في المرمى
تزوير في أوراق رسمية – عمار طاهر
مهمة علمية تتعلق بإنجاز بحث أكاديمي، اتاحت لي الفرصة لزيارة وزارة الشباب والرياضة، التقيت خلالها مدير عام التربية البدنية علاء عبد القادر، دار بيننا حديث ذو شجن عن قانون الرواد، ومقترح تشريع لتنظيم عمل الأندية.. كان الرجل كعادته ودودا مرحبا، وكنت كما جبلت جادا مباشرا.. طرحت عليه الحيل الشرعية للنفاذ الى المنحة الشهرية، قلت ان بعضهم يحصل على شهادة تحكيم دولية وهو لا يفقه من اللعبة الا رسم حروفها، ليغدو قاضيا يستحق مبلغا شهريا وهو لا يستحقه.. سألته ان يراجع القوائم، ويدقق الأسماء، طالبته ان يستفسر من الباراولمبية عن الأشخاص الذين توفدهم رسميا على نفقتهم الخاصة للحصول على شهادات بلا قيمة بهدف نهب المال العام؟ رد عبد القادر وعلى قسمات وجهه القناعة والقبول بما أقول.. لقد تجاوز المبلغ الممنوح الملياري دينار سنويا!
ان قانون الابطال حول العراق الى البلد الأول في اسيا والعالم بعدد الحكام الدوليين في جميع الألعاب، لذا انصح رواد الصحافة ممن أفنوا زهرة شبابهم، ورحيق أعمارهم، يكدحون في بلاط صاحبة الجلالة دون جدوى، ان يشتركوا باي دورة دولية، فهم أحق بالمنحة، رغم يقيني ان ما يحدث عبارة عن تزوير في أوراق رسمية.
الموضوع الثاني قانون الأندية الراقد منذ أشهر في ادراج الوزير، بانتظار ان يرى النور للتخلص من حمولة ثقيلة ناءت بها الرياضة، فالرؤساء تحولوا الى اصنام، تقبض على صولجان الحكم، وتتقلد الزعامة، ولا تبرحها رغم رياح التغيير، والعهود والأزمنة التي تبدلت، فهي متشبثة حتى العظم، لا تقلعها العواصف مهما اشتدت.. الرهان على المستقبل في ظل وجودها، اشبه بلعبة الفوز المستحيل.
ما اوسع العبارة، وما اضيق المساحة، فالمقام لا يسمح بالاسترسال.. انتقلت بعدها الى مكتب المستشار حسن الحسناوي، تزامن وجودي استضافة أحد الاتحادات، طلب مني الجلوس والاستماع، اصغيت للخبراء وجدتهم يحاورون بدقة، ويناقشون بإجادة، لا يغفلون عن التفاصيل، ويقدرون المبالغ المالية بحرص وبراعة، تجربتهم الكبيرة، وقتهم الثمين، حضورهم اليومي، مشقة الطريق، جدلهم مع الاخرين، كله بلا مقابل، فهم مجرد متطوعين.
سرح الخيال، وتدفقت الصور، وانا اقارن بين الخبراء ورؤساء الاتحادات، وكذلك بين العناوين الكبيرة التي حفرت اثارها في اخاديد التاريخ، شعرت بالرثاء، فمن المرهق ان تعج الذاكرة بالراحلين، وتصبح مقبرة للأموات أكثر من الاحياء، وكأن الناس غير الناس.. وكأن البلد أصيب بلعنة الجهل والتخلف والفساد.
أثناء عصور الظلام، كانت الزوابع والأعاصير تفسر بأنها رجس من عمل الشيطان، لذلك كانت الاجراس تدق في الكنائس حينما تشتد الريح، أو يزداد هطول المطر، أو عندما يسطع ضوء البرق، أو يدوي صوت الرعد.. تساءلت في قرارة نفسي.. كم قرعنا بأقلامنا قلاع الشر؟ وكم عصفت مفرداتنا تسعى لضمائر هجعت، ونفوس استكانت، فباتت خانعة، بعد ان استبدت وتجبرت.
تسلل الى وجداني وانا استعرض في اعماقي رحلة الجزع الأولمبي، المؤامرات، والدسائس، والتكتلات، والتقاطعات، والتصريحات المتحدية للإجراءات الحكومية، ثم التنصل، والبراءة، والاتهامات المتبادلة في السر والعلن، ثم حالات الخضوع، والانقياد، والغزل، والوعود الكاذبة لقيادات الوزارة.. رأيت المال هو العامل الكامن وراء كل الشرور، وان من يبحث عن الكسب والارتزاق على حساب البلد غير جدير بالمسؤولية.. تذكرت قدماء الاغريق، فقد كانوا يدونون على اضرحة ابطالهم عبارة.. لا يدافع عن الوطن غير الاحرار، فالعبيد ليس لهم غير الرغيف والمأوى.. عقارب الساعة اعادتني من أحلام اليقظة.. استأذنت وغادرت، وانا اردد.. من هانت عليه نفسه، كان على غيره اهون.