جماليات المشهد السردي للروائي مؤنس الرزاز
شاكر مجيد سيفو
يؤكّد الناقد المبدع جاسم عاصي في مقدمة كتابه هذا الى جملة افكار يلخصها في افادته من الكثير من الاستنتاجات،سواء في مجال الكتابة او تحرير العمل الكتابي،أو كشف طاقة المعنى وقوته وحيويته، ثم الوقوف على تكرارات بعض المعاني،التي هي بالأساس عبارة عن مولدات للمعنى العام،ومشكلات في بنى الوعي الذي اضيف الى ذهن الشخصية الروائية.،ويؤكد الناقد في مسار اخر من المقدمة الى القول حاولنا تتبع واستقراء بنى السرد
والوصف من جهة،وبناء الشخصيات،وتشكّل مستويات وعيها من جهة اخرى،كذلك الزمان والمكان،وخصائصهما،ثم التدرج في التشكلات التي أحدثها الروائي،ان هذه القراءة هي بمثابة الدخول الى عالم كاتب روائي احتلت رواياته مساحة عريضة وكبيرة في المشهد الروائي الاردني والعربي.يقسم الناقد جاسم عاصي،كتابه الى احدى عشر فصلا ،،يبدأ بتمهيد تنظيري عن جذور السرد الروائي في الاردن يخلص فيه الى ان السرد الروائي هو نتيجة تشكلات الروي والحكي من المتون الشفاهية ومن خلال صيروراتها الاجتماعية ، هذه هي بمثابة المرتكزات الاساسية للرواية،هذه التي تحولت عبر الذاكرة الجمعية،باتجاه الذاكرة الفردية، راوي الحكاية المؤلف.ويسترسل المؤلف الناقد في شروحاته للعملية التدوينية والتأليفية للرواية ضمن هذه البنيات السردية واليات الاشتغال الحداثوية على مساراتها الحكائية والجمالية والتخيلية.يقول هنا لما كانت تنطوي عليه الحكايات والمرويات من اسرار واحداث،كان لها الدور الحياتي العريض لكل خصائص المتن التاريخي،لأنها في الاساس تروي تجارب فردية وجمعية.ومسار الحكي فيها يرمي الى بيان صوري كشخص قائل،او لفعل منح مجرىخاصا،وأعطى نتائج كبيرة.فهي اذن حكايات ومرويات واقعية ومتخيلة في ان واحد.ويصنف الناقد طبيعة الحكايات بالتفصيل،في متونها واصولها ومساراتها.ويثبت الناقد معلومة مهمة هنا هي يقول اذا كان عام 1968هو نقطة بدء المغايرة في تحول السرد الروائي في الاردن بشكل عام، بالاشارة هنا الى تاكيد الدكتور سليمان الازرعي والدكتور ابراهيم خليل وسواهما من الباحثين والدارسين، فأن النقلة انسحبت بفعل الى تعميق الرؤيا باتجاهين،الاول تأسيس خاص استند على تأسيس عام يخص نمط الروي والسرد،والثاني اعطاء وظائف جديدة لفن السرد الروائي.وذلك انعكس في قدرة واضحة في التمثيل السردي للمرجعيات التاريخية،واستثمار الأرث المحلي ومن هؤلاء الكتاب الذين خاضوا هذه التجارب مؤنس الرزاز وهاشم غرايبة والياس فركوح وجمال ناجي وابراهيم نصرالله وسميحة خريس وزياد قاسم.
يعنون الناقد فصله الاول من الكتاب ب النص المولد،رواية متاهة الأعراب في ناطحات السراب للروائي مؤنس الرزاز،ويلخص رؤيته النقدية في مفاصل رئيسة،هي، وحدات البناءاذ تتجه الرواية الى التكثيف للمحتوى والمعنى العام،ويتشظى هذا المعنى عبر مستوى ذهني لراو عالي المعرفة والثقافة والتجربة السياسية كما ان الرواية انتظمت على اكثر من مستوى لطبقات التأليف ان روايات مؤنس تنفتح على المتلقي،فالرواية هنا خطاب محدد بين نص ومتلقي،ويضيف الناقد ان وحدات البناء في الرواية،اشتغلت وفق نظام متداخل،غير انها حملت خصائصها الذاتية التي أسست مثل هذا التقارب لأنتاج رواية.ان اشتغال المخيلة،كان على وفق منظومات هيأت الشخصية الى ان تكون ضمن السياق من البناء.وهنا لابد من الاشارة الى أن مؤنس الرزاز باشتغاله على الموروث،يتبع منحى احداث المقاربة بين الموروث والنص اذ يرمي من وراء ذلك الى تخليق الاسطورة أو الحكاية،ان المحصلة النهائية التي يمكن الوقوف عندها في هذا النص،هي أن الرواية انتظمت على اساس بنياتها الداخلية،بمعنى استنفار الشخصيات من أجل وضع مثل هذا التأليف والوثيقة.
اما الفصل الثاني فقد تضمن قراء نقدية معمقة في رواية أحياء في البحر الميت وقد عنون الناقد دراسته ب لون الماء.. ولون الأناء تداخل الزمان والمكان يقول الناقد جاسم عاصي لقد استثمر الروائي مؤنس الرزاز كل ادواته،وقيمه الفنية من اجل صياغة رواية مهمة وفاعلة، فالمسألة السياسية في الرواية بنيت على اساس خيالي او مداخلة حلمية وهلوسة،غير ان الرواية بالتالي أسست قيمتها الموضوعية،وأكدت على علاقتها بالواقع السياسي الذي عانى منه الانسان العربي.في الرواية هناك تداخل بين ما هو تسجيلي ومخلق،يعتمد في الاساس على ان الوثائق التي حصل عليها الكاتب،هي مصاغة من قبل الاخرين.لكن عادة صياغتها تبوح بنفسها،من خلال بنية فكر المؤلف،وصوته على اعتباره راو مشارك متداخل مع راو اساسي في الوثيقة.في مجال اشتغال الرواية،كنص مولد، احياء في البحر الميت على تأسيس
نص داخل نص رئيسي،لقد استطاعت الرواية ان تدير علاقة جدلية بين واقع ممزق،محبط من خلال عقد صلة جدلية بين ما هو مدون وبين ما هو متصور ومجرب من قبل شخصية خارج المتن المدون
فالاولى استدرجها العنوان الرئيسي للرواية،والثانية وضع العلاقة الجدلية بين الزمان والمكان عبر مقولة الماء من لون الأناء بهذا التعالق والتعلق نشأ السبب والمسبب.بذلك تم تأسيس روايةعلى متون وتناصات،هي في الواقع تناصات ذاتية،اي داخلية مع متشكل الذهن الروائي.لذا فمن الملاحظ ان روايات مؤنس الرزاز تكرر قيمة معينة او اشارة ما،لكن في واقع الحال لا يحدث هذا التكرار لنفسه،بل يمكن القول،ثمة تشظي نحو خصوصيات متفرعة،تعلن عن نفسها،وتصنع أسسها الذاتية.لذا فأن كل رواية هي عبارة عن جملة موسيقية في عمل أوركسترالي كبير،له مركز واحد.
وفي الفصل الثالث يتناول الناقد رواية اعترافات كاتم صوت ويعنون قراءته فيها ب تراجيديا النهايات، يقول الناقد جاسم عاصي جاءت فصول هذه الرواية بتراتب معنونة ومؤشرة بحروف الهجاء كالاتي مدارات الصدى،والاصوات وكاتمها،ومنها اعترافات كاتم صوت،والعزلة ومنامات حبيسة،والمنام الثاني،والدائرة.ومن اعترافات الكاتم،واعترافات فتاة في عنق زجاجة،ودوائر الاصوات ثم الملحق.وهذه العنوانات،كانت بمثابة اصوات ومداخلات متمركزة في نواة.وفي الفصل الرابع يتناول الناقد،رواية جمعة القفازي يوميات نكرة وقد عنون قراءته ب صورة الشخصية الاشكالية يقول الناقد عن هذه الرواية ينتظم الروي في هذه الرواية،على نمط المناوبة،بين جمعة وراو اخر،يضاف اليهم راو ثالث،هو فاضل،ذلك لأن شخصية،جمعة،في الاساس،ذات نمط اشكالي،فالرواة الثلاثة يتمرأون ببعضهم،وينوب الواحد عن الاخر.ومن هذه الانماط يتولد سرد اساسي،وسرد ثانوي.ويستطرد الناقد في عدد من صفحات قراءته للرواية،شارحا الجوانب الفكرية والشخصية لكل منها الى ان يصل الى استنتاجه الاخير،ان شخصية جمعة بطبيعتها تعطي دلالات واقعية لطبيعة الانسان العربي،خاصة المثقف الذي يتلقى الصدمات،او ما يربك تصوراته،واحتمالاته،ويطفيء طموحاته ومشاريعه.اما الفصل الخامس فقد تناول فيه الناقد قراءة،رواية الذاكرة المستباحة.وقد عنون قراءته مصادرة الماضي..امحاء الذاكرة.يقول فيها تعتمد هذه الرواية على نمط السرد المتوالي،على العكس من رواياته الاخرى،اذ تتوفر على بناء بسيط وهرمي،وشخصياتها غير مركبة او معقدة.بل انها ترتكز على بنية حكائية،يقوم برويها سارد كلي المعرفة يراكم الاحداث،ويتابع بدقة العلاقة القائمة داخل البيت.تتعدد الاصوات والشخصيات في الرواية ولكل منها دوره وخصائصه.ان المحتوى العام للرواية،يتركز في جمع التشظيات عبر الشخوص،ان الرواية تنطوي على شيء غير منقطع،بل اشارة وهمية لتواصل حدثها.وهذا ما خلقه اسلوب الكاتب اساسا،والذي قرب نموذجه عبر تكثيف وعكس الداخل في الشخصية.
مذكرات أو يوميات
اما الفصل السادس فيتحدث الناقد عن رواية مذكرات ديناصور وقد عنون قراءته فيها تداخل الرواة والمروي يقول فيها تنطوي الرواية على اكثر من مستوى في التركيب الفني اعتبارا من العنوان الرئيسي والاهداء،ومن ثم تتراتب الفصول واللغة والسرد.وكل هذه الكائز مجتمعة،تحيل الى سياقات المعنى المخبأ في السيرة ،ويتوغل الناقد في قراءته في تمفصلات الشخصية الرئيسية ومرتكزات البنية الجمالية للرواية،حيث يقول ان الشكل الذي اعتمدته الرواية يشكل البنية الاساسية الموازية للبنية الموضوعية وليس خارجها،ومن العنوان توحي الرواية بانها عبارة عن مذكرات اويوميات او انطباعات،بمعنى تحال الخصائص الذاتية للمدون مع ما هو متوفر عند الماحول.ان المؤلف يستخدم المرايا لتجسيد هذه الخصائص.ثم ينتقل الناقد جاسم عاصي،في الفصل الشظايا والفسيفساء السابع من كتابه، الى قراءة رواية وقد عنون قراءته ثنائية الصوت يقول جاسم عاصي راوحت الرواية في مبناها،بين ضمائر السرد الغائب،والمتكلم،فاذا كان الاول مراقبا،يتسقط حركة الشخصيات وافعالها وعلاقاتها.ومن ثم رصد طبيعة الصراعات الدائرة عبر احداث الرواية،فان الثاني يفيد في استنهاض الجواني من الشخصيات من خلال فرز التجارب والرؤى ووجهات النظر.انقسمت الرواية الى قسمين هما الشظايا،وهومعنى برصد المشهد الروائي من خلال عبد الكريم ابراهيم والفسيفساء،من خلال سمير ابراهيم.وكلاهما اقرب الى نمط الاصوات الروائية التي تقربهال من رواية متعددة الاصوات،وهنا يتم تحديد ثنائية الاصوات حيث يتمركز الصوتان ليعبرا عن ملامح الاصوات الاخرى.ان التجميع والتوالي،وضع مادة الرواية على وفق منحى جدلي،فوحدات البناء هنا تندرج،وتؤدي وظائفها على مستوى واحد،فيما يخص وحدة الرواية،ان الصوت الروائي هنا ادى وظيفته الاساسية،ان ما ينتظم روايات الرزاز هو شدة تعلقها بالمكان مسمى وشعوريا،لانه يشكل ذاكرة وحاضنة لكل تجارب ابطاله.وفي الفصل الثامن يقرأ الناقد رواية سلطان النوم وزرقاء اليمامة وقد عنون قراءته ب الاقنعة والتماهي يقول فيها لجأ الروائي في هذه الرواية الى اظهار التحول في نمط السرد والروي،على نحومختلف في مجال تشكيل الشخصيات،ودورها في صياغة النص.ويبدو ان امر وضعها بكل خصائصها الواقعية والفانتازية داخل حاضنة حركة الرواية ومن خلالها الى الحياة،بمعنى ان الاساليب الواقعية تبدو مستنفرة لوظائفها وقوتها.ان الروائي استخدم اقنعة متعددة ساهمت من خارج الواقع للكشف والتعبير عن مضامين الحياة وتشابكها من خارج النمط الواقعي كان اساسها المخيلة وطاقاتها لتخصيب وجهة النظر والرؤيا .اما الفصل التاسع فيتناول الناقد رواية حين تستيقظ الاحلام وقد عنون قراءته ب المخيلة والتقصي يقول الناقد في هذه الرواية يستنفر اللاشعور،ليكون اكثر تسيدا في تتابع النص ومروياته.ذلك لان التأليف الروائي الذي اعتمدته كان على توالي،انساق من السرد والروي،المتأرجح بين منطق الواقع،ومنطق الخيال.اذ يتحول النص الى مجموعة رؤى،وتصورات،تتداخل مع بعضها.ومع ما هو مستل من ذاكرة الموروث،في احالة السرد الى شكل من اشكال الروي الذي ينسحب الى مدخل تعدد الرواة على وفق متابعة قيمة اساسية ،وهي نوع من التمرئي،قاعدتها نواة واحدة هي الخارقية وتجاوز المنطقي.وهذه هي نقطة التحول في الرواية التي اختار لها الروائي منحى المخيلة،لتفجير ما لا يستطيع تفجيره ،وتمثله في الواقع.ويتناول الناقد رواية عصابة الوردة الدامية،في الفصل العاشر من الكتاب،وقد عنون قراءته ب اطراف التناقض يستهل الناقد قراءته بتفكيك المتن النصي لها اذ يبدأ بالقول تعتمد الرواية في انتظام فصولها على الاصوات.وقد حددها بما توفر في النص من ثيمات معتمدة على مجموعة من الرؤى والانطباعات وانعكاسات افعال وعلاقات تفرزها الاصوات المتمثلة باطراف التشكيل الرباعي في الرواية المركب من الشخصيات الاربع التي تندرج تحت خيمة تعدد الاصوات.اما الفصل الاخير الحادي عشر فيتضمن قراء ة في رواية ليلة عسل وقد عنون الناقد قراءته ب البطل المتشظي اذ يقول فيها في هذه الرواية تتحول بنية تركيبة الشخصية من نمط الأزمة الحادة المليئة بالقلق الوجودي،الى ازمة تتخفى ضمن اطار ذاتي بحت.لكنها تؤول بالنتيجة الى دلالة عامة.وهذا المبنى في تشكيل المعنى هو نقطة بدء المغايرة مع مجموعة المعاني التي طرحتها روايات مؤنس الرزازجميعا . اما في المجال الفني،اي ضمن وحدات البناء،فان الرواية اندرجت على وفق مبنى بسيط وغير مركب.ان محور ما يدور في الرواية،هو نوع من ايجاد التوازن،والتوافق عبر تحقيق قوة الشخصية التي تعرضت الى خلخلة طبقية وذلك باستكمال وجودها الاجتماعي والسياسي.ويختتم الناقد كتابه المهم هذا بالخاتمة التي يجمع فيها كل افكاره ورؤاه في المشهد الروائي للروائي مؤنس الرزاز،حيث يشير الى ان كل روايات مؤنس تتجه الى الاشتغال بمنحى التجريبي الفني والموضوعي،وتوظيف الاجناس والخطابات والموروثات من اجل خلق ذهنية روائية مستقلة بنفسها،وهو قد استند واستقر في مرجعيته على ذاكرة مزدحمة.، أن مؤنس الرزاز امتلك نصه خصائص عديدة على صعيد الشكل والمضمون.كشفت عنها رواياته.ومن الجدير بالذكر ان الناقد جاسم عاصي هو روائي وقاص له العديد من الاصدارات القصصية والروائية والنقدية.
AZP09