تجربة الشعر للرسامة غرام (1)

تجربة الشعر للرسامة غرام (1)
بين الشعر وبين الرسم ثمة جسر واحد ،هو الشعور اللاهف ومعه الاحساس الوارف ،فالشاعر ينقل تلك الهواجس عن طريق الكلمات ،والرسام عن طريق التعبير بالالوان والفرشاة ..وقد جمعت الشاعرة والرسامة (غرام الربيعي ) بين الموهبتين ..واذا كان الشاعر الحديث قد تحول من الغنائية الي الدرامية ،واخذ يستقي بغزارة من روافد جمالية جمّة من الاجناس الاخري باستيعابه للكثير من الاصوات الداخلية ،فالقصيدة هي وحدة تقطيع لحدث واحد ،له زمان وله محتوي ،حيث تعتمد القصيدة علي حدث تسلسلي متماسك ..اذ ان الفن هو انعكاس للوعي الجمالي او الثقافي ،وهو الحاضنة الفلسفية لذلك التحول الواعي او القصدي ،بالانتصار علي الغنائية ،وهكذا يبقي جوهر الحلم في الرؤية الشعرية فوق العالم المحسوس والبحث عما وراءه ..ولغرض تتبع اصدار الشاعرة غرام الربيعي لديوانيها : الاول وهو (تراتيل في محراب النخيل ) الذي صدر عام 2009 والذي اعقبته بديوانها الثاني (حلم آيل للصباح ) والصادر في عام 2011 وفي هذه الاضمامة السريعة سأحاول التحدث عن الديوانين بعُجالة ! حيث تبدأ الشاعرة ديوانها الاول بالبوح ( الساعة /سأبوح إقراري ../ سأبوح ..لابدّ مني / لابدّ منك ../لنحطم بقايا عمر كان ) فماذا سيكون عليه هذا البوح ..؟؟وكانت قد سبقت ذلك بلهجة تراتيلية في قصيدة (تراتيل في محراب النخيل ) (تمتد اصابعها في الماء /تخرج بيضاء من غير سوء !) ومن ثم اعقبتها (اخلع نعليك /فانت في محراب النخيل ) فهكذا تاتي قداسة الصورة الشعرية لدي غرام ،واذا علمنا ان حلمها قد اغتيل ( في حلم لم يكن في الليل ..ولا في النهار / لم يكن اضغاثا / قتل حلمي / سألوا ..هل رايت دما ؟ / انه يفسد الحلم / لا.. كان قتلا بلا سكين /ولا دماء ..ولا جثة ؟؟) وهكذا يجيء هذا الدم الذي سيفسد حلمها – حسب المفهوم الشعبي – فهل جاءت الشاعرة هنا لتقرر به الاغتيال المعنوي للروح المطفأة كعقب السجائر ..؟؟فالشاعرة غرام هنا تقدم لنا بؤس الموقف الحياتي ( نهود الامهات تدرّ نحيبا ً) فلم تعد تدرّ حليبا ،فقد جفت فيها الضروع ؟ فالشاعرة ترسم لنا يوما ،لايشبه اليوم ولا الامس ،فكل الأماسي والساعات السابقة قد القتها في النفايات ، ولهذا نجدها تسافر في كل ليلة ،علها تجدد تلك الساعات التي فقدت رونقها وطعمها في محاولة لتجديد دمها ،ف(هو) لابدّ ان يأتي ولهذا فهي تضغط علي هذه العبارة بقوة عندما تطلع من بين شفتيها مرارا ً (لكنه يأتي / لابد أن يأتي .. حتي لو غداً .. او بعد غد ٍ) فقد لملمت احلامها في اكياس النفايات ، وقد داسها البسطال ،في اشارة رمزية الي القوة والي العنف الذي جاء به الاحتلال وتبعاته من ارهاب واقتتال الي درجة نجدها تصرح ( حتي تعفن الحلم /وكفنه الشيب /ولُمّ بأكياس سوداء) اما في قصيدة (آآآآآآآه ) تعمد الشاعرة الي مدّ حرف الالف بمرارة للدلالة علي شدة الوجع الذي جعلها تترنح تحته ،ومعه هذا الالم النفسي المبرح ،خصوصا وهي تتلقي (صفعات كثيرة علي خدّ الثري ) وقد آلمتها هذه الصفعات الي درجة ان الآه ذاتها ، بدأت تشكو ( كم تأوّهت آهي ؟) واذا كات (خرزات المسبحة تناثرت ..تبحث عن فرح ؟) فأنّي لها ذلك وقد أدماها موقف الحسين (ع) في سبحات صوفية (تغازل الله توسلا ..بسملة ..عشقها ..جلّ عشقها …حبّ الحسين ) بعد ان ثملت كل الاشجار من دمعها !وهكذا تختتم الشاعرة غرام ديوانها الاول بقصيدة (آفاق لا ادري مرساها ) بعد ان اوصدت امامها الابواب في ايقاع قوي يتدحرج نحو الهاوية (أم كل الابواب سُدّ وغلق / أم قدم ُعلي حافة الموت ينزلق /أم دخان من بقايا تحترق ) إذ تتركها هذه الانكسارات مهشمة الافاق ،مجهولة المستقبل ،مرعوبة وشاحبة ،بعد ان مدّ الاعصار موجه نحو الساحل بقسوة ،فتركها ذاوية لاتدري الي اين تذهب ؟(انا مثل عجائز فقدنَ مالهن ومابقي !) . أمّا في ديوانها الاخر (حلم آيل للصباح) واذا كانت الشاعرة تصدمنا بقولها (لله درّك ..في الذاكرة ..كم حلما مؤجلا ؟) وهكذا نفتح أعيننا علي هذا الشجن والحزن الذي كنا نأمل انه قد غادرها في هذا الديوان ! فهي هنا متفاءلة نوعا ما ،ففي قصيدة (كن شاعرا) نراها تطلب من المتلقي ان يقرضها (بعض خفقان ٍ/تقتلع الشعر من القوافي /تصدّ /هبوب وجعي المسافر ) وهكذا تختم القصيدة بثيما تطلب فيها من الانسان لكي يتحول الي مثل هذا الشاعر الذي تريد (ان يكونه !) كما نجدها تعمل علي توظيف التراث بصورة جيدة في ايقاع سهل وعذب (كن شاعراً ..واقرض الجميع قلبا /يطوفوا كعبة الشعر /من زمزم القافيات ..يغتسلوا /ولو بركعتي قصيدة) ولو ان الشاعرة كانت قد اضافت (لام التعليل) الي كلمتي (يطوفوا ،يغتسلوا) لكانت اكثر ايقاعا !لكنها سرعان مايداهمها القلق وتعود الي حزنها الشفاف من جديد ،فهي متذبذبة لاتستقر علي حال ،فقد انتهي زمن الحب وتبدل الي (زمن جديد) لعلها مازالت لاتفقه معناه.
حسن حافظ – بغداد
/2/2012 Issue 4121 – Date 13- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4121 – التاريخ 13/2/2012
AZPPPL

مشاركة