تجربة قسرية – اياد السعيدي
أجبرتني إصابة حنجرتي وألمُها الحاد على أن لا أتكلم إلا رمزا .. باستخدام لغة الإشارة لأسبوعين في المنزل وبين الأصدقاء وفي العمل وكل المحافل ، لذلك لم أنطق إلا حين أنفجر ضاحكا وهو نادر في أيامنا السوداء هذه أو حين أفقد السيطرة على أعصابي بسبب تصريحات وأكاذيب لقرود بشرية عبر شاشاتنا المتهالكة ، ثمة جانب مفيد في هذا السلوك القسري المفروض عليّ شعرت به في السوق جعلني أضحك بهمس مع نفسي وأرثي مجتمعنا الذي غابت فيه كلمة عيب بل ألغيت من قاموسه ، فأغلب البائعين في السوق يشتركون تقريبا في صفة الإحتيال والغمز واللمز لكي يغش الزبون بما يستطيع وهذا ما لمسته بالأخص حين يشعر أنك معاق في سمعك أو بصرك وهذا مدعاة للضحك عليك أيضا وكأنه يشاهد منظرا كوميديا أو فقرة للترفيه ويحس بنشوة الإنتصار عليك حين يغشك مهما كنت ضعيفا . بالحقيقة أنا إستسغت هذه الوسيلة بالتفاهم ووجدتها دواء للتهرب من النقاش الزائد والجدل العقيم في السياسة والفساد ، وفي إحدى جولاتي للتسوق وأنا أمثل لغة الإشارة ظنّ أحد الباعة أنني أبكم أصم وبدون حذر أو خجل بدأ بتلفظ عبارات تهين العراق الذي كثرت فيه حالات العوق والعوز وتلعن اليوم الذي يرى فيه معاقا ليساعده لوجه الله لأنهم ملأوا الشوارع وأصبحوا يشكلون عبئا على فخامته حين ينزعج من صعوبة التفاهم مع أحدهم وها أنا أزعجته بإشاراتي التي فهمها بصعوبة جعلته يتشنج ويعاملني بتعالٍ لأنني ناقص لإثنتين من حواسي وهو معافى صحيح الجسم والحواس . آخر وفي يوم آخر وبذكائه المفرط عرف أنني أخرس وغبي وغبي أيضا !! فعبأ لي من الفاكهة أردأها وأعفنَها ولم يُعد لي ما تبقى لأنني غبي وهو الذكي فطالبته بصوتي المبحوح نصف المختفي بأن يخرج العفنة ويبدلها بصحيحة لأنني خدعته وإستخدمت لغة الإشارة !! إنزعج المحترم ولم يبعني شيئا . لم تقف تجربتي مع هؤلاء عند هذا الموقف بل كانت ثمة مواقف يحزن لها صحيح الجسم قبل المعاق سمعا أو بصرا أو نطقا .. حقيقة إنه أمر مؤلم أن يتسلى المجتمع بعوق أفراده أو لا يكترث لها أو يشعر بثقلهم عليه .. والأكثر إيلاما ظاهرة الغش والخداع في أبسط ممارسة حياتية – تسوّق الطعام ، فلا يهم البائع أن يتسمم المواطن أو يرمي ما إبتاعه ، المهم لديه أنه ربح على حساب الصحيح والمعاق .