تعويضات للاجئين اليهود
عبد الله محمد القاق
من المضحك والمبكي في عصرنا الحاضر وفي ضوء ثورات الربيع العربي ان تبدأ اسرائيل تحركا دبلوماسيا عالميا جديدا على كافة الاصعدة هدفه تحميل جامعة الدول العربية مسؤولية كارثية جديدة ليس فقط قضية اللاجئين الفلسطينيين وانما ايضا بالتنسيب بما تزعمه الخارجية الاسرائيلية بقضية اللاجئين اليهود الذين هاجروا الى اسرائيل من الدول العربية والمطالبة بدفع تعويضات كاملة لنحو 850 ألف يهودي هاجروا من الدول العربية لاسرائيل وخلفوا على حد زعمها ممتلكات وعقارات واموالا.
يجيء هذا التحرك في وقت تواصل فيه اسرائيل الاستيطان وترفض مبادرات السلام العربية والدولية لحل الدولتين واستمرار سياسة الفصل العنصري في الضفة الغربية وقطاع غزة ورفضها البدء بمفاوضات تستهدف ايجاد الحلول حول القضايا الجوهرية كالحدود والامن واللاجئين والمياه والمستوطنان والقدس ورفضها للدور الاردني في شأن وقف الاستيطان وممارساتها الجائرة بحق الفلسطينيين لاقتلاعهم من ارضهم وتشريدهم من بيوتهم وهذه الاجراءات تتم وبمرأى من العالم الذي يشارك جله ابناء الشعب الفلسطيني احتفاله الكبير بيوم الارض تلك المناسبة التي صادفت في الثلاثين من الشهر المنصرموهي الذكرى السادسة والثلاثين على أحداث يوم الأرض… ففي مثل هذا اليوم من عام 1976، حين وقف فلسطينيو الداخل وقفة رافضة لإجراءات الحكومة الاسرائيلية في ذلك الحين، لمصادرة آلاف الدونمات من أراضيهم التي تبقت بعد استيلاء السلطات الإسرائيلية على معظم الأراضي العربية منذ قيامها عام 1948 وحتى ذلك العام. في الواقع لقد نهبت اسرائيل الأراضي وسرقتها، تحت يافطة المصادرات، طبق أولا في الداخل، ثم بعد احتلال 1967 طبق بحذافيره في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. في الداخل أقيمت الكيبوتسات والمستعمرات على الأراضي التي يملكها العرب، كما بالمثل بنيت هنا مئات المستوطنات فوق الأراضي التي صادرتها السلطات الاسرائيلية من أصحابها الفلسطينيين، أو أنها سرقت تحت مسمى الأراضي الأميرية، وهي أراض مجاورة لمسطحات القرى والمدن الفلسطينية، وتعتبر المجال الحياتي العمراني والاقتصادي للتجمعات السكانية الفلسطينية، ما يجعل مصادرتها بمثابة خنق للنمو العمراني والسكاني الفلسطيني في هذه المناطق، والواقع ان انتفاضة الشعب الفلسطيني في الثلاثين من شهر آذار سنة 1976 في داخل أراضي الــ 48 انعكست بصورة ايجابية على النضال الفلسطيني من خلال تكريسها للنضال الشعبي العارم والرافض لسياسة إسرائيل في مصادرة الأراضي الفلسطينية والذي بدأت فصولها منذ العام 1948 حتى جاءت اللحظة الحاسمة عندما انتفض الشعب الفلسطيني في الجليل رافضا مصادرة أراضي قريتي أقرت وبرعم وهبت الجماهير في كافة المناطق الفلسطينية برفض ما تقوم به إسرائيل من مصادرة الأراضي والاستيلاء عليها.
أن هذه السياسة التي قامت بها إسرائيل آنذاك كما يقول الدكتور حنا قراقع في تحليله كانت تستهدف بالأساس تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها وتهويدها لصالح اليهود على حساب سكانها الأصليين الفلسطينيين. حيث هبة الجماهير الفلسطينية انعكست لصالح القضية الفلسطينية وتعاظم الدور الدولي في دعم الفلسطينيين وصدرت العشرات بل المئات من القرارات الدولية التي أدانت فيها السلطات الإسرائيلية وأكدت على الحقوق العربية الفلسطينية المشروعة.. علما بان الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة سنة 1975 اعتبرت الصهيونية حركة عنصرية وتمييز عنصري .
وهذا آثار غضب الإسرائيليين آنذاك وحاولوا فرض أمر واقع برفضهم قرارات الأمم المتحدة عن طريق القوة التي بائت بالفشل في مصادرة الأراضي الفلسطينية علما بان الأمم المتحدة توصلت الى استنتاج مفادة ان إسرائيل دولة احتلال وتمييز عنصري وبالتالي يجب رفض كافة الإجراءات التي تقوم بها وبالأخص مصادرة أراضي الفلسطينيين في أراضي الــ 48. لان القرار الذي صدر عن الجمعية العامة لسنة 1947 تحت رقم 181 نص على.. إقامة دولتين عربية ودولة يهودية.. وبما أن إسرائيل نفذت الشق الأول المتعلق بها ولم تنفذ الشق الثاني المتعلق بقيام دولة فلسطين العربية.. يبقى الوضع مطعون به بقيام دولة إسرائيل على حساب الدولة العربية الفلسطينية ويجب قانونا على هذا الأساس مراجعة الوضع القانوني لدولة إسرائيل والتي ما زالت ترفض قيام الدولة الفلسطينية ليتسنى لأعضاء الأمم المتحدة تحقيق العدالة الدولية بما يتعلق بالشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة.
وعلى ضوء ما ورد أعلاه فان يوم الأرض الفلسطيني يعيد للأذهان مجددا بان الأمم المتحدة خطت خطوات ناجحة في إنشاء قواعد قانونية تعتبر في جوهرها مصادر استرشادية يمكن الاعتماد عليها دوما في مساندة حقوق الفلسطينيين على صعيد القانون الدولي المعاصر. ومثل هذه الممارسات الاسرائيلية تؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن اسرائيل لا تسعى للسلام العادل المنسجم مع قرارات الشرعية الدولية، وإنما كل همها هو ابتلاع الأراضي الفلسطينية بشكل ممنهج ومستمر. ومن أجل هذا الهدف رفضت كل مبادرات السلام لأن تحقيق السلام الحقيقي سيكف يدها عن سلب الأراضي الفلسطينية. وقد شاهد العالم كله عنف المستوطنين بعد اتفاق اوسلو، حيث لم يتورع اليمين الاسرائيلي المتطرف حتى عن قتل رئيس وزرائهم اسحق رابين عام 1995 من أجل وقف عملية السلام.
فهذه المحاولات الجديدة لدفع التعويضات لليهود الذين اغتصبوا الارض العربية وقتلوا الاطفال والنساء والشباب والشيوخ وواصلوا اعمالهم الجائرة ضد الفلسطينيين لن تزيد الشعب الفلسطينيي والعربي الا تمسكا بقضيته ورفض الامة العربية لهذه الادعاءات الاسرائيلية الواهية بمطالبة التعويضات للمعتدي والمحتلو ولغاصب بل انها محاولة اسرائيلية جديدة يائسة هدفها تأجيل اية مفاوضات سلمية تجاه الفلسطينيين ورغبة في مواصلة استعدادها العسكري لضرب ايران لاجهاض ملفها النووي في هذه المرحلة الراهنة وبدعم امريكي واوربي ملموس.
رئيس تحرير جريدة الكاتب العربي الاردنية
/4/2012 Issue 4170 – Date 10 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4170 التاريخ 10»4»2012
AZP07