تجييل الشعر العراقي إصدار جديد
بغداد- الزمان
الأجيال الشعرية موضوع من موضوعات التاريخ الأدبي بوصفه شكلاً من أشكال الكتابة التاريخية/ الهستوغرافيا التي تجمع الحوليات والمذكرات والأخبار والتراجم ومنها التسجيل الوقائعي والتوثيق التفصيلي لتلك الوقائع سواء كانت يومية أو شخصية أو عرضية غير مباشرة. وليس ببعيد أن تكون موضوعة الأجيال الشعرية ذات صلة بالنظرية الأدبية. هذا ما يتناوله كتاب( الوهم والحقيقة في تجييل الشعر العراقي) للدكتورة نادية هناوي وصدر مؤخرا عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر ويقع في اربعمئة صفحة من القطع المتوسط .. ركزت مقدمة الكتاب على تأكيد تفاوت المعايير المعتمدة في دراسة الأجيال والمفاهيم الموظفة في رصدها وكيف أن الايديولوجيا كانت هي اللاعب الخطير في توثيق تاريخ الشعر المعاصر. وترى المؤلفة أن أهم مأخذ يوجه للتجييل العقدي هو أن يغدو الشاعر مؤرخا لشعر أقرانه مرة بإعلاء من يماثلهم الرؤية والولاء ومرة أخرى بالمبالغة في العداء والتنكيل والكيل بمكيالين تجاه من يخالفونهم الايديولوجية أو من لهم معهم مواقف شخصية سلبية أو عدائية.
وتذهب المؤلفة إلى أن خطورة هذا الفهم اللانقدي للجيل تجعل دلالته متضادة مع الدلالة الاصطلاحية وعلى الرغم من عدم صلاحية التجييل العقدي مقياسا للفحص النقدي؛ فإن بعض الشعراء استمروا يقولون الشعر في العقود اللاحقة وظلوا في صدارة المشهد النقدي كما أن النقد العراقي اعتمد العقدية مقياسا في تصنيف ما أعتبره أجيالا شعرية. وظل(الجيل الستيني) هو الأكثر إفادة من هذا المقياس كعقد له الأولوية في التميز على عقود القرن العشرين كلها. واستمر هذا الحال في العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين.
ويطرح الكتاب سؤالا مركزيا هو كيف يمكن لشاعر أن يرسم خريطة لعشرات الشعراء من خلال تجربته الشخصية، ومن دون أدنى اعتبار للتفنن والتجريب وأساليب التطوير والتنويع ؟!!
هذا ما أدى الى أوهام التجييل ومنها تصور وجود قطيعة بين الاجيال الشعرية، وهو ما تراه المؤلفة غير صحيح لان الابداع ليس له عمر محدد ولو كان صحيحا لما بدأ تولستوي تجربته الروائية في سن الخمسين ولما ظل ادونيس يقول الشعر وهو في التسعين. وبينت :(إن وبال هذه القطيعة وخيم، لا على الشعرية وحدها بل النقد الادبي ايضا، لبطلان فنية معيار الزمان العقدي ولان الاستمرار في الخطأ ومحاولة مناكدة السابق والتميز على اللاحق أفضت إلى شيوع مقولة( الشعراء الشباب ) وفتحت منتديات ومهرجانات باسم الشعراء الشباب). ويخلص الكتاب إلى أن من المهم والضروري أن يتحمل النقد العراقي المعاصر مسؤوليته النقدية فلا يتهاون في أمر تصحيح الفهم الخاطئ لمعنى التجييل عموما والتجييل الشعري تحديدا وأن يتعامل معه على وفق شرائط تبتعد عن الأهواء والأمزجة والآيدلوجيات والمصالح الشخصية مع التأكيد على أهمية التقارب والتواصل والتفاعل بين الأجيال الذي به تدوم عجلة الابداع وتستمر بالتأصيل والتجريب معا.