كلام أبيض
تم الرد على الخاص – جليل وادي
جميع الأمور نسبية، هكذا هي الحياة، والبشر ليسوا بمعزل عن هذا الحكم، فكما يوجد في المجتمع أناس أشرار، فأن الأخيار فيه كُثر، (لو خُليت قلبت) بحسب قول العراقيين، هذه حقيقة تشترك فيها جميع المجتمعات غربها وشرقها، وتعمل الدول مستعينة بوكالات التنشئة الاجتماعية والمدرسة في مقدمتها على جعل الانسان خيرا في مجتمعه وفاعلا في محيطه، ذلك ان الانسان لا يولد شريرا او انتهازيا او منافقا، بل هو حصيلة التنشئة، فاذا تُرك سائبا فالنتيجة لا محالة ستكون على عكس ما نرغب، هكذا يقول علماء الاجتماع، وعليه فان اعمار الانسان أولى من اعمار البنيان. وبالنظر لاستحالة أن يكون المجتمع بأجمعه خيرا، فان معيار نجاح هذه الوكالات من عدمه يمكن تلمسه من طبيعة الغالبية العظمى للمجتمع، وضآلة نسبة غير الأسوياء فيه.
وفي اطار التعاملات اليومية تتكون لدى أفراد المجتمع صور ذهنية عن جميع ما يتعلق بالبيئة التي يحيون فيها، وبعض من هذه الصور ايجابية، وبعضها الآخر سلبية، ومن الضروري التعرف الى هذه الصور، ليتسنى تعزيز ما هو ايجابي، ومحاربة ما هو سلبي، فمن شأن الصور الايجابية الراسخة تعزيز انتماء الأفراد لوطنهم، وترسيخ مبدأ التعاون بينهم بدل الصراع، وغرس القيم النبيلة في نفوسهم. فتأملوا كيف هي صور الأشياء من حولنا؟، واستنادا اليها اطلقوا أحكامكم.
وبودي هذه المرة التقصي عن صورة الأطباء في ذهن المجتمع، أظن ان الجواب معروف لديكم، ولا أغالي ان قلت ان الصورة تكاد تكون سلبية بالمطلق، مع ان مهنة الطب تفترض بهم التحلي بالقيم الانسانية أكثر من غيرهم، لأنهم يتعاملون مع أشخاص غير أصحاء جسديا ونفسيا، لكن الملاحظ ان غالبيتهم وضعوا الضمير على الرف، وركنوا الانسانية خارج العيادة، وليس أمام أنظارهم سوى المال، حتى ينتابك شعور بأنهم لا يشبعون أبدا، ووصل بهم الأمر الى اعطائك دواء لا تقتضيه حالتك المرضية، المهم عندهم تصريف ما في الصيدليات وتشغيل المختبرات التي يتشاركون في أرباحها.
للطرفة أذكر لكم مثالا عن صورتهم لدى المجتمع: أعتذر مني صاحب محل (الفايبر كلاس) عن استلام اكرامية قدمتها له تقديرا لوقته في النظر لمشكلة في سيارتي، قائلا: (قابل اني طبيب ، لم أعمل لك شيئا)، في اشارة الى الطمع الذي عُرف به الأطباء.
بالصدفة تزامن وجودي في مستشفى حكومي مع نقل فتاة من صالة الطواريء الى الطابق الثالث، وذلك لإجراء عملية لساقها المكسورة اثر تعرضها لحادث دهس، لكن الغريب ان الممرضة المسؤولة عن الطابق دعت أهل الفتاة الى نقلها لمستشفى أهلي بذريعة ان العملية لن تُجرى الا بعد يومين ريثما يصلها الدور، وان المواد المطلوبة غير متوافرة ، وان طبيب الكسور الفلاني موجود في مستشفى (….) الأهلي، بالتأكيد هذا ترويج لقاء مبالغ، وخيانة لمؤسسة حكومية، فكيف يرضى الأطباء لصورتهم أن تكون بهذه الهزالة؟، يبدو ان المال يعمي العيون والقلوب، ربما لديكم أمثلة أبلغ مما ذكرت.
بين الحين والآخر تصادفني أثناء تصفحي للفيسبوك الكثير من الاعلانات الخاصة ببعض الأطباء، يحاولون من خلالها اقناع المرضى بأنهم الوحيدون الذين يمتلكون العلاج لحالات مرضية بعينها، او عرض لأجهزة طبية تنفرد بها عياداتهم، فضلا عن صور فيديوية تُظهر فخامة الصالات، والفتيات الجميلات اللواتي يعملن فيها، وعندما يسأل المريض عبر الموقع عن كلفة العلاج او العملية او غيرهما، يأتي الجواب مكتوبا: (تم الرد على الخاص)، ولم يحدث ان وجدت جوابا معلنا أبدا، مع ان المرضى يشرحون ما يعانون منه بالتفصيل، على ماذا يدل ذلك؟، بالتأكيد لديكم تفسير لهذه الظاهرة، لكني أعتذر منكم عن عدم حديثي عنها تحسبا من استغلالها ضدي، لذا أرجو تواصلكم معي (وسيأتيكم تفسيري على الخاص).
jwhj1963@yahoo.com