تقرير صندوق النقد الدولي بشأن الإقتصاد العراقي – جواد كاظم البكري
بتاريخ 31 أيار 2023 اختتم فريق عمل من خبراء صندوق النقد الدولي العراق للتباحث مع السلطات العراقية حول التطورات الاقتصادية الأخيرة والتوقعات وكذلك السياسات الاقصادية في الفترة المقبلة، وقد رفع الفريق تقريراً الى رئاسة الصندوق تضمن مجموعة من الملاحظات الجديرة بالقراءة ومن أهمها الاتي:
– إن زخم نمو الاقتصاد العراقي تباطأ في الأشهر الأخيرة بعد التعافي إلى مستوى ما قبل الجائحة العام الماضي.
– من المقرر أن يتقلص إنتاج النفط بنسبة 5 بالمئة في عام 2023 بسبب خفض إنتاج أوبك + وانقطاع خط أنابيب نفط كركوك-جيهان.
– أثر تقلبات سوق الصرف الأجنبي (FX) في أعقاب تشديد الرقابة على مكافحة غسيل الأموال/ مكافحة تمويل الإرهاب (AML/CFT) من قبل البنك المركزي العراقي (CBI) على مبيعات العملات الأجنبية بشكل سلبي.
– تشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي قد تقلص بنسبة 9 بالمئة ) على أساس سنوي) في الربع الأخير من عام 2022 مما يلغي نموه خلال الأرباع الثلاثة السابقة.
– مع استمرار استقرار سوق العملات الأجنبية، بمساعدة إجراءات البنك المركزي العراقي، من المتوقع أن يستأنف نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي ويصل إلى 3.7 بالمئة في عام 2023.
عملات أجنبية
– بعد الارتفاع إلى 7 بالمئة في شباط 2023 بدأ التضخم في الاعتدال، بسبب انخفاض اسعار السلع الدولية فضلاً عن إعادة تقييم بنسبة 10 بالمئة للدينار – ومن المتوقع أن يصل متوسطه إلى 5.6 بالمئة في عام 2023.
– لقد دعمت الظروف المؤاتية لسوق النفط الوضع المالي والخارجي للعراق، لكن الاختلالات الهيكلية استمرت في الاتساع.
– في عام 2022 وصلت فوائض الحساب الجاري في المالية العامة والخارجية إلى 7.6 بالمئة و 17.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي على خلفية عائدات النفط القياسية المرتفعة.
– ارتفع احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي إلى 97 مليار دولار في المدخرات المالية المتراكمة من قبل الحكومة. في الوقت ذاته، أدى التوسع المالي الكبير إلى توسع العجز الأولي غير النفطي من 52 بالمئة إلى أكثر من 68 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي خلال عام 2022.
– من شأن التخفيف أو الاسترخاء المالي (fiscal loosening) الأكبر المتوخى في مسودة قانون موازنة 2023 أن يوسع عجز المالية العامة الأولي غير النفطي إلى 75 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ويصل بميزان المالية العامة الإجمالي إلى عجز يبلغ 6.5 من إجمالي الناتج المحلي، إذ ستؤدي التأثيرات المجتمعة لزيادة الإنفاق الحكومي، وإعادة تقييم سعر الصرف، وانخفاض إنتاج النفط إلى رفع سعر التعادل المالي للنفط إلى 96 دولاراً للبرميل.
– على المدى القصير، يمكن أن يؤدي تنفيذ الخطط المالية للسلطات إلى إعادة إشعال التضخم وتقلبات سوق العملات الأجنبية. وعلى المدى المتوسط.
يشكل استمرار السياسات الحالية في ظل وجود قدر كبير من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي لأسعار النفط مخاطر حرجة على استقرار الاقتصاد الكلي. إذا لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار النفط، فقد يؤدي الموقف المالي الحالي إلى تزايد العجز وتكثيف ضغوط التمويل في السنوات القادمة.
– هناك حاجة إلى سياسة مالية أكثر صرامة لتعزيز المرونة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط مع حماية احتياجات الإنفاق الاجتماعي الحرجة.
وتشمل الأولويات الرئيسة تنويع الإيرادات المالية، وخفض فاتورة الأجور الحكومية الضخمة، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية لجعله سليماً مالياً وأكثر شمولاً. أثناء دعم خطة الحكومة لزيادة المساعدة الاجتماعية، توصي البعثة باستهداف أقوى لضمان توجيهها إلى الأشخاص الأكثر ضعفاً.
- لا يزال تحسين إدارة المالية العامة ذا أهمية بالغة. وفي هذا السياق، تحذر البعثة من الاستحداث المقرر لأموال جديدة خارجة عن الميزانية، مما يثير الشواغل المتعلقة بالحوكمة والكفاءة، وتوصي بشدة بالالتزام بالنفقات الحكومية المدرجة في الموازنة، علاوة على ذلك، تحث البعثة على التنفيذ الكامل لإطار إدارة الضمانات الحكومية، بما في ذلك الضمانات البرلمانية في إقرار ونشر سقف سنوي وقائمة الضمانات الحكومية كجزء من قانون الموازنة. هناك حاجة أيضًا إلى جهود متسارعة لإنشاء حساب الخزانة الوحيد لتقوية الإدارة المالية العامة.
- اثنى التقرير على التقدم الذي أحرزه البنك المركزي العراقي في تحسين إدارة السيولة وأطر مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتؤكد على أهمية المواءمة الوثيقة لموقف السياسات المالية والنقدية في إدارة الاقتصاد.
- إن خلق بيئة مواتية لتنمية القطاع الخاص سيكون ذا أهمية قصوى لتحقيق نمو دائم وأكثر شمولاً. تشمل الأولويات الجهود المستمرة لتعزيز الحوكمة والحد من الفساد، وإعادة هيكلة البنوك الكبيرة المملوكة للدولة لتحسين الوصول إلى التمويل، وإصلاح سوق العمل لتعزيز خلق فرص العمل في القطاع الخاص، وتحسين استرداد التكاليف في قطاع الكهرباء لتعزيز قدرته على تلبية الطلب بطريقة مستدامة، وتحسين بيئة الأعمال الأوسع.
ومن خلال فقرات التقرير اعلاه من الممكن تكوين فكرة أولية عن رؤية الصندوق عن الاقتصاد العراقي التي لاتبتعد كثيراً عن مايؤكده معظم الاقتصاديون العراقيون، فقد أثر بالفعل تقلب سوق الصرف الأجنبي وانخفاض إنتاج النفط على زخم النمو في العراق، فضلاً عن أن خطط التوسع المالي التي تضعها الحكومة يمكن أن تؤجج التضخم على المدى القصير وتشكل مخاطر كبيرة على المدى المتوسط على استقرار الاقتصاد الكلي، ونجد هنا أن الانضباط المالي والإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق تُعد ضرورية للحد من نقاط الضعف في الاقتصاد العراقي، وتعزيز المرونة، وتحقيق نمو دائم وأكثر شمولاً.
أما فيما يتعلق بالسعر التقديري لبرميل النفط الواحد في موازنة عام 2023 هو (70) دولار لكل برميل، فيُعد هذا التقدير متفائلاً جداً في ظل الركود الذي يمر به الاقتصاد العالمي اليوم، فتشير اغلب التنبؤات الصادرة عن مراكز الأبحاث النفطية أن أسعار النفط في طريقها الى الانخفاض، مما سيشكل مأزقاً للموازنة العراقية التي تعتمد بنسبة (96%) على الإيرادات النفطية، ففي ظل هذا التقدير المتفائل فأن العجز المخمن في موازنة عام 2023 بلغ (63) ترليون دينار عراقي، فما بالك إذا انخفضت أسعار النفط الى أقل من (70) دولار للبرميل، وللوقوف على أثر تغير اسعار النفط في عجز الموازمة العراقية قمنا بمحاكاة لاسعار النفط من (40-100) دولار للبرميل مع ثبات الايرادات غير النفطية وثبات نفقات موازنة 2023 وقد توصلنا للنتائج الاتية:
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (115) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (40) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (98) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (50) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (81) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (60) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (63) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (70) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (48) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (80) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (31) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (90) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (15) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (100) دولار للبرميل الواحد.
فمع مقدار التخفيف المالي الكبير في موازنة 2023 فأن العجز سيبقى ملازماً حتى لو ارتفع سعر برميل النفط الى (100) دولار، وهو السيناريو بعيد التوقع من قبل مراكز الابحاث النفطية العالمية، أما السيناريو الاقرب للواقع فهو سيناريو انخفاض اسعار النفط الى دون 70 دولاراً للبرميل الواحد.
إن تأكيد تقرير الصندوق على أهمية دعم القطاع الخاص جاء في صلب مشكلة الاقتصاد العراقي، فعندما يكون هناك قطاع خاص فاعل فإنه ممكن أن يوفر عدداً هائلاً من فرص العمل، واذا تساءلنا لماذا لايوجد ترهل في القطاع الحكومي في اغلب الدول الرأسمالية؟ نجد أن الجواب يتمحور حول نقطتين، الاولى أن القطاع الخاص يوفر فرص عمل أفضل من القطاع الحكومي وأعلى اجراً، والثانية وجود ضمانات في القطاع الخاص هي ذاتها في القطاع الحكومي، مثل قوانين التقاعد والضمان الصحي والاجتماعي، وفي العراق صدر قانون العمل والضمان الاجتماعي رقم (37) لعام 2015 الذي ينظم ذلك ولكن لم يتم تفعيله حتى الوقت الحاضر الا بحدود ضيقة.
من الجانب الاخر فإن زيادة الائتمان المقدم للقطاع الخاص من قبل الحكومة سيشكل قفزة نوعية في هذا القطاع، ولكن السؤال هل قدمت الحكومة مثل هذه الائتمانات أم لا؟ والجواب هو قدمت الكثير، والسؤال إذن اين ذهبت هذه الائتمانات ولماذا لم تطور القطاع الخاص؟ والجواب أن الائتمان المقدم للقطاع الخاص كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى (9%) في عام 2017 مقارنة مع نسبة (1%) في عام 2004? وكان متوسط معدل النمو خلال المدة (2004-2017) قد بلغت (27%)? في حين بلغت نسبة متوسط معدل النمو للإنتاجية الصناعية لذات المدة (6%) فقط، وهذا يؤشر أن نسبة كبيرة من التوسع في الائتمان المحلي لا تتوجه الى القطاعات الانتاجية بل الى القطاعات الاستهلاكية.
فتنمية القطاع الخاص سيجلب من الفوائد التي لايمكن احصاءها في هذه الورقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن زيادة الانتاج الصناعي سيؤدي الى تقليل الاستيرادات من الخارج التي تتسبب يوميا في نزيف هائل من العملة الصعبة عن طريق (نافذة بيع العملة) الامر الذي يؤدي الى تقليل بيع العملة من خلال هذه النافذة تدريجياً ومن ثم زيادة الاحتياطات النقدية، وهكذا فإن تنمية القطاع الخاص سيحل الكثير من الامور المستعصية لعقود من أهمها خفض معدلات البطالة وتقليل الضغط على الجهاز الحكومي وتقليل النفقات الجارية..الخ، وهذا هو الهدف الرئيس في حقيقة الامر الذي أُستحدثت لاجله نافذة بيع العملة على يد الاقتصادي الأميركي جون ب. تايلور John Brian Taylor? فالمخططون لعملية مزاد العملة كانوا يظنون أن المزاد لن يستمر لهذه الفترة الزمنية الطويلة (قرابة 15 سنة) لأنهم خططوا لتخفيض المزاد تدريجياً الى أن يصل في الامد المتوسط الى الصفر، لان تزويد السوق المحلي بالدولار لاغراض الاستيراد من الخارج لايعني استيراد السلع الاستهلاكية فقط، وانما السلع الرأسمالية ايضاً، أي السلع التي تساهم في صناعة سلع أخرى، وبهذا فأن السوق المحلي سيبدأ تدريجياً بالانتاج، والانتاج يعني تقليل الحاجة للاستيراد، ومن ثم انخفاض الطلب على الدولار في مزاد العملة، وهكذا الى أن يتم الغائه في الامد المتوسط.
بتاريخ 31 أيار 2023 اختتم فريق عمل من خبراء صندوق النقد الدولي العراق للتباحث مع السلطات العراقية حول التطورات الاقتصادية الأخيرة والتوقعات وكذلك السياسات الاقصادية في الفترة المقبلة، وقد رفع الفريق تقريراً الى رئاسة الصندوق تضمن مجموعة من الملاحظات الجديرة بالقراءة ومن أهمها الاتي:
– إن زخم نمو الاقتصاد العراقي تباطأ في الأشهر الأخيرة بعد التعافي إلى مستوى ما قبل الجائحة العام الماضي.
– من المقرر أن يتقلص إنتاج النفط بنسبة 5 بالمئة في عام 2023 بسبب خفض إنتاج أوبك + وانقطاع خط أنابيب نفط كركوك-جيهان.
– أثر تقلبات سوق الصرف الأجنبي (FX) في أعقاب تشديد الرقابة على مكافحة غسيل الأموال/ مكافحة تمويل الإرهاب (AML/CFT) من قبل البنك المركزي العراقي (CBI) على مبيعات العملات الأجنبية بشكل سلبي.
– تشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي قد تقلص بنسبة 9 بالمئة ) على أساس سنوي) في الربع الأخير من عام 2022 مما يلغي نموه خلال الأرباع الثلاثة السابقة.
– مع استمرار استقرار سوق العملات الأجنبية، بمساعدة إجراءات البنك المركزي العراقي، من المتوقع أن يستأنف نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي ويصل إلى 3.7 بالمئة في عام 2023.
عملات أجنبية
– بعد الارتفاع إلى 7 بالمئة في شباط 2023 بدأ التضخم في الاعتدال، بسبب انخفاض اسعار السلع الدولية فضلاً عن إعادة تقييم بنسبة 10 بالمئة للدينار – ومن المتوقع أن يصل متوسطه إلى 5.6 بالمئة في عام 2023.
– لقد دعمت الظروف المؤاتية لسوق النفط الوضع المالي والخارجي للعراق، لكن الاختلالات الهيكلية استمرت في الاتساع.
– في عام 2022 وصلت فوائض الحساب الجاري في المالية العامة والخارجية إلى 7.6 بالمئة و 17.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي على خلفية عائدات النفط القياسية المرتفعة.
– ارتفع احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي إلى 97 مليار دولار في المدخرات المالية المتراكمة من قبل الحكومة. في الوقت ذاته، أدى التوسع المالي الكبير إلى توسع العجز الأولي غير النفطي من 52 بالمئة إلى أكثر من 68 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي خلال عام 2022.
– من شأن التخفيف أو الاسترخاء المالي (fiscal loosening) الأكبر المتوخى في مسودة قانون موازنة 2023 أن يوسع عجز المالية العامة الأولي غير النفطي إلى 75 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ويصل بميزان المالية العامة الإجمالي إلى عجز يبلغ 6.5 من إجمالي الناتج المحلي، إذ ستؤدي التأثيرات المجتمعة لزيادة الإنفاق الحكومي، وإعادة تقييم سعر الصرف، وانخفاض إنتاج النفط إلى رفع سعر التعادل المالي للنفط إلى 96 دولاراً للبرميل.
– على المدى القصير، يمكن أن يؤدي تنفيذ الخطط المالية للسلطات إلى إعادة إشعال التضخم وتقلبات سوق العملات الأجنبية. وعلى المدى المتوسط.
يشكل استمرار السياسات الحالية في ظل وجود قدر كبير من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي لأسعار النفط مخاطر حرجة على استقرار الاقتصاد الكلي. إذا لم تحدث زيادة كبيرة في أسعار النفط، فقد يؤدي الموقف المالي الحالي إلى تزايد العجز وتكثيف ضغوط التمويل في السنوات القادمة.
– هناك حاجة إلى سياسة مالية أكثر صرامة لتعزيز المرونة وتقليل اعتماد الحكومة على عائدات النفط مع حماية احتياجات الإنفاق الاجتماعي الحرجة.
وتشمل الأولويات الرئيسة تنويع الإيرادات المالية، وخفض فاتورة الأجور الحكومية الضخمة، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية لجعله سليماً مالياً وأكثر شمولاً. أثناء دعم خطة الحكومة لزيادة المساعدة الاجتماعية، توصي البعثة باستهداف أقوى لضمان توجيهها إلى الأشخاص الأكثر ضعفاً.
- لا يزال تحسين إدارة المالية العامة ذا أهمية بالغة. وفي هذا السياق، تحذر البعثة من الاستحداث المقرر لأموال جديدة خارجة عن الميزانية، مما يثير الشواغل المتعلقة بالحوكمة والكفاءة، وتوصي بشدة بالالتزام بالنفقات الحكومية المدرجة في الموازنة، علاوة على ذلك، تحث البعثة على التنفيذ الكامل لإطار إدارة الضمانات الحكومية، بما في ذلك الضمانات البرلمانية في إقرار ونشر سقف سنوي وقائمة الضمانات الحكومية كجزء من قانون الموازنة. هناك حاجة أيضًا إلى جهود متسارعة لإنشاء حساب الخزانة الوحيد لتقوية الإدارة المالية العامة.
- اثنى التقرير على التقدم الذي أحرزه البنك المركزي العراقي في تحسين إدارة السيولة وأطر مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وتؤكد على أهمية المواءمة الوثيقة لموقف السياسات المالية والنقدية في إدارة الاقتصاد.
- إن خلق بيئة مواتية لتنمية القطاع الخاص سيكون ذا أهمية قصوى لتحقيق نمو دائم وأكثر شمولاً. تشمل الأولويات الجهود المستمرة لتعزيز الحوكمة والحد من الفساد، وإعادة هيكلة البنوك الكبيرة المملوكة للدولة لتحسين الوصول إلى التمويل، وإصلاح سوق العمل لتعزيز خلق فرص العمل في القطاع الخاص، وتحسين استرداد التكاليف في قطاع الكهرباء لتعزيز قدرته على تلبية الطلب بطريقة مستدامة، وتحسين بيئة الأعمال الأوسع.
ومن خلال فقرات التقرير اعلاه من الممكن تكوين فكرة أولية عن رؤية الصندوق عن الاقتصاد العراقي التي لاتبتعد كثيراً عن مايؤكده معظم الاقتصاديون العراقيون، فقد أثر بالفعل تقلب سوق الصرف الأجنبي وانخفاض إنتاج النفط على زخم النمو في العراق، فضلاً عن أن خطط التوسع المالي التي تضعها الحكومة يمكن أن تؤجج التضخم على المدى القصير وتشكل مخاطر كبيرة على المدى المتوسط على استقرار الاقتصاد الكلي، ونجد هنا أن الانضباط المالي والإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق تُعد ضرورية للحد من نقاط الضعف في الاقتصاد العراقي، وتعزيز المرونة، وتحقيق نمو دائم وأكثر شمولاً.
أما فيما يتعلق بالسعر التقديري لبرميل النفط الواحد في موازنة عام 2023 هو (70) دولار لكل برميل، فيُعد هذا التقدير متفائلاً جداً في ظل الركود الذي يمر به الاقتصاد العالمي اليوم، فتشير اغلب التنبؤات الصادرة عن مراكز الأبحاث النفطية أن أسعار النفط في طريقها الى الانخفاض، مما سيشكل مأزقاً للموازنة العراقية التي تعتمد بنسبة (96%) على الإيرادات النفطية، ففي ظل هذا التقدير المتفائل فأن العجز المخمن في موازنة عام 2023 بلغ (63) ترليون دينار عراقي، فما بالك إذا انخفضت أسعار النفط الى أقل من (70) دولار للبرميل، وللوقوف على أثر تغير اسعار النفط في عجز الموازمة العراقية قمنا بمحاكاة لاسعار النفط من (40-100) دولار للبرميل مع ثبات الايرادات غير النفطية وثبات نفقات موازنة 2023 وقد توصلنا للنتائج الاتية:
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (115) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (40) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (98) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (50) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (81) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (60) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (63) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (70) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (48) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (80) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (31) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (90) دولار للبرميل الواحد.
– إن مقدار العجز في الموازنة سيبلغ (15) ترليون دينار إذا ما وصلت اسعار النفط الى (100) دولار للبرميل الواحد.
فمع مقدار التخفيف المالي الكبير في موازنة 2023 فأن العجز سيبقى ملازماً حتى لو ارتفع سعر برميل النفط الى (100) دولار، وهو السيناريو بعيد التوقع من قبل مراكز الابحاث النفطية العالمية، أما السيناريو الاقرب للواقع فهو سيناريو انخفاض اسعار النفط الى دون 70 دولاراً للبرميل الواحد.
إن تأكيد تقرير الصندوق على أهمية دعم القطاع الخاص جاء في صلب مشكلة الاقتصاد العراقي، فعندما يكون هناك قطاع خاص فاعل فإنه ممكن أن يوفر عدداً هائلاً من فرص العمل، واذا تساءلنا لماذا لايوجد ترهل في القطاع الحكومي في اغلب الدول الرأسمالية؟ نجد أن الجواب يتمحور حول نقطتين، الاولى أن القطاع الخاص يوفر فرص عمل أفضل من القطاع الحكومي وأعلى اجراً، والثانية وجود ضمانات في القطاع الخاص هي ذاتها في القطاع الحكومي، مثل قوانين التقاعد والضمان الصحي والاجتماعي، وفي العراق صدر قانون العمل والضمان الاجتماعي رقم (37) لعام 2015 الذي ينظم ذلك ولكن لم يتم تفعيله حتى الوقت الحاضر الا بحدود ضيقة.
من الجانب الاخر فإن زيادة الائتمان المقدم للقطاع الخاص من قبل الحكومة سيشكل قفزة نوعية في هذا القطاع، ولكن السؤال هل قدمت الحكومة مثل هذه الائتمانات أم لا؟ والجواب هو قدمت الكثير، والسؤال إذن اين ذهبت هذه الائتمانات ولماذا لم تطور القطاع الخاص؟ والجواب أن الائتمان المقدم للقطاع الخاص كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى (9%) في عام 2017 مقارنة مع نسبة (1%) في عام 2004? وكان متوسط معدل النمو خلال المدة (2004-2017) قد بلغت (27%)? في حين بلغت نسبة متوسط معدل النمو للإنتاجية الصناعية لذات المدة (6%) فقط، وهذا يؤشر أن نسبة كبيرة من التوسع في الائتمان المحلي لا تتوجه الى القطاعات الانتاجية بل الى القطاعات الاستهلاكية.
فتنمية القطاع الخاص سيجلب من الفوائد التي لايمكن احصاءها في هذه الورقة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن زيادة الانتاج الصناعي سيؤدي الى تقليل الاستيرادات من الخارج التي تتسبب يوميا في نزيف هائل من العملة الصعبة عن طريق (نافذة بيع العملة) الامر الذي يؤدي الى تقليل بيع العملة من خلال هذه النافذة تدريجياً ومن ثم زيادة الاحتياطات النقدية، وهكذا فإن تنمية القطاع الخاص سيحل الكثير من الامور المستعصية لعقود من أهمها خفض معدلات البطالة وتقليل الضغط على الجهاز الحكومي وتقليل النفقات الجارية..الخ، وهذا هو الهدف الرئيس في حقيقة الامر الذي أُستحدثت لاجله نافذة بيع العملة على يد الاقتصادي الأميركي جون ب. تايلور John Brian Taylor? فالمخططون لعملية مزاد العملة كانوا يظنون أن المزاد لن يستمر لهذه الفترة الزمنية الطويلة (قرابة 15 سنة) لأنهم خططوا لتخفيض المزاد تدريجياً الى أن يصل في الامد المتوسط الى الصفر، لان تزويد السوق المحلي بالدولار لاغراض الاستيراد من الخارج لايعني استيراد السلع الاستهلاكية فقط، وانما السلع الرأسمالية ايضاً، أي السلع التي تساهم في صناعة سلع أخرى، وبهذا فأن السوق المحلي سيبدأ تدريجياً بالانتاج، والانتاج يعني تقليل الحاجة للاستيراد، ومن ثم انخفاض الطلب على الدولار في مزاد العملة، وهكذا الى أن يتم الغائه في الامد المتوسط.