بواعث سياسية تمزّق الوطن
العراق منذ عصر التاريخ بلد متنوع الاعراق والاديان والمذاهب ولم يكن اختزاله من خلال عرق او دين او مذهب بعينه ممكناً وكان مثالاً للتعايش والتنوع السكاني في المنطقة .
العراق عبر تاريخه وحضاراته علم الاخرين اصول الاختلاف والاجتهاد الفكري ووضع لهم دروس في اخلاقيات ذلك الاختلاف , فمن الغرابة ان يظهر اليوم وكأنه عاجز عن استيعاب النهج التأمري الذي يتبعه البعض في بث الفرقة والدسائس , فالأكثرية من الشعب تجهل حقائق حيوية عن مصير الوطن ووحدته ترابه وكيانه وعن مؤامرة تقسيمه وتشطيره الى اجزاء , ومتى حيكت هذه المؤامرة ومن يقف ورائها ومن القوى الدولية المشاركة فيها ؟
لقد جاءت المؤامرة على مصير وكيان العراق لتحقيق اطماع الاشرار والمفسدين في الارض والبشرية تحقيقا لمرامي مخطط الشرق الاوسط الجديد والذي يعبر عن اطماع الدول (بريطانيا – امريكا الصهيونية – وايران) فلقد لملمت هذه الدول العناصر من المعارضين المقيمين فيها والذين حضروا مؤتمر لندن في اواخر تسعينيات القرن العشرين ومؤتمر فينا قبل نيسان 2003 لتضع اللمسات الاولى للمخطط الرامي الى تقسيم العراق وتجزئته الى (القسم الكردي – القسم العربي القسم الشيعي – القسم السني) ويالها من تجزئة مخزية تلحق ضرراً بالعراق كياناَ وشعباً وهي وصمت عار على المؤتمنين عليها لأنها تعني التخلي عن تراث العراق وحضارته الجامعة وتعايش جميع اطيافه .
واذ يمر العراق اليوم في ظروف صعبة معقدة وخطيرة رافقتها احداث الموصل وصلاح الدين وتداعياتها, يظهر مشروع التقسيم (سيء الصيت) من جديد ليعطي الاشارة التي تعني ان القائمين على انجازه قد استكملوا وانضجوا كل المقومات لتحقيقه على ارض الواقع بعد ان استعانوا بالقوى الامريكية لتحقيق مأربهم وهذا ما يفسر قدوم عدد منهم مع دبابات الغزاة واعتمادهم من قبل الحاكم الأمريكي بريمر والذي نفذ اولى رغباتهم في (حل الجيش الوطني العراقي) وسيدت المليشيات فساد العزل والاقصاء وعم الفساد مالياً وادارياً وتصاعدت حالات التناحر والتباغض بين الاجناس والمذاهب والعقائد, كل هذه السيئات كان وراءها المحتل وسوء الادارة التي نصبها في العملية السياسية التي اطلقها في العراق , وعدم المبالاة الى حد فاق كل الحدود الاخلاقية والانسانية واسناد مناصب الى افراد غير اكفاء ثبت عجزهم وفشلهم وقد خلقوا في العشرة سنوات حالة بؤس وشقاء فالفساد الهائل والفشل الذريع في اداء السلطة الحاكمة هو الذي يرشح ويدفع الى حالات الانقسام والتمرد مع طمع الغزاة والارهابيين (العوامل السياسية هي التي تدفع البعض للخروج من الحدود الشرعية واهدار القانون, فهي تبدأ من التعصب ألحزبي او الاضطهاد العنصري او الطائفي حتى تصل الى حدود الاستعلاء على القانون والرغبة في ممارسة سلطة لا حدود لها, ما يؤدي الى الاستبداد والطغيان والغرور بالسلطة الذي يجعل بعض الحكام اعتبار السلطة حقاً ذاتياً له لا يجوز لأحد ان يحاسبه على ممارستها, وان الغرض من هذه الممارسات هو تعطيل الدستور وارهاب الناس وفرض نظام دكتاتوري فردي اما في الحالات الاخرى حيث لا توجد اعتبارات سياسية فأن إيقاف الخروج عن الشرعية يتولاه القضاء باعتباره السلطة التي تحرس القانون وتلزم الناس بحدود الشريعة ومبادئها, واني ارى هذا العامل الاخير وجود البواعث السياسية او تولي القضاء حلها من اخطر البواعث التي تمزق الوطن وتفكك الامة, كما يحدث الان في العراق بعد الاحتلال الانكلو- امريكي عام 2003) (1) .
فالخلافات ما بين الكتل يجب ان تتوقف ويجب البدء في المصالحة الوطنية بين الشرائح الوطنية فالواجب الوطني يحتم على الجميع ان يكونوا مع العراق لان وحدته امانة تاريخية, ولكي يبقى العراق قوياً عزيزاً موحداً, ولان الوحدة الوطنية في خطر والعراق ووحدته الجغرافية وسيادته واستقلاله في خطر اكبر يتطلب تكاتف الجميع ولاسيما من منهم في سدة المسؤولية في الحكومة والبرلمان, ويجب وضع هدف رئيسي الا وهو المسامحة قبل المصالحة, لان التسامح افضل ما نستطيع عمله من اجل الوصول الى الاحترام المتبادل, ان التسامح والاحترام المتبادل مهمان عندما تجبر الدولة الناس على احترام حقوق كل اعضائها لان الدولة تستخدم نظماً لتخويف الناس من اجل تطبيق هذه القاعدة, الا ان نظم الدولة قد تجعل كلاً من الحقوق الاساسية للمواطنين في خطر, ولكن التزام الافراد بالتسامح والاحترام المتبادل التلقائي يجنب الاخرين هذا الخطر (2) .
(1) القانون ابن الحياة / المحامي الدكتور عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ص 185 .
دروس في القانون العام د . يحيى ص 174 .
(2) التفكير السياسي والنظرية السياسية في المجتمع م . ديلو , ترجمة د . فريال حسن خليفه, ص97
خالد محسن الروضان – بغداد