خالد المبارك.. تداخل لوني بين الأسطورة والخيال

خالد المبارك.. تداخل لوني بين الأسطورة والخيال
ريشة تتوسد الحلم في فضاء واقعي
مؤيد داود البصام
ما هو البناء الفكري الذي يجمع بين الأسطورة والحلم والواقع في رؤية الفنان ليشتغل عليها تقنية، تتحول إلى واقع مرئي بقيم جمالية على ظهر اللوحة ؟ هل هو هذا التداخل بين ألحلمي والواقعي، أو بين مخزون المدركات المعرفية ورؤاه اليومية لتغيير العالم وإيجاد عالمه الخاص ؟ الكثير من الأسئلة تطرح نفسها التي يضعنا خالد المبارك في أجوائها، عند النظر في إعماله في الرسم أو النحت، محاولا إبتكار عالم الإيهام والطقوس الأسطورية والحلمية ، أو كما يقول فاروق خورشيد، على بعد المكان وعلى اختلاف الزمان يلتقي الإنسان بالإنسان عند نسيج الأسطورة المتشابه الموحد … ومنه يستمد الإنسان عطرا ً لا ينمحي يذكره بقدرته على الخلق والإبداع الأسطورة عند العرب، مجلة الدوحة ، مايو 1976 ، أن عالم الأسطورة طقس يأخذنا إلى عالمين، عالم الواقع وعالم الحلم، الواقع بما يحمله من تاريخ لحدث مؤثر في روح الجماهير وبين حلم الفنان في تغيير الواقع وإيجاد عالمه الخاص، فيركن إلى الأسطورة للاستعانة بالهروب من الواقع الذي يضغط عليه، والفنان خالد المبارك يدمج عدة عناصر لإيجاد لحظة الدهشة ويبدع قيمه الجمالية، فهو يبني على الأسطورة ويدخلها في فنتازيات الحلم السريالي موشحه بالزخرفة على غرار الأسلوب الإسلامي، وبالذات ينتقي الإشكال الطبيعية من الورد والأشجار والأغصان والحيوانات، بتلاحم موسيقي ينساب عبر خطوط مدروسة، ماذا يريد بهذا الدمج إن يوصله لنا ؟، إن الإجابة على هذا السؤال، هو دخول الحلم الذي يحاول إن يجعله واقعا مكتملا محاطا بأسوار الغابات والأشجار والنباتات والأوراد، ويفرغ فيه شحنات التوتر التي يعاني منها في محيطه اليومي.
تحطيم الشكل وتحليل الصورة,,,,
أن محاولات الفنان خالد المبارك جرنا إلى عالمه المبهور بسحر الشرق، عالم من الأساطير والأحلام المملوء بالرموز والمنمنمات، عبر خطوط رشيقة مموسقة تتحرك على ضوء موسيقى الألوان التي تظهر لنا بشاعرية مفرطة في صوفيتها، وبمساحات تتواشك فيها العلاقات والعناصر المكملة بعضها مع البعض الآخر، ويسيطر عليها عدم استحواذ البناء الأسطوري والتراثي على مجمل اللوحة، إنما يتخللها واقعية الإشكال وعصرية الأفكار أو النصوص التي يعمل عليها من خلال رؤيته للواقع، أن الفنان خالد المبارك يتعايش مع الواقع بحس الفنان الواقعي الذي يحلم بتغييره نحو سعادة الإنسان، لهذا يعلن رأيه الصارخ ضد ما يحدث للإنسان من تعاسة على أيدي نفر يستغلونه لمصالحهم، وهو يؤمن أنه بهذا يضمن ما يستطيع إن يحارب به الظلم بواسطة الفن، إن الأجواء التي يشتغل عليها في لوحته أو على منحوتاته، توحي بهذه المشهدية في النصوص التي توضحها تركيزه على جانب من الوجه، وتركيزه على الرأس حامل الأفكار، أنه يدخل رموزه في الرسم والنحت بإيقاع شرقي، مع توشيحها بالزخرفة، والانفتاح البصري في فضاءات وعوالم اللوحة، التي لا تكبل نفسها بحركة التاريخ من حيث مرجعيتها الأسطورية، ولكنه يحيطها بالعناصر والعلاقات التي تحيل مرجعيتها لليومي والمعاش، انه يملك هذه المقدرة الغنائية على تحويل الحلم إلى واقع، في عالم يشغله بفضاء واسع وامتدادات لا نهائية، لبعث هذه الصورة الجميلة، خارج واقعيتها.
ما بين الرسم والنحت…
عندما ننظر إلى أعمال الفنان خالد المبارك، أن كانت ضمن الرسم على القماش أو النحت على الصخر، سنجد هذا التآلف الموتيفي في الخطوط المموسقة، في كلا الحالتين، إن هناك عنصر مشترك، يجمع بين عناصر لوحته وبين منحوتاته، هذه الخطوط التي لا تتخلى عن رشاقتها وانحناءاتها لتحسسنا بشاعرية النص، خطوط لينة منسابة تطغى عليها الرشاقة، تشق طريقها كأنها نهر منساب نحو نهايته، وأعماله النحتية بالرغم من كونها تؤكد على الكتلة إلا أنها تبقى ضمن الفضاء المحيط بها، وهي حركة مدروسة من الفنان، تمنح العمل القدرة على احتواء الفضاء الخارجي المحيط بها ، وكأنها ضمن تشكيلها في الموازنة العامة بين الكتلة والفراغ، وهذا يستوقفنا عندما ننظر إلى إعماله التشكيلية في الرسم ، إن هذه الخصية تشترك أيضا في إعماله النحتية، فان الكتلة تستحوذ على كل إبعاد اللوحة ولكنها تستمد فضائها من الفضاء العام المحيط باللوحة لتوليد هذا الإحساس، وان الكتلة لا تنغلق على نفسها، فتخسر اللوحة موازنتها في إشباع الرؤية البصرية، وهو ما توحي لنا به أعماله النحتية، بمحمول الرمزية وإيحاءاتها التجريدية، ولكنها تجريدية ضمن اطر واقعها، الواقعية التجريدية ، تمتاز لوحاته بهذه الروح التعبيرية التي تبرزها شفافية الألوان ، والزخرفة التي تطرزها، ولا أعتقد أن الإعمال الأخيرة في معرضه وجوه وأقنعة الذي أقيم في قاعة النخلة في جانب الكرخ من مدينة بغداد، المتمثلة بثلاث وجوه يغلب عليها اللون الأزرق، كانت تمثل أسلوب وبنائية لوحة خالد المبارك، إنهن خارج اطر أسلوبه وروحية لوحته، على الرغم من انه أوعزها كما قال تطوير الإعمال والرؤية ، أن هذا الأسلوب للوجوه والأقنعة، قدم فيه الكثير من الإعمال، التعبيرية التجريدية وبالذات استخدام الوجوه كأقنعة لما وراء الشئ، على الصعيد المحلي منذ أعمال ليزا الترك ولوحات إسماعيل الترك، إنا لا أناقش التأثير، فهذه مسالة طبيعية فالفنان أية فنان لم يأت من فراغ، أنما سبقه العشرات وتأثر بمن تطابقت رؤيته ورؤاه، ولكني أتحدث عن استهلاك الموضوع، لان أسلوب الفنان خالد المبارك له ميزاته الخاصة، أن كان في الإعمال النحتيته بخطوطها الرشيقة وغير الحادة، أو في إعمال الرسم وبنائية لوحته بفنطازيتها، ولكن هذا لا يعني الطلب منه التوقف عندها، إنما تحتاج بين فترة وأخرى للدراسة والتجريب والتطوير، لخلق نماذج جديدة من دون الانقلاب على الأسلوب والنهج العام كليا ً، أن الامتياز الذي تحمله لوحات ومنحوتات خالد المبارك، هو في هذه الرؤية الممزوجة بين الأسطورة والحلم والواقع، بتاطير زخرفي، وليونة الخطوط وانسيابيتها الموسيقية، مما يجعلها أناه التي يشتغل عليها.
/5/2012 Issue 4208 – Date 24 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4208 التاريخ 24»5»2012
AZP09

مشاركة