ثورة 14  تموز 1958

ثورة 14  تموز 1958

ليلة تحويل جريدة الشعب إلى الجمهورية

محسن حسين

اذكر جيدا احداث ليلة الهجوم على جريدة الشعب وتحويلها الى جريدة الجمهورية بعد 3 ايام من ثورة 14 تموز 1958 ولاني كنت شاهدا على تلك الاحداث كمحرر في جريدة الشعب ثم في جريدة الجمهورية ادون هنا بعض ذكرياتي عن تلك الايام.

اذكر جيدا ما حدث في اليوم الثالث لثورة 14 تموز بقدر ما يتعلق بعملي في الجريدة والواقع انني الان عرفت مما كتبه الاخ ستار الدوري امورا لم اكن على علم بها لسببين اولهما اني لم اكن بعثيا وثانيهما اني لم احاول التدخل في امور كنت ابتعد عنها انطلاقا من عملي المهني واخلاصي للمهنة.عصر يوم 14 تموز اجتمعنا نحن محرري الجريدة للتداول في الموقف وكنا جميعا عبرنا بشكل واضح تاييدنا للثورة واستعدادنا لاصدارها ولكن من الناحية الاخلاقية قررنا ابلاغ صاحب الجريدة ورئيس تحريرها يحيى قاسم وهكذا ذهبنا انا واثنان من زملائي الى منزل رئيس التحرير نستشيره بما نفعل فلم نتلق منه موافقة على اصدار الجريدة او عدم اصدارها تاركا ذلك لنا لنقرر ما نشاء في حين سمعنا صوت زوجته تطلب منا الخروج وعدم توريطه . وهكذا قررنا تحمل المسؤولية باصدار الجريدة وكانت اول مشكلة هي الصور التي التقطها مصور الجريدة حازم باك وكنا نخشى ان يكون لقيادة الثورة راي فيها مثل منع صور القتل والسحل وغيرها وكانت الصحافة في العهد الملكي تعرض ما تريد نشره على الرقابة وكان من الواضح ان قيادة الثورة لم يتوفر لها الوقت لتفكر بالرقابة خاصة ان صديق شنشل المعين وزيرا للاعلام كان خارج العراق ولم يلتحق بعد بمنصبه كما علمنا في وقت لاحق.

الزملاء طلبوا مني ان اذهب الى دار الاذاعة في الصالحية لاني كنت اتردد على الاذاعة لاجراء لقاءات مع الفنانين من مطربين وممثلين واذاعيين لمقابلة وزير الاعلام وعرض الصور عليه فذهبت الى هناك وتوجهت الى الغرفة الاولى في يمين المبنى الرئيسي حيث كان هناك العشرات معظمهم من الضباط وبينهم بعض المدنيين. تلفت بين هؤلاء واخترت مدنيا شابا قلت في سري انه سيدلني على الوزير. سالته: من فضلك اين الوزير؟ واذا به يقول لي: انا الوزير تفضل.وعلمت انه فؤاد الركابي وزير الاعمار لكنه جاء الى  الاذاعة ليتولى امور الاعلام لحين التحاق الوزير صديق شنشل.كان الرجل ودودا وفهم ما اريد واســتفسر عن الجريدة ومطبعتها ومحرريها وموقف صاحبها من اصدارها لكنه لم يقرر شيئا تاركا ذلــــك لتقديرنا نحن الصحفيين العاملين في الجريدة ما دمنا موالين للثورة.

عصر يوم 16  تموز وكنا نعمل على اصادر عدد من الجريدة واكملنا 4  صفحات تم طبعها هي الصفحات 2  و3  و6  و7  وامامنا المساء كله لاعداد المواد والبيانات والاخبار والتقارير للصفحة الاولى والصفحتين المحليتين 4 و5 والصفحة الاخيرة 8.

في تلك اللحظات فوجئنا بقوة عسكرية تدخل الجريدة يتقدمها اشخاص عرفت منهم فؤاد الركابي وحافظ علوان مرافق الزعيم عبد الكريم قاسم وعلي صالح السعدي. وقف فؤاد الركابي وسط قاعة التحرير وقال ان جريدتكم من الان اصبحت تسمى جريدة الجمهورية ولما كان لا يعرف احدا من العاملين غيري فقد توجه نحوي وجلس الى جانبي في المكتب الصغير المخصص لي في اخر القاعة متجاوزا  سكرتير التحرير والمحررين الاخرين ممن هم اقدم مني (في تلك الايام كان قد مضى على التحاقي بالعمل الصحفي اقل من سنتين) وسالني عن المواضيع المعدة للنشر.

صفحات مطبوعة

قدمت له الصفحات الاربع المطبوعة فلم يوافق على الكثير من موادها واذكر اني قلت له ان الموضوع في الصفحة الثالثة عن محسن السعدون وموقفه من الانكليز وانتحاره يناسب توجهات الثورة لكنه لم يوافق على نشره وطلب اعداد مواضيع وبيانات الثورة وردود الافعال الخارجية وعرضها على رئيس التحرير قائلا ان اسمه د. سعدون حمادي وانه سيحضر بعد قليل كما ابلغنا ان الجريدة ستحمل اسم  صاحبها عبد السلام محمد عارف.

في الساعات التي تلت اقتحام الجريدة جاء كثيرون واذكر اني رايت ستار الدوري لاول مرة مع علي صالح السعدي وعندما جاء د .سعدون حمادي دخل الى غرفة رئيس التحرير وبعد ان اطلع على المواضيع المعدة للنشر اغلق الباب لمدة طويلة قبل ان يرسل لنا افتتاحية الجريدة التي صدرت يوم 17 تموز قبل الظهر واظن الساعة 11 صباحا.

وممن التحقوا للعمل في الجريدة في الايام الاولى حازم جواد وطارق عزيز  ومعاذ عبد الرحيم وسجاد الغازي وعبد الصاحب العلوان و د. فؤاد عبد الله وغيرهم اما المحررون في الجريدة فقد بقوا فيها واذكر منهم محمد حامد ومنير رزوق.

بعد اقل من شهر في مبنى ومطبعة جريدة الشعب اكتشف المسؤولون عن الجريدة ان هناك مطبعة احدث هي مطبعة جريدة الاخبار التي اسسها جبران ملكون قرب القصر الابيض وسرعان ما انتقلنا اليها ادارة وتحريرا وطباعة.

تعرفت في الايام الاولى على حازم جواد وذات يوم اقترح علي ان اجري مقابلة صحفية مع فؤاد الركابي وقد سرني ذلك كثيرا فذهبنا معا الى منزل الركابي في الاعظمية على ما اذكر واجريت مقابلة مطولة نشرت في اليوم التالي على صفحة كاملة.

في الايام الاولى ابلغت باختياري لمرافقة عبد السلام عارف في زياراته للالوية (المحافظات) العراقية ومنها حسب ذاكرتي الناصرية والديوانية والحلة. كنت اذهب معه بالطائرة وكان معه بشكل دائم فؤاد الركابي. وكنت اعد تقريرا عن الزيارة وخطب عبد السلام عارف ينشر في اليوم التالي كنت حريصا في كتابة تلك التقارير الصحفية ان اكون موضوعيا انقل ما اشاهده واسمعه في ظروف ظهرت فيها خلافات حادة بين من ينادي بالوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة وبين من ينادي بالاتحاد الفدرالي (وللاسف لم يحقق اي من الطرفين شعاراتهما).

وقبل مرور شهر على الثورة طلبني العقيد عبد السلام عارف مع مصور الجريدة فذهبت اليه في وزارة الدفاع حيث كانت تدار الدولة من هناك. وفي القاعة التي تعقد فيها جلسات مجلس الوزراء قال لي انه يريد ان نكتب مقالا بعنوان الاخوة مع صورة تجمعه مع الزعيم عبد الكريم قاسم وعندما دخل الزعيم الى القاعة كلمه عبد السلام عن مهمتي الصحفية والموضوع الذي سينشر في الجهورية  وقال له ان مندوب الصحيفة يريد صورة تجمعهما للنشر بمناسبة مرور شهر على الثورة فوافق الزعيم ووقفا في صدر القاعة امام العلم العراقي (العلم الملكي قبل ان يتقرر العلم الجمهوري) وقام المصور حازم باك بالتقاط الصورة. العقيد عبد السلام تحدث مع الزعيم عن أهمية نشر هذه الصورة لتعزيز علاقاتهما الأخوية!! لكن الذي حدث أن تلك الصورة عززت خلافاتهما.

فقد ظهرت الصورة في صحيفة الجمهورية في عددها رقم 25 الصادر في 14 آب 1958  مقلوبة إذ ظهر اليمين يسارا واليسار يمينا ويدل على ذلك وضع مسدس عبد الكريم قاسم حسب ملاحظة العسكريين في وزارة الدفاع . وكان نشر الصورة بهذا الشكل  في الواقع خطأ من المطبعة لم ينتبه له احد من العاملين في الصحيفة  لكن جمــــاعة عبد الكريم قاسم ظنوا أن ذلك كان مقصودا!

ومن ذكرياتي عن العمل في جريدة الجمهورية ان ما كتبته عن زيارة عبد السلام عارف للحلة لم يعجب المسؤولين في الجريدة فكلفوا محررا اخر (لم يذهب الى هناك) بكتابة تقرير نشر في اليوم التالي وتم بعد فترة الاستغناء عن خدماتي قبل غلق الجريدة في 5/11/1958.