحقبة الهيلينية التي سبقت المسيحية بثلاثة قرون، فضلاً عن قطع أثرية كان قد عثر عليها في مدينة نمرود الأثرية جنوب شرقي الموصل، والتي سيطر عليها داعش أيضا العام 2014 ثم دمرها، و تعود إلى القرن التاسع قبل الميلاد، لتزيد من مأساة الآثار الكبيرة في العراق، التي نجم عنها سرقة نحو 200 الف قطعة أثرية منذ العام 2003.
في جانب متصل، يتحدث مدير عام دائرة الصيانة والحفاظ على الاثار في وزارة الثقافة المهندس اياد حسن عبد حمزة لـ الزمان عن أعمل تأهيل تشمل متحف الموصل، ومنطقة المأذنة، وكنيسة الساعة وبيت التوتتنجي، مشيرا إلى إنه «بالإمكان تطبيق تجربة الموصل، على بقية مناطق العراق الاثرية، لكن هناك نقص في التمويل، حيث تعمل المنظمات العاملة في نينوى على تمويل المناطق المحرر من داعش فقط، وتناقشنا معهم لأجل شمول مناطق بغداد بالدعم، وقد تم تكليف جامعة بنسلفانيا لدراسة مشروع دعم ترميم طاق كسرى فيما ابدت منظمة ليوان الرغبة في دراسة حالة خان مرجان».
وكشف حمزة عن إن «منظمة اليف وهي منظمة لحماية الاثار في المناطق المحررة او مناطق النزاع، هي التي تعمل على تمويل تأهيل متحف الموصل، وان اللقى الأثرية التي دمرت من قبل داعش يتم صيانتها وترميمها من قبل متحف اللوفر ومؤسسة سمثسونيا الامريكية»، كاشفا عن أن «الهياكل ترمم من قبل صندوق النصب العالمي وان اعادة التأهيل يتم وفق تصاميم شركات اجنبية تحاكي التصاميم الأصلية المعدة من قبل المعمار محمد مكية، ويشمل اللقى الأثرية و قاعات العرض والمخازن والمختبرات والمكتبة والمسرح واجهزه التكييف والكهرباء وعمل منظومة طاقة شمسية بالإضافة الى تأهيل الحدائق».
وقال حمزة إن «التأهيل يكشف عن مشاريع اليونسكو في مدينة الموصل التي تغطي تأهيل الجامع النوري والمئذنة الحدباء والتي بدأ العمل بها في العام 2019 لمدة خمسة سنوات ووصلت الاعمال حالياً الى مراحل متقدمة، حيث تم احالة العمل الى شركتين محليتين، وعلى مشارف الانتهاء من المرحلة الاولى من اعمار المئذنة الحدباء والتي تركزت حول معالجة الاساسات وتهيئة اعمدة الاسناد لحفظ التربة المحيطة من الهبوط والانجراف وتوزيع ثقل القاعدة والبدن الاسطواني عند اعادة تشييده، وهذا العمل سبقه اعمال تنقيبات اثرية حول قاعدة المئذنة من الجهات الاربعة للوصول الى الطبقة البكر واستظهار كافة الطبقات السكانية في المنطقة».
ويستطرد: «في باقي اجزاء الجامع وبيت الصلاة يتم العمل بصورة سريعة وحسب الجدول الزمني المحدد حيث يتم العمل على زراعة اعمدة الاسناد تحت القبة التي سيتم حملها عن طريق هيكل حديدي. وفي حديقة الجامع يتم بناء حمامات الوضوء و المبنى الاداري والذي سيحاكي الطابع التراثي للجامع وقد وصلت نسبة الانجاز الى ٢٧٪».
وأضاف: « تم تثبيت الاعمدة الوسطية في قاعة الصلاة الرئيسية ويتم العمل حالياً على اعادة الاقواس بين الاعمدة باستخدام الحجر الاصلي الذي تم جمعه من الانقاض واستبدال القطع المتضررة بأخرى جديدة، بالإضافة الى العمل في المبنى الملاصق للكنيسة وهو مسكن الراهبات والعمل وصل الى نسبة انجاز تقارب ٧١٪».
وتابع: «وصل العمل في كنيسة الساعة، إلى مراحله النهائية حيث تم اعادة الاجزاء المنهارة والتي سقطت نتيجة العمليات العسكرية في الجهة الجنوبية اضافة الى العمل في باحات الكنيسة واعادتها الى وضعها الاصلي ويتم العمل حالياً على اعادة ترميم بيت الصلاة وازالة الملاط الجصي المتعرض للضرر واستبدالة بملاط جديد واعادة النقوش والزخارف الحجرية في دكة المذبح ووصلت نسبة الانجاز الى ما يقارب ٨٠٪ «. وقال حمزة إن «اعادة اعمار المباني السكنية حول الجامع النوري والبالغ عددها ٤٣ بيت وصل إلى مرحلة تسليمها الى اصحابها مع صيانة الشارع المؤدي اليها ورصفه بحجر البيهارتون والعمل تم بما يتناسب مع الطابع التراثي للمنطقة، ويتم العمل على اعادة اعمار ٧٥ بيت في المرحلة الثانية وتم انجاز ١٤ بيت منها وتسليمها الى اصحابها وشارف على الانتهاء ١٢ بيت سيتم اكمال بعض التفاصيل البسيطة فيها وتسلم الى اصحابها في القريب العاجل مع البدء بترميم الشارع المؤدي الى هذه البيوت ليتم الانتهاء من العمل في الفترة المخصصة للمشروع».
وكشف حمزة عن إن «التأهيل يشمل بيت سليمان الصائغ وسوف يتم تسليمه الى مفتشية الاثار بشكل رسمي».
واسترسل حمزة: « وصل التأهيل إلى المرحلة الاخيرة في صيانة بيت زيادة مع اعادة كافة العناصر العمارية الى مواضعها الاصلية وكذلك الاجزاء الآيلة للسقوط بعد معالجة الاساسات و(التكهفات) في التربة تحت الاساس، حيث وصلت نسبة الانجاز لما يقارب ٧٥٪.