بين التأصيل القانوني ومراعاة الإختصاص – حسن الياسري

تكليف رئيس ديوان الرقابة المالية بمهمات رئيس هيئة النزاهة

بين التأصيل القانوني ومراعاة الإختصاص – حسن الياسري

أولاً : التأصيل القانوني :

1- من المعلوم في فقه القانون الإداري أنّ النائب أو الوكيل يحل محل الرئيس عند غيابه لأي سببٍ ، سواءٌ كان الغياب بسبب السفر أو الاستقالة أو الإقالة أو الوفاة .. وذلك بناءً على نظرية الحلول ، إذ يحل النائب أو الوكيل محل الرئيس في ممارسة اختصاصاته كافة ..

أما عند غياب الأصيل – الرئيس – وعدم وجود نائبٍ له أو وكيل ، فهنا يُركنُ الى نظرية النيابة ، إذ لا بد من  تكليف من يقوم  بأعباء وظيفة الأصيل الغائب ، شريطة أن يكون من درجة الأصيل الوظيفية ذاتها ، أو أدنى منه بدرجةٍ واحدةٍ ..

2- يوجد فرقٌ كبير بين الرئيس أو الوزير الأصيل من جهةٍ ، وبين من يحلّ محله بسبب الغياب المذكور آنفاً  ، من حيث التأصيل القانوني لا من حيث ممارسة الصلاحيات .. إذ لا يُعدُّ الثاني من الرؤوساء أو الوزراء المحسوبين على الوزارة ، بل هو حلولٌ قانونيٌ مؤقتٌ ، وإنْ تولدت لديه المكنة على ممارسة الصلاحيات كافة ..

وهو ما حصل في حالتين في هيأة النزاهة ، الأولى هي حلول السيد فرج ، وهو نائب الرئيس ، محل الرئيس بعد خروجه ، مع أنه ليس بصاحب اختصاصٍ قانوني كرئيس ، لكنه كُلِّف لكونه نائباً حل محلّ الرئيس عند غيابه .. والثانية ، هي حلول المرحوم السيد توفيق نائب رئيس الهيأة – رحمه الله – ، محل الرئيس المستقيل ، فهو حلولٌ قانوني لشغور المنصب الناجم عن الإستقالة .

وقد وردت في أمر تكليفه صيغٌ مؤكدةٌ – مع أنّ الحاجة لم تكن ماسةً اليها لوضوح الأمر – مثل ( مؤقتاً ) و ( لحين اختيار رئيس جديد ) ، إذ جاء في الأمر الديواني :

( يُكلف السيد … مؤقتاً ولحين اختيار رئيس جديد للهيأة ) !!!

مع أن تكليف الوزراء بالنيابة لا ترد فيه عادةً مثل هذه الصيغ !!

وقد تلاحظون هذا الحلول القانوني كثيراً في التطبيق العملي اليومي ، اذ يحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه ، ونائب رئيس الوزراء محل رئيس الوزراء عند غيابه ، ونائب رئيس البرلمان محل الرئيس عند غيابه ، ووكيل الوزارة محل الوزير عند غيابه ، ومعاون المدير العام محل المدير العام عند غيابه .. وهكذا .. إذ لا يُعدُّ النائب او الوكيل رئيساً ، وإنْ مارس الاختصاصات جميعها من ناحية القانون الإداري ، فالكلام هنا ليس عن ممارسة الاختصاصات ؛ ولهذا تتم الدعوة الى الانتخابات المبكرة في حالتي غياب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء – مع بعض التفاصيل بحسب طبيعة النظام السياسي وما اذا كان رئاسياً أو برلمـــــــــانياً -..

3- وثمة فرقٌ آخر بين الرئيس أو الوزير الأصيل من جهةٍ ، وبين من يُكلَّف اضافةً الى مهماته مؤقتاً لحين اختيار الرئيس او الوزير الأصيل ، كما حدث ويحدث في كل توليفةٍ وزاريةٍ في الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 اذ عادةً ما يؤخَّر اختيار وزراء الداخلية والدفاع وغيرهما ، فيُكلَّف أحد الوزراء اضافةً الى مهماته ومؤقتاً لحين حسم اختيار الوزير الأصيل .ويأتي هذا التكليف في سياق نظرية الإنابة.

ومن هنا لا يُعدُّ من كُلِّف الآن من الوزراء الحاليين بوزارة العدل مثلاً – وهو وزير الثقافة بالأصل – من المحسوبين على من تبوؤا وزراة العدل البتة ، وهكذا في وزارات الداخلية والدفاع وغيرها …وإنْ تمتع بجميع الصلاحيات ..!!

ثانياً : مراعاة الاختصاص :

وبناءً على ما تقدم كُلَّف السيد رئيس ديوان الرقابة المالية برئاسة الهيأة اضافةً الى مهماته ، ومؤقتاً لحين اختيار رئيسٍ جديد ، ومن ثم لا يمكن عَدّهُ على رؤساء الهيأة الذين تبوؤا المنصب بشكلٍ فعلي وأصيل – ولا نعني بالأصيل هنا ما هو بإزاء المنصب بالوكالة الشائع – ؛ فهو لمّا يزل رئيساً للديوان بالعنوان الأولي والأصلي ، وقد كُلِّف اضافةً الى ذلك برئاسة الهيأة مؤقتاً ، تسييراً للمرفق العام وحسن انتظام سيره ؛ إذ لا يمكن ترك مرفقٍ عامٍ مهم دون انتظامٍ ، تأسيساً على عدم وجود نائبٍ للهيأة ينهض بهذه الأعباء ، بعد وفاة النائب رحمه الله ..

وإذْ كان التكليف مؤقتاً بناءً على نظرية الإنابة ، وإذْ كان المُكلَّف لمّا يزل يمارس وظيفته الأصيلة – رئاسة الديوان – ، ولمَّا كانت الضرورة تقتضي حسن انتظام سير المرفق العام ؛ لذا لا حاجة لمراعاة الإختصاص المطلوب في القانون ..

إذ القانون يتحدث عن مؤهلاتٍ مطلوبةٍ في شخصٍ يتولى المنصب فعلاً وأصالةً ، بمعنى أنه يكون مؤهلاً لعرضه على البرلمان ليحوز الثقة ، وليس هذا المقصود من تكليف السيد رئيس الديوان ، فانتفى الموضوع ، وانتفت شـــروطه !!!

وتأسيساً على ما تقدم يُعدُّ تكليفه تكليفاً صحيحاً وموافقاً للقانون ، لا شائبة فيه ولا عوار..

مشاركة