تعقيب على مقالة ورأي (1)

تعقيب على مقالة ورأي (1)
بيت الحكمة بين الشك واليقين
بعد أن نشر الأستاذ الفاضل والخبير القانوني طارق حرب ، عبر الغراء جريدة الزمان بعددها 3827 الصادر يوم الاثنين 21شباط 2011 في الصفحة السادسة مقالة تحت عنوان (بين العمل والنقل والقلب والعاطفة) نفى فيها ، وجود كيان مادي أو مؤسسة أو هيئة باسم (بيت الحكمة) في العصر العباسي وبالذات في عهد الخليفة العباسي المأمون(198-218هـ/813-833م) ، ويبدوا أن الاستاذ الفاضل والخبير القانوني طارق حرب عاود طرحه مرة اخرى وعبر الغراء جريدة الزمان ايضا” بعددها 4208 الصادر يوم الخميس 24/5/2012 وعلى صفحتها الرابعة في مقال تحت عنوان(بيت الحكمة يدخل المتنبي) ، متسائلا” ومشككا” بوجود كيان أسمه بيت الحكمة في بغداد في العصر العباسي ، معللا” ذلك بعدم عثوره على ذكر لبيت الحكمة في بعض كتب المصادر التاريخية كما ورد في مقالتيه المذكورتين آنفا” ، دون أن يتحفنا بالدليل العلمي الموضوعي ، ولم يعضد رأيه بالقرائن والحجج و البيّنات على ما ذهب إليه في طرحه هذا ، كما اعتاد عند إدلائه برأي قانوني في مجال اختصاصه كخبير لا يشق له غبار وجهبذ من جهابذة القانون في العراق ! وإذ نعتذر للأستاذ الفاضل (الخبير القانوني) طارق حرب المحترم حيث نقول ببيت الحكمة والحق أحق أن يقال أنه كان موجودا” ككيان مادي وكشخصية معنوية لها ثقلها العلمي والثقافي والأدبي في مختلف علوم ذلك العصر وذلك بحسب ما جاء من ذكر وإشارة له في العديد من المصادر التاريخية العربية مما لا يسعنا أن نحصرها جميعا”، في هذا المقال الموجز ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ، كتاب (الفهرست) لابن النديم (ت438هـ/1046م) الذي ذكر بيت الحكمة في بغداد كما تحدث عن العلماء والفلاسفة الذين كانوا يعملون فيه مثل سهل بن هارون ويوحنا بن ماسويه وحنين بن إسحاق وابن البطريق وغيرهم كما ذكر ابن النديم الحلقات العلمية التي كانت تعقد في بيت الحكمة مثل حلقة الفارابي وحلقة الرازي وتطرق إلى رواتب وأرزاق العاملين فيه . كما جاء ذكر بيت الحكمة في كتاب (أخبار العلماء بأخبار الحكماء) أو (تاريخ الحكماء) لجمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (ت646هـ/1248م)والذي يعد وثيقة هامة في مجال البحث ، حيث أشار القفطي إلى امتزاج الثقافات والمعارف المختلفة في بيت الحكمة نتيجة دخول أو صعود الموالي إبان العصر العباسي مشيرا” إلى مؤلفات وحنين بن إسحاق باللغتين العربية والسريانية وحركة الترجمة التي نشط بها يوحنا بن ماسويه بتكليف من الخليفة هارون الرشيد(170-193هـ/786/808م) , كما ذكر القفطي البعثات الدراسية التي خرجت من بيت الحكمة في بغداد لجلب كنوز المعرفة والثقافة من أرجاء المعمورة ! كما ذكر ابن أبي أصيبعة موفق الدين أبو العباس احمد بن القاسم بن خليفة الخزرجي(ت668هـ/1296م)في كتابه (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)ابرز العلماء والأطباء والفلاسفة ورجال الأدب الذين كان لهم دور في ازدهار الحركة العلمية وحركة الترجمة في بيت الحكمة في العصر العباسي .ويؤكد ياقوت الحموي(ت626هـ/1229م)في كتابيه الشهيرين (معجم الأدباء ) و(معجم البلدان) أن بيت الحكمة كان في حيز الوجود أيام هارون الرشيد إذ يقول :”إن عّلان الشعوبي الوراق كان ينسخ في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة” . ! أما ابن خلكان (ت681هـ/1281م) فيترجم في كتابه الشهير (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان)لأشهر علماء وفلاسفة بيت الحكمة مثل أولاد شاكر والخوارزمي وألبتاني وإسحاق بن حنين وغيرهم . ومن المصادر المهمة الأخرى التي جاءت على ذكر بيت الحكمة وغابت عن نظر الأستاذ طارق حرب كتاب (تاريخ مختصر الدول) الذي ألفه غريغوريوس أبو الفرج المعروف بابن العبري(ت685هـ/1286م)الذي تحدث فيه عن ابرز مترجمي الخليفة المأمون من أهل الذمة وهو يوحنا بن ماسويه والذي عينه المأمون أمينا” على بيت الحكمة وكان طبيبا” ماهرا”كما أشار ابن العبري إلى ثابت بن قره الذي اشتغل بالتنجيم وخبرته باللغات الأخرى .كما أشار إلى الطبيب بختيشوع بن جرجيس ويحيى بن البطريق وتشجيع خلفاء بني العباس لحركة التأليف والترجمة في بيت الحكمة ببغداد..وممن ذكر علماء بيت الحكمة صاعد بن أحمد الأندلسي (ت462هـ/1069م)في كتابه(طبقات الأمم) ..هذا وقد تناول الجاحظ(ت255هـ/868م) في كتبه (البيان والتبيين) و(الحيوان ) و(التاج) نظم ورسوم الدولة العباسية وسياسة خلفائها وتطرق إلى الحركة العلمية في عصره (العصر العباسي الأول) ذاكرا” شخصيات علمية مثل علان الشعوبي وسهل بن هارون وغيرهم ممن عمل أو كان له دور في بيت الحكمة. أما تدرج التعليم من المساجد إلى المدارس وصولا” إلى بيت الحكمة فقد ذكره المسعودي (ت346هـ/957م) في كتابه(التنبيه والإشراف) . أما إذا رجع الأستاذ طارق حرب إلى ابن خلدون (ت808هـ/1405م) في مقدمته الشهيرة وتاريخه فقد تحدث عن دور صاحب بيت الحكمة وأنواع الطوائف العاملين به وقسمهم إلى عدة طوائف كالنساخين والمترجمين والمجلدين. أما المقريزي (ت845هـ/1441م) فقد قارن في كتابه (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) بين دار الحكمة في مصر الذي أنشأه الحاكم بأمر الله على أساس مذهبي ، وبين بيت الحكمة في بغداد الذي كان فيه الفكر حرا” غير مقيد بمذهب معين ! أما الطبري (ت310هـ/922م) فقد تحدث هو أيضا” في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) عن إنشاء المراصد والبيمارستانات(المستشفيات) والمدارس المرتبطة بمؤسسة بيت الحكمة في بغداد ، ومثله فعل ابن الأثير (ت630هـ/1232م) في كتابه (الكامل في التاريخ) حيث ذكر الحركة العلمية والفلسفية في بيت الحكمة وأشاد بدور الفضل بن جعفر في جمع الكتب التي يحتاجها بيت الحكمة . أما القلقشندي (ت821هـ/1448م)فقد أشار في كتابه (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء) إلى خزانة كتب بيت الحكمة وكيف كان يستفاد منها الطلاب والعلماء.. وممن ذكر بيت الحكمة في بغداد ابن الجوزي (ت597هـ/1201م) في كتابه(المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) ، وكذلك فعل أبو المحاسن بن تغري بردي (ت874هـ/1496م) في كتابه (النجوم الزاهرة) .. وقد ورد ذكر ما يدل على وجود بيت الحكمة في بغداد وجدية الاهتمام به في العديد من المصادر مما لا يسعنا في هذا المقام حصره والإشارة الدقيقة إلى ما ورد فيها بخصوص بيت الحكمة !
عماد علو – بغداد
/6/2012 Issue 4225 – Date 13 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4225 التاريخ 13»6»2012
AZPPPL