
فاتح عبد السلام
قبل شهور كنتُ برفقة صديق كان يروم شراء منزل في عاصمة عربية ، وكان يهمّه استطلاع رأي الاصدقاء في الاختيار . وكان كلّما وجد منزلاً جميلاً يطير قلبه اليه ،ويقول هذا هو البيت المناسب ، ثم يلتفت نحوي ليستطلع رأيي ، وكنتُ أقول له لا أظنّه يصلح . وكان يسمع كلامي ويأخذ به من دون نقاش ، ويأخذني من دون كلل أو ملل الى بيت آخر أفضل منه ، وأراه به فرحاً، لكنني كنتُ أقول له أنّ هذا البيت لايصلح فيستجيب ، لكنّه في المرة الثالثة ، قال ، أرجوك أخبرني عن سبب عدم رضاك على هذه البيوت الجميلة .
قلت له ،مواقعهالا تصلح .
قال ، بالعكس هذه أفضل المواقع حيث المنطقة التجارية قريبة وهذا البيت مثل الذي قبله على واجهة الشارع .
قلت له : لهذا السبب أرى أنّ موقعه لا يصلح .
قال ، اشرح لي ذلك لم أفهم .
قلت ، حين تقع مواجهات عسكرية تكون البيوت على الشارع العام أول الأماكن المقصوفة ، أو في أفضل الأحوال يتخذ منها قناصة أي طرف مكاناً للقنص .
قال متعجباً : ماذا تقول ؟ هل نسيت في أي بلد نحن الآن ؟
قلت: فكّر بالموقع الذي لا يكون فيه منزلك صيداً سهلاً ، كما إنّ هذه البيوت سهلة الاستهداف بالقذائف والهاونات ولا حماية حولها من مبان أخرى .
قال ، لكن هذا الاحتمال لا يمكن أن يحصل في هذه العاصمة العربية فهي مستقرة وآمنة ، من أين يأتي المتحاربون ليتقاتلوا في حرب مدن هنا .
قلت له : بعد دمار عاصمة ليبيا وتدمير أكبر مدن الشرق الاوسط الموصل وحلب ومعظم مدن العراق وسوريا وما كانت تشهده بيروت في الحروب واليوم في صنعاء وأمس في تعز، وكلها كانت مدناً مستقرة ، يكون الانسان مغفلاً إذا لم يفكر بالموقع ذي الحصانة العسكرية للمنزل الذي يروم شراءه . حروب المدن لا تستثني مدينة.
قال مازحاً : لم أعرف أنك عسكري الى هذه الدرجة ؟
قلت له : الحروب منذ ثلاثة عقود لا تمر إلاّ عبر بلداننا ،ولابد أن تتوقع الأسوأ دائماً.
قال ، على رأيك أحتاج شراء رابية في ثكنة وليس منزلاً .
قلت له،إذا تيسر لك ذلك فافعل .
قال : ولِم لا تفعل أنت؟
قلت له : أنا مرتاح ومطمئن .. أسكن منذ عشرين سنة بالإيجار .
قال: الله أول مرة أشعر بنعمة الإيجار .
وضحكنا معاً مغادرين المكان .
رئيس التحرير ـ لندن
fatihabdulsalam@hotmail.com


















