تجارب لإنقاذ الأرض من الميثان الناجم عن تجشؤ الأبقار

دافيس‭ (‬الولايات‭ ‬المتحدة‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬يشارك‭ ‬الباحث‭ ‬البرازيلي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ “‬يو‭ ‬سي‭ ‬ديفيس‭” ‬في‭ ‬شمال‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬باولو‭ ‬دي‭ ‬ميو‭ ‬فيليو‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬طموحة‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬حبوب‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬انبعاثات‭ ‬الميثان‭ ‬من‭ ‬الأبقار،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أقوى‭ ‬غازات‭ ‬الدفيئة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحويل‭ ‬الأحياء‭ ‬الدقيقة‭ ‬المعوية‭ ‬لديها،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالفلورا‭ ‬المعوية‭. ‬يُدخل‭ ‬باولو‭ ‬دي‭ ‬ميو‭ ‬فيليو‭ ‬أنبوبا‭ ‬طويلا‭ ‬في‭ ‬شدق‭ ‬عجل‭ ‬صغير‭ ‬يبلغ‭ ‬شهرين‭ ‬يُسمى‭ “‬ثينغ‭ ‬1‭” ‬حتى‭ ‬معدته‭. ‬وقد‭ ‬بات‭ ‬الحيوان‭ ‬معتادا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المناورة‭ ‬اللازمة‭ ‬لتطوير‭ ‬ما‭ ‬يوصف‭ ‬بأنه‭ ‬حل‭ ‬سحري‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬انبعاثات‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭ ‬المتأتية‭ ‬خصوصا‭ ‬من‭ ‬تجشؤ‭ ‬الأبقار‭. ‬ويشير‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬الحيوان‭ ‬إرمياس‭ ‬كيبرياب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬منذ‭ ‬العصر‭ ‬الصناعي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭”. ‬وتتسبب‭ ‬قطاعات‭ ‬صناعية‭ ‬ومصادر‭ ‬طبيعية‭ ‬أخرى‭ ‬عدة‭ ‬بانبعاثات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الغاز‭. ‬لكنّ‭ ‬الأبقار‭ ‬تبعث‭ ‬الكثير‭ ‬منه‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬تربيتها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬باتت‭ ‬تُعتبر‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الرئيسية‭ ‬للاحترار‭ ‬المناخي‭. ‬ويقول‭ ‬إرمياس‭ ‬كيبرياب‭ “‬الميثان‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬إلا‭ ‬لمدة‭ ‬12‭ ‬عاما،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يستمر‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬لمئات‭ ‬السنين‭”. ‬ويضيف‭ “‬لذا،‭ ‬إذا‭ ‬قللنا‭ ‬انبعاثات‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭ ‬الآن،‭ ‬فسنرى‭ ‬التأثيرات‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭”. ‬ويعمل‭ ‬نحو‭ ‬40‭ ‬شخصا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬يتوزعون‭ ‬بين‭ ‬المزرعة‭ ‬والمختبر‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬في‭ ‬ديفيس‭ (“‬يو‭ ‬سي‭ ‬ديفيس‭”)‬،‭ ‬ومعهد‭ ‬علم‭ ‬الجينوم‭ ‬المبتكر‭ (‬IGI‭) ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بيركلي‭. ‬وقد‭ ‬فازت‭ ‬جنيفر‭ ‬دودنا،‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬المختبر‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ ‬عن‭ ‬اختراع‭ ‬مقص‭ “‬كريسبر‭” ‬الجزيئي‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بتعديل‭ ‬الجينات‭. ‬يُستخدم‭ ‬الأنبوب‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬إدخاله‭ ‬في‭ ‬العجل‭ “‬ثينغ‭ ‬1‭” ‬لضخ‭ ‬السوائل‭ ‬من‭ ‬كرش‭ ‬الحيوان،‭ ‬وهو‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الجهاز‭ ‬الهضمي‭ ‬لدى‭ ‬الحيوانات‭ ‬المجترة‭ ‬ويحتوي‭ ‬على‭ ‬طعام‭ ‬مهضوم‭ ‬جزئيا‭. ‬يتيح‭ ‬تحليل‭ ‬العينات‭ ‬فهم‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الدقيقة‭ ‬في‭ ‬الأبقار‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬وخصوصا‭ ‬الميكروبات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الكرش‭ ‬والتي‭ ‬تحوّل‭ ‬الهيدروجين‭ ‬إلى‭ ‬ميثان‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الغاز‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬هضمه،‭ ‬فإن‭ ‬البقرة‭ ‬تتجشأ‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬100‭ ‬كيلوغرام‭ ‬من‭ ‬الميثان‭ ‬سنويا‭. ‬يتم‭ ‬تغذية‭ “‬ثينغ‭ ‬1‭” ‬وشقيقه‭ “‬ثينغ‭ ‬2‭” ‬والعجول‭ ‬الأخرى‭ ‬جزئيا‭ ‬بالطحالب،‭ ‬ما‭ ‬يعيق‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬وبالتالي‭ ‬يقلّل‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭. ‬ويأمل‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدخال‭ ‬ميكروبات‭ ‬معدلة‭ ‬وراثيا‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تستنزف‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تحرم‭ ‬مولّدات‭ ‬الميثان‭ ‬من‭ ‬مواردها‭. ‬لكنهم‭ ‬يشعرون‭ ‬بالقلق‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬الجانبية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتكيفات‭ ‬وإعادة‭ ‬التشكيل‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ “‬إذا‭ ‬أوقفنا‭ ‬عملية‭ ‬توليد‭ ‬الميثان،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتراكم‭ ‬الهيدروجين‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬قتل‭ ‬الحيوان‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬يوضح‭ ‬ماتياس‭ ‬هيس‭ ‬الذي‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬المختبر‭ ‬المجاور‭. ‬يقول‭ ‬أستاذ‭ ‬علم‭ ‬الأحياء‭ ‬الدقيقة‭ ‬مازحا‭ “‬إن‭ ‬الميكروبات‭ ‬اجتماعية‭ ‬للغاية‭”‬،‭ “‬إذ‭ ‬إن‭ ‬حياتها‭ ‬متشابكة‭ ‬تماما‭ ‬وتؤثر‭ ‬تفاعلاتها‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬البيئي‭ ‬ككل‭”. ‬يختبر‭ ‬طلابه‭ ‬صيغا‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬مفاعلات‭ ‬حيوية،‭ ‬وهي‭ ‬خزانات‭ ‬تعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬ظروف‭ ‬حياة‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الدقيقة‭ ‬في‭ ‬معدة‭ ‬الحيوانات‭ ‬المجترة،‭ ‬والتحركات‭ ‬عند‭ ‬مختلف‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭. ‬من‭ ‬جانبهم،‭ ‬يسعى‭ ‬علماء‭ ‬معهد‭ ‬علم‭ ‬الجينوم‭ ‬المبتكر‭ (‬IGI‭) ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬الميكروب‭ ‬الصحيح،‭ ‬وهو‭ ‬الميكروب‭ ‬الذي‭ ‬يأملون‭ ‬في‭ ‬تعديله‭ ‬وراثيا‭ ‬ليحل‭ ‬محل‭ ‬مولّدات‭ ‬الميثان‭. ‬سيصار‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬اختبار‭ ‬الكائنات‭ ‬الحية‭ ‬الدقيقة‭ ‬المعدلة‭ ‬في‭ ‬المختبر‭ ‬وفي‭ ‬الجسم‭ ‬الحي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬في‭ ‬ديفيس‭. ‬يقول‭ ‬إرمياس‭ ‬كيبرياب‭ “‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نحاول‭ ‬فقط‭ ‬تقليل‭ ‬انبعاثات‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭”. ‬ففي‭ ‬السيناريو‭ ‬الأمثل،‭ ‬ستنتج‭ ‬البكتيريا‭ ‬المحسنة‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأحماض‭ ‬الدهنية،‭ ‬وستحتاج‭ ‬الأبقار‭ ‬إلى‭ ‬طعام‭ ‬أقل‭. ‬ويضيف‭ “‬الهيدروجين‭ ‬والميثان‭ ‬مصدران‭ ‬للطاقة،‭ ‬إذا‭ ‬تمكنّا‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬توجيههما‭ ‬لاستخدامهما‭ ‬من‭ ‬البقرة،‭ ‬فسيكون‭ ‬هذا‭ ‬الحيوان‭ ‬أقل‭ ‬تلويثا‭ ‬وأكثر‭ ‬إنتاجية‭ ‬أيضا‭”. ‬ويبقى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تطوير‭ ‬حبة‭ ‬أو‭ ‬حقنة‭ ‬يتم‭ ‬تناولها‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط،‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الحياة‭. ‬لأن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المواشي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬المراعي،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬إعطاؤها‭ ‬الطحالب‭ ‬أو‭ ‬الأدوية‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭. ‬ولدى‭ ‬الفرق‭ ‬الثلاث‭ ‬70‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬وسبع‭ ‬سنوات‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭. ‬ويقول‭ ‬كيبرياب‭ “‬إنه‭ ‬مشروع‭ ‬ذو‭ ‬إمكانات‭ ‬كبيرة،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يفشل‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬ولكنه‭ ‬فريد‭ ‬حقا،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬آخر‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭”. ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬كيبرياب‭ ‬لسنوات‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬أخرى‭ ‬لجعل‭ ‬مزارع‭ ‬الماشية‭ ‬أكثر‭ ‬إنتاجية‭ ‬واستدامة،‭ ‬ويتجاهل‭ ‬الدعوات‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬استهلاك‭ ‬اللحوم‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الكوكب‭. ‬ويعتقد‭ ‬أن‭ “‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬ممكن‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬أوروبا‭” ‬بالنسبة‭ ‬للبالغين‭ ‬الأصحاء‭. ‬ويواصل‭ ‬قائلا‭ “‬لكنني‭ ‬أعمل‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأقل‭ ‬نموا‭”‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬إلى‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬حيث‭ ‬ترغب‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬إنتاج‭ ‬الحليب‭ ‬واللحوم‭ ‬لأن‭ “‬20%‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬دون‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬توقف‭ ‬النمو‭”. ‬ويضيف‭ “‬لن‭ ‬نطلب‭ ‬منهم‭ ‬ألا‭ ‬يأكلوا‭ ‬اللحوم‭!”. ‬

مشاركة