جمرة القيظ
جمرة القيظ ليست وليدة شهري تموزي/يوليو وآب/ أغسطس في العراق،كما انّها ليست متعلقة بحال المناخ الذي يُنبئ بأيام عصيبة في مقبلات الأيام، ولا أغالي إذا ماقلت إنّ هذه الجمرة تََستَعّر منذ سنين على كُلّ صعيد ..فهي في الأمن المجتمعي وغياب الخدمات العامة والإضطراب السياسي والنفسي والتخبط الفكري والتبدّل القيمي وسيادة الخرافة والمجاهرة بخرق القانون وسطوة المارقين وتفشي السرقة وكثرة الفاسدين..والإختطاف والقتل الذي لم تسلم منه حتى الطفولة في بواكير تبرعمها ..
جمرة القيظ إمتدت مساحتها لتشمل الوسط الرياضي بقتل رئيس نادي القوة الجوية وزوجته وأطفاله.. فما السبيل لإطفاء هذه الجمرة؟
قبل سنوات قام عازف العود المبدع نصير شمّه بتبني مشروع إنساني لإعادة تأهيل مجموعة من الأشخاص تعرضوا لظروف عصيبة ،
ويروي لنا عن قصة صبي قُتلَ والدهُ بدمٍ بارد في محافظة ديالى من قبل مجاميع مسلحة ،وكانَ الصبي مُعبأ بفكرة الإنتقام لمقتل والده حينما بدأت فكرة احتضانه من قبل الفنان نصير شمّه..
كانت فكرة إعادة التأهيل تقوم أساسا على إخراجهم من أجواء الشحن والإرهاب والسفر بهم خارج العراق ومن ثم الإشتغال على تعليمهم مهارة العزف على العود بموازة توفير أجواء هادئة مسالمة ..
تجربة نصير شمّه مع الصبي الذي كان تواقا للأنتقام ومقابلة الدم بالدم والقتل بالقتل أثمرت بعد فترة من الإعداد والتأهيل عن صياغة شخصية مغايرة تماما لما كان يُفكر به.. أصبح شخصًا آخر… هادئا، ودودا ،مسالما، شفيفا يتقن العزف بطريقة أثارت إعجاب القائم على التأهيل ..
وبالعودة الى التساؤل المتعلق بكيفية أطفاء جمرة قيظ العراق،فان الذي تقدّم من تجربة الفنان الكبير نصير شمّه جديرة بالتوقف عندها والإعتبار بها كتجربة حيّة ومؤثرة أعادت إنتاج الشخصية العراقية وتحويل مسارها إيجابيا باتجاه يدفع الى الحياة والبناء والسلام والإبداع.. والعاقل من يستثمر التجارب الناجحة.
مصطفى داود كاظم