قصص لمحمد علوان جبر
تراتيل العكاز الأخير – نصوص – كمال لطيف سالم
لأول مرة وبعد سنوات تمتد الى بداية السبعينات اقرأ لصديق الحرمان والتسكع محمد علوان جبر، في البداية تأوهت وقلت: مرة اخرى نعود لاجواء الحرب ودهاليز الالم والكآبة، وعندما بدأت اقرأ عرفت ان هذه القصص تتحدث عن حرب اخرى، حرب تختفي خلف سورها ما هو مروع وخارج من اوار حطبها هذه القصص مسالمة لا تقترب من البطولة والبسالة والعنتريات انها تتحدث عن خروقات غائمة بعيدة موغلة بالضبابية هي ليست قصص حرب ولكنها حرب ميرفي وحرب همنغواي في وداع للسلاح هي شيء يصعد وينزل خارج مغريات الوعظ وحلاوة الشهادة، انها صندوق تراب يضم غطام وجماجم تبتسم ببلاهة؟ هذه القصص تشبه كاتبها الذي عرفته في ادق تفاصيل جيل السبعينات كان كثيراً ما يمر بصدمات ووجوه مزجرة دون ان يبالي يضحك بوجه محتفظ بملامحه. كان يهزم الاشياء بصمت وبتلويحه من يد شديدة التمرين كنا نغير تمردنا في ما نقرأ لكامو ونرفض فعل الوجود كما يفعل سارتر كنا نتشرد على ارصفة ابي نؤاس وازقة البتاوين وكاننا نتيه في سوهو كان ذلك عالم شيدناه ولكن سرعان ما تلاشى منا من سافر واغترب ومن عاد واقام ليصبح وقوداً للحرب والالم. التقينا وافترقنا وتوهمنا مصائرنا وهكذا عبرنا مثرمة السنين لنعود الى بقايا مسرح محطم كل منا يحمل ما يكتب او يقرأ وهكذا وقعت مجموعة محمد علوان جبر تراتيل العكاز الاخير –حفر الاخنادق- هي مقدمة لدخول الحرب. خريجون مرة اخرى، ماذا اصنع بالخريجين والحرب على وشك ان تقوم؟
اي حرب يعني هذا الامرد القصير.
حلت الحرب التي غطتنا كغيمة سوداء، تساقطنا الواحد تلو الاخر ولم نفتح كل الحفر التي حفرناها بالمعاول والمجارف اذا اخترقتنا شظاياها بلا رحمة -ضوء ازرق اسفل الوادي- قصة فريدة وغريبة مسكها القاص مثلما يمسك بطائر الصحراء حرب وموت ودمار ومع ذلك نجد بين كتل الجحيم من يجلس ليقلب دفتراً عثر عليه في احد ملاجئ العدو الايراني فيه كتابات ورسوم –ان الكثير من الكلمات حفرتها شظايا او غبار القنابل مما يتطلب مني ان اقرأها على مهل- حبيبتي لا شيء اقسى من الحرب الانتظار في الحرب بسبب رعب اكثر من الحرب ذاتها، تنتظر من سياتي ليقتلك او ربما تقتله. دفتر كتبه غلام مقاتل يمتلك شعوراً انسانياً امام افعى وامام فراشة وامام كل ما يحيط به من اشياء هل من الممكن ان يحدث هذا في مدى معقولية ما ليس هو بمعقول يتقاتلون بقتل بعضهم بعضاً ولا يعرف احدهم الاخر وليس هناك ثمة ضغينة مسبقة لفعل القتل سوى جنود يجيشون بسبب اخطاء السياسات والحكام الذين يجرون ملايين الناس الى الهلاك؟
هو يتطلع الى فضاءات الجانب الاخر من الجيل محاولاً اخفاء انهماكه برد التحية لي كما افعل انا.
في –تراتيل العكاز الاخير- يتوغل القاص في موضوعة تمس عصا متهيجاً يكاد يصرخ. هو يكتب عن مخلفات الحرب وما تلحقه بالناس من يفقد بصره او سمعه او ساقه ليعوض بعد ذلك بساق خشبية والاخر يفقد ذكورته ويصبح عاجزاً عن الاداء الرجولي والذي يدفعه الى التهستر ويصير مجنوناً ومنبوذاً من الاخرين بعد ان فقداهم اجزاء جسده ليتحول الى جامع نفايات من شتى الاصناف ابطاله ليسوا عاديون هم يتحركون في دينامية منظمة يرون ما وراء المحسوس الاشياء على اختلافها تميل بوابات ومصاريع يمكن ان تفتح على مداخل النفس البشرية الحياة الحب الدفء الرومانسية، فيها هو الاخر يعود بعد مطبات مهلكة ليسترجع موقعة وقعت هذا كان من خلالها يقض اجمل الايام هي ايام فتوته التي تحولتا بعد ان تركها مرغماً الى حطام ومجمع نفايات.
قصص نقول ابعد من حدود سطورها وما يتصارع بين جوانحها هي تقولا ان كل الاشياء ما هي الا رغبة او نزوة الحياة الموت القدر. احلام اليقظة وسبات الحلم بعد كل ذلك ما هي حصيلة ما تبقى سوى الم وفراق ودمار شمل العصب المدير للحياة التي تسير كما يدبر لها صناع سيناريوهات الرعب والدمار البشري.
هل يمكن ان نتعاكز على ما تبقى من اخشاب متآكلة علاها غبار السنين ام ان هناك من يفكر بصناعة اطراف اكثر حداثة ليوفرها لحروب قادمة تصنع وتعيد الصور التي سرعان ما تتكرر.

















