بول أوستر ورواية عن البلاد والأشياء الأخيرة
المرجعية في السرد
حسين سرمك حسن
تتمثل واحدة من مصائب الثقافة العربية في جانب منها في تبعيتها للآخر الغربي المتفوق تحديدا وانبهارها العصابي بما يقدمه حدّ العمى الذي يصيب بصرها وبصيرتها. ومصيبتها الأكبر الأخرى هو ما نسمّيه في علم النفس تماهيها مع المعتدي، identification with the aggressor حيث تصبح الضحية ملكية أكثر من الملك نفسه، متماهية مع جلادها، متوسمة أفكاره ومقتفية اثر سلوكياته بما يشبه العمى النفسي، psychological blindness . من ذلك أن النقاد والكتاب والقراء يبدأون، فجأة، بتداول عمل أدبي غربي، مترجم، بحماس فائر غريب، وتحيّز حاد أغرب، إلى حد أنهم يعدّون من يدعو إلى وقفة تأملية عميقة ومراجعة نقدية جذرية للعمل متخلفا ورجعيا ومتحجرا، لا يمتلك المرونة المطلوبة والتطور والإنفتاح الفكري الكافي للتعاطي مع تيار الحداثة وما بعد الحداثة. ولا أعلم أين هي الحداثة العربية لكي أزور بنتها المابعد حداثة. خداع للنفس وتضليل للذات. وهذه مصيبة أخرى حيث يتشدق النقاد والكتاب العرب بمفاهيم ومصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة وهي ليست لهم ولا من عرق جبينهم ولا من نتاج مجتمعهم. ما هم إلا كائنات طفيلية تعتاش على فتات موائد الحداثة وما بعد الحداثة الغربيتين. يتخلى عرّاب البنيوية النقدية اللغوية رولاند بارت عن البنيوية ويعدّها غير كافية للتعامل مع النصوص، ليأتي بعده بعشر سنوات ناقد مصري لينفض عنها التراب ويهوّس بها كحل وحيد لمعضلة الحداثة النقدية العربية المهم أن من الأعمال الأدبية التي تداولها النقاد والقراء العرب بحماس عشائري، وكأن المؤلف إبن أختهم هي أعمال الروائي الأمريكي بول أوستر الصورة رقم 1 وفي مقدمتها ثلاثية نيويورك و في بلاد الاشياء الأخيرة . كنت أقول لبعض أصدقائي في بغداد من نقاد وقراء إهدأوا ودعونا نقرأ بهدوء وروية فيأتي الرد يمعوّد عمل عظيم .. وروائي فذّ. طيّب. سأتوقف هنا عند رواية في بلاد الأشياء الأخيرة لأتناول ثلاثية نيويورك في مناسبة أخرى. تدور وقائع رواية في بلاد الأشياء الأخيرة فعليا في بلاد بلا إسم ولا نعرف مكانها سوى أن البطلة آنا بلوم وصلت إليها بعد رحلة في سفينة استغرقت عشرة أيام؛ بلاد تلفظ فيها كل الموجودات إنسانا وأشياء أنفاسها الأخيرة، ويحتضر كل شيء ببطء مرير، وتتهاوى متناثرة إلى اللاشيء واللاجدوى. هذا ما يفتتح به الروائي روايته بصورة مباشرة على لسان بطلته آنا بلوم التي تكتب مخاطبة صديقها السابق في بلادها القديمة فالرواية عبارة عن رسالة طويلة، مستهلة حكايتها بـ
الأشياء الأخيرة
كتبتْ هذه هي الأشياء الأخيرة. إنها تتوارى الواحد تلو الآخر ولا تعود البتة. في مقدوري إخبارك عن تلك التي شاهدتها، عن تلك التي انعدمت، ولكني أشك في أنه سيكون لدي متسع من الوقت. تجري الأمور الآن بسرعة هائلة، وليس بوسعي مجاراتها.
لستُ أتوقع منك أن تفهم. أنت لم تر شيئا من هذا، وحتى لو حاولت فإنك لن تتمكن من تخيّله. هذه هي الأشياء الأخيرة. ترى منزلا في اليوم الأول، وفي اليوم التالي يضمحل.. هناك أناس شديدو الهزال إلى درجة أنهم يتطايرون في الريح. ليس مشهدا غير معهود أن تشاهد أشد الأشخاص نحولا يتجولون أزواجا وثلاث، وأحيانا عائلات بأكملها موثقة معا بحبال لموازنة بعضهم بعضا بمواجهة العصفات، ص 7 و9 . كان الجوع ماحقا حدّ أن بعض الأناس شديدي النحول يضعون كتل تقوية من الصحف لـ ملء أنفسهم. ولدرء فعل الجوع المميت يأكل بعض الاشخاص الجرذان راجع الوصف المقزز والمغثي لطريقة شي والتهام فرديناند زوج إيزابلا التي آوت آنا بلوم في شقتها، ص 64 . القتل والسلب والسرقة ليست مخاطر قد تحصل بل هي مكونات من صلب الواقع اليومي . كان الأمن استثناء. ووسط هذا الواقع المرير والمدمّر، صار تمنّي الموت، والعمل على وقوعه، هدف قسم كبير من سكان هذه البلاد. هناك مثلا عيادات القتل الرحيم حيث العروض المغرية للموت طبّيا مع الترفيه حسب القدرة المالية للشخص .. وهناك نوادي الإغتيال التي ينظم إليها الفرد مقابل رسم معين ويحدد قاتل لمهمة قتله من دون أن يعرفه أو يعلم موعد وطريقة التنفيذ. وهناك العدّاءون الذين يقتلون أنفسهم بالركض .. والقافزون الذين يلقون بأنفسهم من أعلى البنايات .. وهكذا. وأغلب الجثث في الشوارع عارية لأنها تُجرد فورا من ملابسها وأحذيتها وأسنانها الذهبية والفضية وغيرها. ووظيفة الحكومة الرئيسية هي إرسال شاحنات لالتقاط الجثث فقط لقد أصبحنا كلنا وحوشا .. الحياة كما نعهدها انتهت ، ولا أحد قادر على الرغم من ذلك على إدراك ما حلّ محلها .. ومن أجل أن تعيش .. يجب أن تجعل نفسك تموت. ولهذا استسلم كثيرون، لأنهم مهما ناضلوا بشدّة فإنهم يعرفون أنّ الخسارة أمر محتوم. وانطلاقا من هذه النقطة تصبح المقاومة بالتأكيد أمرا لا فائدة منه على الإطلاق، ص 27 . وأهم سؤال سيثور في وجوهنا كمتلقين في مثل هذا الواقع هو ماذا سيحدث حين لا يبقى أي شيء. وإذا كنا سنستمر على قيد الحياة إذ ذاك ، أو لا ، ص 37 .
من النتائج التي تترتب على هذا السؤال الصادم هو تجاور اليأس الخالص مع اختراع مذهل إلى أقصى الحدود، كتصاعد قيمة الغائط البشري حيث خُصصت دوريات ليلية لجمعه ليصبح مادة أولية عزيزة لإنتاج الطاقة وبالمناسبة فإن أكثر من احتفى بالغائط البشري واستكشف أعماقه الفلسفية هو كاهن التفكيك الأكبر جاك دريدا كما سنرى في مقالة مقبلة . وليس من حق أي شخص دفْن جثة أي ميت مهما كان قريبا منه لأن الجثث تُستخدم أيضا لتوليد الطاقة
وإلى تلك البلاد التي لم يعطها الروائي اسما كما قلنا لتعميم حالة الخراب الشامل، وحيث يتسيّد شبح الموت على كل زاوية من زواياها، ترحل آنا بلوم المدللة والمرفهة والنزقة، للبحث عن شقيقها الصحفي ويليام الذي أرسلته إدارة الصحيفة التي يعمل فيها لوصف الحياة في بلاد الأشياء الأخيرة هذه، ولم يعد منذ تسعة شهور. ولم تعد هي الأخرى حيث سُدّت عليها كل منافذ الرجوع هناك الداخل مفقود والخارج مولود .
لم يفلح رئيس التحرير بوغات في ثنيها عن عزمها، ولم تردعها توسّلات أمّها ودموعها. وصلت هذا العالم المفزع وهي لا تحمل سوى صورة لصحفي ثان اسمه صموئيل فار أو سام أرسل وراء ويليام وانقطعت أخباره أيضا. هكذا تنبري هذه الفتاة الحالمة لمهمة البحث في عالم يذيقها الأمرين .. العذاب والقلق المشتعل ومحاولات الإغتصاب والقتل والإجهاض والجراح والجوع والبرد الثلجي المميت. وحتى الصفحة 109 من الرواية ننفعل ونتفاعل بمعاناة البطلة لأنها بلا تخصيص عرقي . هي حالة إنسانية إبداعية بالرغم من أن حكايتها ليست من أولويات انشغالات المتلقي العربي بل الإنسان المقهور عموما في العالم الثالث حتى لو جاءت تحت شعر الواقعية القذرة كما تُصنف أعمال أوستر وغيره من الكتاب الأمريكان. ولكن يأتي فعل الإيديولوجيا المبيّت من قبل بول أوستر في الصفحة 109 حيث تقتحم آنا المرعوبة والمطاردة من قبل الشرطة بعد هروبها من تجمع للشغب متعلق بندرة الطعام باب عمارة حجرية ضخمة، دافعة رجلا حاول منعها مسقطة إياه على الأرض ومتخلصة منه في ممرات العمارة التي ظهر أنها المكتبة الوطنية التي كانت تتآكل أيضا حيث الأعمدة المتصدّعة والساقطة والكتب والأوراق المنثورة في كل مكان بلا اهتمام. ولندعها تنقل لنا المفاجأة التي أعدّها لنا بول اوستر
.. كان الباب الثالث مفتوحا. في الداخل كان خمسة أو ستة رجال قاعدين حول طاولة خشبية، يتحدثون عن أمر طارىء، أصوات مفعمة بالحيوية. كانت الغرفة عارية وخالية من النوافذ، وذات طلاء مصفر متقشر على الجدران، ومياه تقطر من السقف. كان كل الرجال ملثمين ومرتدين ثيابا سوداء ومعتمرين قبّعات. وروّعني بشدة اكتشاف وجودهم هناك ، فلهثت لهاثا خفيفا وجعلت أغلق الباب. غير أن أكبرهم سنّا استدار من على الطاولة مبتسما لي بروعة، ابتسامة مليئة بالحنان واللطافة فتردّدت.
سألني هل من خدمة نستطيع أن نقدمها لك،
كان هناك لكنة ثقيلة في صوته وكانت قد ضاعت منه جميع الثاءات وكان يلفظ حرف الواو بشكل طبعا هذه من سمات اللغة اليهودية، الناقد ، ولكني لم أستطع أن أحدّد إلى أي بلد ينتمي. وعندها نظرتُ في عينيه فاعترتني دفقة من التقدير. وهمستُ
ظننتُ أن جميع اليهود قد ماتوا
قال وهو يبتسم لي ثانية
هناك قلّة منّا ذهبت. وليس من السهل التخلّص منّا، هل تدرين،
قلتُ من غير تفكير
أنا يهودية أيضا وأُدعى آنا بلوم، ولقد قدمتُ إلى هنا من مكان قصيّ. لقد مضى على وجودي في المدينة سنة إلى الآن. إنّي أبحث عن شقيقي ، أخشى أنكم لا تعرفونه. إنّه يُدعى ويليام . ويليام بلوم .
أجابني هازّا رأسه باسف قئلا لا يا عزيزتي، أنا لم ألتقِ شقيقك أبدا. وتطلّع إلى رفاقه حول الطاولة ، وسألهم السؤال عينه.
.. وبعد نقاش موجز حول الإيمان بالله وكونه موجودا يستمع لأحاديث البشر المعذبين أم لا وأولوية حاجات المعدة البقاء على الصلوات، تعبّر آنا عن أحاسيسها المنعشة الجديدة التي انبثقت في أعماقها بفعل التواصل مع هذا الحاخام. ثم الموقف الإنقاذي العظيم الذي ستجده على أيدي حاخام آخر بعد أن فقدت كلّ أمل
غريبٌ ما حلّ بي في حضور هذا الرجل، ولكن كلّما كنّا نوغل في الحديث كان ما أقوله يشبه أكثر كلام طفل. ربّما ذكّرني بالمفهوم الماضي للأمور الذي وعيته وأنا شابة ، في الماضي في العصور المظلمة حين كنتُ لاأزال أؤمن بما كان يقوله الآباء والمعلمون . ليس بمقدوري تأكيد هذا، ولكني شعرت في الواقع أني واقفة على أرض صلبة معه، وعرفتُ أنني باستطاعتي الوثوق به. وبدون وعي تقريبا ، وجدت نفسي أدسّ يدي داخل معطفي لأنشل صورة صموئيل فار. قلتُ إني أبحث أيضا عن هذا الرجل. إنه يُدعى صموئيل فار، ويخالجني شعور أكيد بأنه يعرف ما الذي حلّ بشقيقي .ناولت الحاخام الصورة ، ولكنه بعد أن تفرّس فيها عدة دقائق، هزّ رأسه سلبا .. وما إن بدأت أشعر بالخيبة حتى تكلّم رجل آخر عند نهاية الطاولة. ص 109، 110 .
قد يبدو هذا المشهد بريئا وتلقائيا جاء منسابا ضمن سلسلة أحداث الرواية. فدعونا نفكّكه لكن ليس على الطريقة الحداثية الدريدية التي ستضيّع المعنى من خلال مبادىء لا نهائية الدلالة و مراوغة المدلول للدال وغيرها من الأطروحات الهدّامة. وسأبدأ بالتساؤل عن رأيي أنا في أن هذا المشهد ذا دوافع إيديولوجية مبيّتة ولم تفرضه الضرورات الفنية السردية، فأقول لو استمرت وقائع الرواية من دون أن نعرف أن آنا بلوم يهودية، هل سيحصل أي خلل في سياقها، الجواب كلا.
هل كان سياق حوادث الرواية في بلاد الأشياء الأخيرة تفرض كشف أو تحديد هوية عرقية لبطلها، الجواب كلا .
ولو أن البطلة كانت مسيحية وليست يهودية، أو حتى بلا ديانة، وهو ما كان المتلقي مقتنعا به طوال 109 صفحات كاملة، هل سيحدث تغيير جذري، الجواب كلا.
البطلة الهاربة
ولو أن البطلة الهاربة المرعوبة آنا بلوم دخلت بناية المكتبة الوطنية ووجدت نفس المجموعة ولكنها ليست يهودية حاخامية وناقشتها بنفس الطريقة، فهل سيقل حماس القارىء الغربي خصوصا لمحنتها، الجواب كلا.
وهناك تساؤلات فنية كثيرة كلها تناقض إقحام هذا المشهد بصيغته اليهودية بهذه الصورة سأقفز عليها وأسأل سؤالا ختاميا وهو لو أننا ألغينا هذا المشهد بأكمله من الرواية وجعلنا آنا بلوم تعثر على من يدلها على صموئيل فار بطريقة أخرى، فهل سينهار بناء الرواية، الجواب كلا.
ولكن قد يعترض قارىء ما بالقول لكنك تدعو إلى بديل قد يقترب من المصادفة فأقول له إن الرواية أصلا قائمة بأكملها على المصادفات وأوستر نفسه أشار في حديث صحفي إلى أن جزءا كبيرا من عمله الروائي يقوم على التصادف أو التواقت coincidence والتي يقترب بعضها من مصادفات الأفلام الهندية مثل حادثة إنقاذ آنا المشردة لإيزابيلا التي تكافئها بأن تدعوها للسكن معها في شقتها مع زوجها الرسام المدمن فرديناند الذي سيحاول اغتصاب آنا فتخنقه .. وحادثة العثور على آنا من قبل فريق مشفى ووبرن الجوال بعد أن قذفت بنفسها عبر زجاج نافذة عمارة من عدة طبقات حين استدرجها دوجاردان لشراء فردة الحذاء الثانية , وبعد أن رأت مصادفة جثثا بشرية معلقة يقوم هو وشريكه بذبحها.. وحادثة وضع آنا التي اشتغلت الآن في مشفى ووبرن كممرضة رأسها المرهق بعد شجار مع إحدى المريضات لترفعه وتفتح عينيها لتجد صموئيل فار الذي تزوجته وحملت منه ثم افترقت عنه بعملية الإستدراج واحتراق المكتبة واعتقادها بموته .. فتحت عينيها فوجدته أمامها على الكرسي الذي يجلس عليه مرضى العيادة الخارجية وغيرها الكثير من المصادفات المبررة ما دمنا في ساحة فن روائي يُكتب وفق محددات ثقافة المجتمع الأمريكي وضمن سياق معرفي يجعل النص صالحا للإخراج الهوليودي. وهذا ليس عيبا في مجتمع تختلف ثقافته عن ثقافة مجتمعنا. وسيعترض قارىء آخر بالقول إن المؤلف بول أوستر يهودي ومن حقه أن يوظّف مرجعياته الثقافية بالصورة التي يراها مناسبة. فأقول أحسنت أيها القارىء اللبيب، وهذا ما أريده بالضبط. فهذا النص مسخّر وفق ثقافة الكاتب اليهودية لتحقيق هدف مسبق يوضع الفن السردي في خدمته وهذا هو معنى الهدف الإيديولوجي المبيّت. فالمقصود هو أن تترسخ في أذهان الناس ولا تموت أبدا حكاية اليهودي التائه المعذّب والضائع الذي يعاني الأهوال والكره والمعاداة حتى في بلاد الأشياء الأخيرة، ولكنه المنقذ المقاوم العصي على الفناء كما أشارت آنا في الحوار السابق مع الحاخام حين قالت له إنها تصوّرت أن جميع اليهود قد ماتوا وجوابه لها بأن من الصعب التخلّص منّا. وكذلك ما قاله لها في آخر لقاء بينهما كل واحد من جماعتنا يؤمن أنه ينتمي إلى آخر جيل من هذه الجماعة. إنّا دائما عند النهاية، نقف على الدوام عند شفا اللحظة الأخيرة ، فما الذي يدعونا إذاً إلى توقّع أن تكون الأمور مختلفة الآن، ص 130 . وعندما تعود آنا بلوم لمقابلة الحاخام الرحيم الودود لا تجده ويسخر منها هنري دوجاردان عالم الإثنوغرافيا المتبجح الذي احتل الغرفة بالقول إن الحاخامات ذهبوا إلى الأرض الموعودة بدون أدنى شك، ص 131 والمقصود بها طبعا أرض فلسطين السليبة.
إن المواطن المدلل عالميا والذي شرّعت الولايات المتحدة والعالم الغربي بأكمله قوانين غريبة لحمايته هي ضد الديمقراطية وضد حرية الرأي التي ينادون بها زورا وكذبا. المواطن اليهودي هو الآن فوق القانون من ناحية، وهو أشرس وأحقر وأكثر عدوانية من أي مواطن في العالم من خلال دولته عاهرة الشرق الأوسط المدللة إسرائيل .
لقد سجن المؤرخ البريطاني الشهير ديفيد إرفنج الذي أرخ للحرب العالمية الثانية عندما شكك في العدد الحقيقي لليهود الذين قتلتهم ألمانيا النازية. نسي الغرب حرية التعبير وطاردوه وانتقدوه وأخيرا سجنوه في النمسا ثلاثة أشهر بانتظار محاكمته على خطاب ألقاه قبل خمس عشرة سنة لاحظ قبل خمس عشرة سنة اعتبرته دول الاتحاد الأوروبي تحريضا ضد اليهود . إرفنج كان يتوقع أن تقف وسائل الإعلام الحرة بجانبه ولكنها لم تكن عند حسن ظنه . فقد هللت لسجنه ولم تتفوه بكلمة واحدة عن حرية التعبير التي تزعم أنها جزء من الحداثة الأوروبية.
كل العالم بات يدرك هذا الوضع الإستثنائي المستقر والمرفه والمستبد لليهودي الذي يخالف صورته كإنسان تائه ضائع محاصر ومعذّب. وواجب الروائيين في الغرب هو تعزيز الصورة السابقة وترسيخها والحفاظ على ديمومتها صورة اليهودي التائه لكي يستمر تعاطف المواطن الغربي جمهورا وساسة مع الكيان الصهيوني اللقيط والمعتدي صاحب النابالم وصواريخ اليورانيوم المنضّب وخرق سيادات الدول والإعتداءات الإرهابية وقتل الأطفال 800 طفل في مجزرة مدرسة بحر البقر المصرية وهو نفس العدد من الأطفال الذي أحرقه حلفاؤهم الأمريكان الخنازير في ملجأ العامرية . الآن اليهودي مدلل ومرفّه وفوق القانون ويضرب بيد من فولاذ ويورانيوم وليس تائها ولا ضائعا. ومن الطبيعي أن يكون واجب الروائيين في الغرب من اليهود مثل بول أوستر .. أو من المتعاطفين معهم مثل دان براون برواياته التوراتية والماسونية الشهيرة هو أعادة الصورة القديمة إلى الأذهان والعمل على ديمومتها. إنهم روائيون مباشرون، وسياسيون وآيديولوجيون مستترون. وإليكم صورة هدية الصورة رقم 2 لوقفة أخوية حميمة بين بول أوستر وإسحق رابين المجرم الصهيوني المطلوب لعشرات جرائم الإبادة والحرق والقتل على الهوية والإعتداءات الدولية وسحق حقوق الإنسان وجرائم الإرهاب الدولي .. وبينهما الروائي سلمان رشدي صاحب أكثر الروايات ركاكة من الناحية الفنية آيات شيطانية لم يُقدر لها الإنتشار في الغرب إلا لأنها تشتم الإسلام والرسول محمد فهي مفككة وملفقة فنّيا كما سنرى في مقالة مقبلة.
ولا ينسى بول أوستر الشق الثاني من عمله الإيديولوجي وهو مسخ صورة الشرقيين حيث تقول آنا بلوم وهي تصف وجه المتعهّد بوريس ستيبانوفتش الجلدي بأنه يذكّرها بوجه قائد هندي أو بحاكم شرقي، ص 166 ونحن الشرقيين والهنود الحمر متساوون في القهر والصلاحية في ضرب الأمثلة السيئة. ولنخفّف الأمر من الناحية الفنية ونقول أيضا إذا كانت ثقافة المؤلف اليهودي قد انسربت بين ثنايا نصّه من دون أن يدري ، فلماذا يوبخنا البنيويون والتفكيكيون الغربيون حين لا نؤمن بـ موت المؤلف وفصل النص عن منشئه وعن أي مرجعية غير ورقة النص إذا جاز التعبير،،
والرواية مكتوبة كما قلت سابقا وفق المحددات المعرفية الأمريكية التي تجعلها سيناريو جاهز لفيلم هوليودي تحديدا. ففيها الفنطازيا الصادمة ، والرعب والخوف الذي يحبس الأنفاس، والعنف الساحق بكل أشكاله، والجنس من اغتصاب وسحاق وعلاقات ملتهبة ، ومجازر لذبح البشر ، ومعارك شوارع ، وحمل جثث ورميها من فوق العمارات مع الخوف من الإنكشاف، وحرائق، وغيرها مما يتطلبه الفيلم الهوليودي الناجح الذي يلائم المزاج الأمريكي.
هامش
في بلاد الأشياء الأخيرة، بول أوستر، رواية، ترجمة شارل شهوان، دار الآداب، بيروت،
الطبعة الأولى ــ 1993
AZP09