جدوى الدعم اللوجستي الأمريكي للجهد الأمني العراقي
عماد علو
في زيارة قام بها وزير الخارجية العراقي السيد هوشيار زيباري منتصف آب 2013 الى العاصمة الامريكية واشنطن طالب بمساعدات أمريكية جادة للعراق في مجال التصدي لتهديد تنظيم القاعدة المتصاعد في العراق . وذلك من خلال استخدام طائرات بدون طيار وتقديم دعم استخباري للقوات العراقية وغير ذلك من أوجه الدعم التكنولوجي والتسليحي . والامر ذاته قام به رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في زيارته الاخيرة الى واشنطن حيث طالب بتزويد العراق بالأسلحة ذات الطابع الهجومي على تنظيم القاعدة ومنها الطائرات بدون طيار، مشيراً الى أن التعاقد على شراء الأسلحة الثقيلة ما زال قائماً لكنه يستغرق وقتاً طويلاً، فيما أكد آخر معسكر للقاعدة في البلاد تم اكتشافه بمساعدة أمريكية. الا أن توجهات الحكومة العراقية لطلب الدعم العسكري واللوجستي الامريكي اثار الكثير من الجدل داخل الاوساط السياسية والشعبية العراقية ، عكس انقساما” حول جدوى المساعدة الامريكية في التصدي لتهديد القاعدة الارهابي . وازاء هذه التطورات في الصراع بين تنظيم القاعدة الارهابي والاجهزة الامنية العراقية لابد لنا من التذكير بأنه منذ العام 2001 والولايات المتحدة الامريكية تشن حربا” اطلقت عليها أسم (الحرب على الارهاب) دمرت خلالها بلدين اسلاميين هما افغانستان والعراق وقتلت وشردت الملايين من المدنيين المسلمين في هذين البلدين وفي غيرهما ولاحقت العديد من قادة تنظيم القاعدة الذي اتهمته بتدمير برجي التجارة في نيويورك بتاريخ 11/9/2001، وقد اغتالت العديد من قادة تنظيم القاعدة ابرزهم كان زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الذي اغتيل اثر عملية كوماندوس مثيرة للجدل في مخبئه في الباكستان ، قالت الادارة الامريكية أنها جاءت في سياق الحرب على الارهاب .. وكرد فعل على استهداف الولايات المتّحدة الأمريكيّة لتنظيم القاعدة ، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، وما تمخّض عن ذلك من إعلانٍ عمّا سمّته الولايات المتّحدة الأمريكيّة بالحرب على الإرهاب. جعل من أفغانستان ملاذا” غير آمن لتنظيم القاعدة لذلك حاولت القاعدة القيام بهجوم مقابل على ما سمي بالحرب على الارهاب ، فدفعتْ بمقاتليها إلى البحث عن أماكن أخرى تصلح كمرتكزات استراتيجية لهجومها المقابل ، الامر الذي جعل أعوام ما بعد 2003 تشهد هجرةً لمقاتلي القاعدة باتّجاه العراق واليمن والسعودية والصومال وشمال افريقيا في ليبيا والجزائر وتونس ومصر والشام وباكستان . وقد نجحت القاعدة في العراق ، بقيادة الاردني (ابو مصعب الزرقاوي) في اقناع بعض العراقيين باحتضان مقاتليها ظنًّا منهم أنّهم يقاتلون الاحتلال الأمريكي، وفي الوقت الذي أعلن الزرقاوي ولاءه لزعيم القاعدة اسامة بن لادن ، أعلن عن تأسيسه في العراق (امارة دولة العراق الاسلامية) . الا ان القاعدة سرعان ما اصطدمت بالعراقيين الذين احتضنوها نتيجة تدخلها في قناعات النّاس الإيمانيّة المتسامحة، والاساليب المتطرفة التي اتبعها تنظيم القاعدة في التعامل مع تلك القناعات ، والتي حاولت زرع الفتنة الطائفية وتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وهي اهداف تتطابق مع اهداف الاحتلال الامريكي ايضا” !.
وفي مطلع كانون الثاني 2009 ، أُعلِن عن اندماج تنظيميْ القاعدة في اليمن والمملكة العربيّة السّعودية، وعن تأسيس ما سُمِّي بقاعدة الجهاد في جزيرة العرب، بقيادة اليمني ناصر عبد الكريم الوحيشي . وقامت بالهجوم على المدمِّرة الأمريكيّة كول (USS Cole)، والهجوم على السّفارة الأمريكيّة في صنعاء في أيلول / سبتمبر 2008. كما نجحت القاعدة في اختراق أمن العائلة المالكة السّعودية، والقيام بمحاولة اغتيال المسؤول عن الملفّ الأمني ضد القاعدة الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز . بالإضافة الى كشف محاولة ، الشابّ النّيجيري عمر فاروق عبد المطلب ، الذي حاول تفجير طائرةٍ متوجّهةٍ للولايات المتّحدة كان استقلّها من أمستردام ليلة عيد الميلاد (25 كانون الأوّل / ديسمبر 2009)، وذلك عبر عمليّةٍ نظّمها تنظيم القاعدة في اليمن؛ والتي كانت مؤشّرًا خطرًا في تطوّر الوسائل والأساليب التي تتبعها القاعدة لتنفيذ عملياتها. أما في الصومال فقد نشأ فيه نمطٌ فريدٌ من نوعه اطلق عليه حركة الشّباب المجاهدين وحققت انتصارات عسكرية عديدة استدعت تدخل قوات افريقية لتحرير العاصمة مقاديشو من قبضة القاعدة . ومما يلفت النظر ويثير الاهتمام هو انتقاء القيادة العالمية لتنظيم القاعدة مناطق بؤرية ذات أهمية ستراتيجية وحيوية للمنطقة والعالم الغربي خاصة تشكل تهديدًا خطرًا لأمن القوى الدّوليّة العدوّة للقاعدة. فمضيق باب المندب، وخليج عدن، وحركة القرصنة القائمة فيه وفي الصومال، والقرب من خطوط الملاحة الدولية، ومجاورة منطقة الخليج العربي واحتياطاتها النّفطية والماليّة الهائلة؛ هي كلّها مواقع وممرات مائية ستراتيجية وذات أهمية حيوية . وقد اتاح ما سمي بالربيع العربي بيئة ملائمة لنشاط التنظيمات الاسلامية السياسية ومن ضمنها تنظيم القاعدة حيث نشطت خلاياها النائمة في العديد من الدول التي شهدت اضطرابات ومظاهرات وثورات ضد الانظمة الشمولية والدكتاتورية في المنطقة . كما بدأت من جديد فلولٌ القاعدة في إعادة تنظيم نفسها في العراق، ونشطت بشكل ملحوظ خلاياها نائمة في بلاد الشام. وهذه دالة ومؤشرات مهمة على اتجاه القاعدة لتصعيد نشاطها وضغطها باتّجاه البحر الأحمر وما يحاذيه والبحر الأبيض المتوسّط ، لاستهداف مصالح الغرب والولايات المتّحدة الأمريكيّة في الشّرق الإسلامي . وتنظر الولايات المتّحدة الأمريكيّة بقلقٍ بالغٍ إلى احتمال تهديد امتداد القاعدة من اليمن إلى السعودية والأردن وسوريا لأمن “إسرائيل”، وما يعنيه هذا التّهديد من عبءٍ إضافيٍّ يُضاف إلى الأعباء التي لديها، ومن اقتراب التنظيم في هذه الحالة من تشكيل الحاصرة الجيوستراتيجية التي سبقت الإشارة إليها من الصومال إلى طوروس، وتزايد قوّة زخمها. أما في شمال أفريقيا فتنظيم القاعدة برز بشكل كبير اثر سقوط نظام القذافي في ليبيا حيث لعب مقاتلي القاعدة دورا” كبيرا” وبارزا” وما زالوا فيما جرى ويجري اليوم في ليبيا وقد وجهت اصابع الاتهام الى مقاتلي القاعدة في قضية مهاجمة السفارة الامريكية في بنغازي مؤخرا” . كما قامت تنظيمات القاعدة المتطرفة بمهاجمة مراكز اعلامية واضرحة مقدسة في تونس . وفي الجزائر قامت القاعدة بالعديد من العمليات الانتحارية والتفجيرات التي استهدفت مقرات ودوائر حكومية وأمنية. الا أن الملفت للنظر هو استيلاء القاعدة على شمال جمهورية مالي وعلى مدينة تمبوكتو التاريخية الشهيرة ذات الموقع الستراتيجي جنوب الصحراء الافريقية وشروعها بهدم العديد من الاضرحة والمواقع الاسلامية التاريخية في تلك البلاد الافريقية ، الامر الذي دفع فرنسا وعدد من الدول الاوربية الى ارسال قواتها للتصدي للقاعدة هناك.
وتشير تقارير عديدة على أن قدرة تنظيم القاعدة على التمدّد الأفقي يعزى الى الاسباب الاتية:
1. توظيف العامل القبلي الذي رفد القاعدة بالمزيد من الأنصار، و طالبي الاستشهاد ، وهو ما وسّع من ترسانة التسلّح لدى القاعدة.
2. الاستفادة من المواطنين والجنود الأمريكيّين السّابقين والفارّين والمتحوّلين إلى الإسلام، ومن المحكومين بجرائمَ جنائيّة في تنفيذ أهداف التّنظيم وغاياته.. بحسب تقريرٍ رُفع إلى لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشّيوخ الأمريكي بتاريخ 21 كانون الثاني / يناير 2010؛ أنّ تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب (AQAP) .
3. تطوّر ستراتيجيات القاعدة وتكتيكها، واستفادتها من كلّ ما تتيحه الحرب اللّامتناظرة (Asymmetric Warfare) ـ التي تتقنها القاعدة- من تهديدٍ لمصالح وأمن الولايات المتّحدة.
4. الانحياز الامريكي الى الجانب الصهيوني في قضية فلسطين وسياساتها المعادية للعرب والمسلمين ، مما زاد من حدة الكراهية للأمريكان بين شعوب المنطقة .
5. الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الامريكي في العراق وافغانستان بحق المدنيين العزل ، ساعد على دفع العديد من المسلمين الى الانخراط في صفوف تنظيم القاعدة .
6. الاوضاع الاقتصادية المتردية وزيادة نسبة البطالة بين شباب البلدان العربية والاسلامية كان له الاثر الواضح في زيادة حدة الغضب والشعور بالظلم ، الذي دفع العديد منهم الى احضان القاعدة .
ختاما” يمكننا القول بأنه على الرغم من القدرات التكنلوجية والتسليحية والالكترونية والاستخبارية الامريكية ، الا أنها لم تضع حدًّا للقاعدة لا في العراق ولا في افغانستان ، ولا لامتداداتها الدولية والإقليميّة في ليبيا وسوريا ومصر واليمن وغيرها ، وما زالت الولايات المتّحدة الأمريكيّة تشعر بانها مهددة من قبل تنظيم القاعدة عدوّها الأوّل على الصّعيد العالمي ؛ الامر الذي يجعل من طلب العراق للمساعدة العسكرية الامريكية في مواجهة تهديد القاعدة الارهابي في العراق أمر غير مجدي من الناحية العسكرية بل أنه سيرفع من تكاليف الحرب على الارهاب في العراق ويحمل الخزينة العراقية أموال طائلة يمكن استثمارها لتحسين الواقع الخدمي والاجتماعي العراقي بما يضيق من المساحات الحاضنة للإرهاب والجريمة في العراق .ان المساعدة العسكرية الامريكية المنتظرة سوف لن تكون مجدية من ناحية الكلفة والتأثير..