تلسكوب جيمس ويب يرصد مجرات ضخمة لعصور مبكرة من الكون

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬رصد‭ ‬تلسكوب‭ ‬جيمس‭ ‬ويب‭ ‬الفضائي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المجرات‭ ‬الضخمة تعود‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬الكون،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنها‭ ‬تشكلت‭ ‬بوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يتوقعه‭ ‬علماء‭ ‬الفلك،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أفادت‭ ‬دراسة‭ ‬نُشرت‭ ‬الأربعاء‭.‬

وهذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬الذي‭ ‬يتعيّن‭ ‬إثباته‭ ‬بدراسات‭ ‬تفصيلية،‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬500‭ ‬إلى‭ ‬700‭ ‬سنة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الانفجار‭ ‬العظيم‭ ‬قبل‭ ‬13،8‭ ‬مليار‭ ‬سنة،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬بعيد‭ ‬جداً‭.‬

واكتشف‭ ‬جيمس‭ ‬ويب‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬تموز‭/‬يوليو،‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬بفضل‭ ‬أداة‭ “‬نيركام‭” ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬والتي‭ ‬ترصد‭ ‬مجال‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬القريبة‭ ‬غير‭ ‬الظاهر‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬وتتيح‭ ‬للتلسكوب‭ ‬مراقبة‭ ‬الكون‭ ‬البعيد‭.‬

ورصد‭ ‬التلسكوب‭ ‬ست‭ ‬مجرات‭ ‬أضخم‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يتوقعه‭ ‬العلماء،‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬الكون‭ ‬المبكرة،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬دراسة‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ “‬نيتشر‭”. ‬وسبق‭ ‬لتلكسوب‭ ‬هابل‭ ‬أن‭ ‬رصد‭ ‬مجرتين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجرات‭ ‬الست،‭ ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬وفرها‭ ‬التلسكوب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬واضحة‭ ‬لأنّ‭ ‬الضوء‭ ‬المنبعث‭ ‬منها‭ ‬كان‭ ‬ضعيفاً‭.‬

وتشير‭ ‬تحليلات‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬التقطها‭ ‬جيمس‭ ‬ويب‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬المجرات‭ ‬الست‭ ‬التي‭ ‬أُطلقت‭ ‬عليها‭ ‬تسمية‭ “‬كانديدتس‭” (‬مرشحة‭) ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬لأنّ‭ ‬الاكتشاف‭ ‬يتعيّن‭ ‬إثباته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقنية‭ ‬التحليل‭ ‬الطيفي،‭ ‬تحتوي‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬عدد‭ ‬النجوم‭ ‬في‭ ‬إحداها‭ ‬إلى‭ ‬مئة‭ ‬مليار‭ ‬نجمة‭. ‬ويقول‭ ‬معد‭ ‬الدراسة‭ ‬الرئيسي‭ ‬إيفو‭ ‬لابيه‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭ ‬إنّ‭ ‬عدد‭ ‬النجوم‭ ‬هذا‭ “‬يجعل‭ ‬المجرة‭ ‬مماثلة‭ ‬بالحجم‭ ‬لمجرة‭ ‬درب‭ ‬التبانة‭”‬،‭ ‬مضيفاً‭ “‬هذا‭ ‬جنوني‭!”.‬

فمجرتنا‭ ‬استغرقت‭ ‬13،8‭ ‬‮ ‬مليار‭ ‬سنة‭ ‬لتكوين‭ ‬هذه‭ ‬الكمية‭ ‬من‭ ‬النجوم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنتجت‭ ‬المجرة‭ ‬القديمة‭ ‬الكمية‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬700‭ ‬مليون‭ ‬سنة‭ ‬فقط،‭ ‬أي‭ “‬أسرع‭ ‬بعشرين‭ ‬مرة‭” ‬من‭ ‬درب‭ ‬التبانة،‭ ‬بحسب‭ ‬لابيه،‭ ‬وهو‭ ‬باحث‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬سوينبرن‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬أستراليا‭. ‬ويتناقض‭ ‬وجود‭ ‬مجرات‭ ‬قديمة‭ ‬بهذا‭ ‬الحجم‭ ‬مع‭ ‬النموذج‭ ‬الكوني‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬بنية‭ ‬الكون‭. ‬ويقول‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬الفلكية‭ “‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬النظرية‭ ‬السائدة،‭ ‬تكون‭ ‬المجرات‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬العصور‭ ‬المبكرة،‭ ‬صغيرة‭ ‬جداً‭ ‬وتشهد‭ ‬نمواً‭ ‬بطيئاً‭. ‬ومن‭ ‬المرجّح‭ ‬أنها‭ ‬تحوي‭ ‬كميات‭ ‬نجوم‭ ‬أقل‭ ‬بعشر‭ ‬أو‭ ‬مئة‭ ‬مرة‭ ‬مما‭ ‬تحويه‭ ‬مجرة‭ ‬درب‭ ‬التبانة‭”.‬

‭”‬النموذج‭ ‬الحالي‭ ‬يتدهور‭”‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬المادة‭ ‬السوداء‭ ‬الغامضة‭ ‬التي‭ ‬تملأ‭ ‬الكون،‭ ‬السبب‭ ‬الكامن‭ ‬وراء‭ ‬تشكيل‭ ‬المجرات‭ ‬المُكتشفة‭ ‬نجوماً‭ ‬بهذه‭ ‬السرعة‭. ‬ومع‭ ‬أنّ‭ ‬العلماء‭ ‬عاجزون‭ ‬عن‭ ‬رصد‭ ‬المادة‭ ‬السوداء،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يدركون‭ ‬جيداً‭ ‬كيف‭ ‬تعمل‭ ‬ويعلمون‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬المجرات‭.‬‮ ‬

ويقول‭ ‬لابيه‭ “‬تتكتّل‭ ‬المادة‭ ‬المظلمة‭ ‬لتشكيل‭ ‬هالة‭ ‬تجذب‭ ‬إليها‭ ‬الغاز‭ ‬الذي‭ ‬تتولد‭ ‬منه‭ ‬النجوم‭”. ‬إلا‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬تستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭.‬

وقد‭ ‬يكون‭ ‬اكتشاف‭ ‬المجرات‭ ‬الست‭ ‬مؤشراً‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ “‬الأمور‭ ‬تسارعت‭” ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬الكون‭ ‬الأولى‭ ‬بصورة‭ “‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬مُتوقعاً‭” ‬لتشكيل‭ ‬النجوم،‭ ‬بحسب‭ ‬ديفيد‭ ‬إلباز،‭ ‬وهو‭ ‬عالم‭ ‬فيزياء‭ ‬فلكية‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭.‬

ويضيف‭ ‬العالم‭ “‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُفسَّر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬توسّع‭ ‬الكون‭ ‬التي‭ ‬تتسارع‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬كنّا‭ ‬نعتقد‭”.‬

ويثير‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬جدلاً‭ ‬بين‭ ‬علماء‭ ‬الكون،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬اكتشاف‭ ‬جيمس‭ ‬ويب‭ “‬مثيراً‭ ‬جداً‭ ‬للاهتمام‭ ‬ومؤشراً‭ ‬جديداً‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬النموذج‭ ‬الكوني‭ ‬الحالي‭ ‬يشهد‭ ‬تدهوراً‭”‬،‭ ‬بحسب‭ ‬ديفيد‭ ‬إلباز‭.‬

ويشير‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬التلسكوب‭ ‬الفضائي‭ ‬الأوروبي‭ “‬يوكلد‭”‬،‭ ‬المقرر‭ ‬إطلاقه‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬هذا‭ ‬الصيف‭ ‬لمحاولة‭ ‬كشف‭ ‬أسرار‭ ‬المادة‭ ‬المظلمة،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭.‬

ويذكر‭ ‬لابيه‭ ‬نظرية‭ ‬البجعة‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬وقوع‭ ‬حدث‭ ‬غير‭ ‬متوقع‭ ‬وغير‭ ‬محتمل،‭ ‬يحمل‭ ‬أثراً‭ ‬كبيراً‭. ‬ويقول‭ “‬في‭ ‬حال‭ ‬جرى‭ ‬إثبات‭ ‬حقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المجرات‭ ‬الست،‭ ‬فسيتعين‭ ‬مراجعة‭ ‬النظريات‭” ‬المتعلقة‭ ‬بالمجرات‭.‬

مشاركة