بناتُ كركوك – ليث الصندوق
كنتُ صغيراً
عندما ألقتْ بي اللقالقُ المهاجرة
على سطح تكيةٍ كركوكية
كانت السماءُ هناك أخفضَ
والأشجارُ تلبسُ معاطفَ بصفين من الأزرار
بينما الزهّادُ يخرجون صفوفاً من تكيتهم
ليملأوا مزاودهم بأدعية غنية بالبروتين
فإذا ما شبعوا
تساقطت جلودُهم
ونمتْ بدلَها أصدافٌ ذهبية
**
في طريقي إلى مدرسةِ السلام الإبتدائية
كانت تُرافقني الحشائشُ
هي مثلي تحمل دفاتر الأشواك والندى
لكنها أكثرُ مني عناداً
فقد كانتْ مستعدّةً للاصفر أوالتيبّسِ
كلما قلتُ لها : أنا أطولُ منكِ
**
يومئذ كركوك كانت لم تزل طفلة
ربما بعمري
أو تصغرني بإضمامة ورد
وكلّ اترابها كانوا بيوضاً في طور التفقيس
حتى جسرها القديم كان يلثغُ ويُتأتيء
عندما يقول : بابا
تُمطرُ السماءُ نفطاً
وعندما يقول : ماما
تُخرجُ ( الخاصّة ) لسانَها لتلميع الأحجار
بينما كانت الزرازيرُ على الضفتين
تتخاصمُ على كراسي الصفّ الأمامي
**
من نافذة المدرسة المطلة على بساتين كاورباغي
رأيتُ على شجرة زيتون
حبةَ زيتون حديثةَ الولادة
ومن بين مناغاة ملايين الحبوب
سمعتُ دبيبَ سنواتها الدبقَ
ينفذ إليّ عبرَ لؤم الزجاج الحسود
فأحببتها
لكن فشلتْ محاولاتي للتحوّل إلى حبة زيتون
فقد رفضت إدارةُ المدرسة
قبولَ الأغصان المتجهّمة
طلاباً في الصف الرابع
فاكتفيتُ بأن أتبادل معها نبضاتِ القلب
**
هكذا هنّ بناتُ كركوك
سيمفونياتٌ من الأغاني الصالحةِ للشرب
إنتزعَها من ( القورية ) موسيقارٌ حاذق
وأطلقها حقولاً من زهور عبّاد الشمس
فصارتِ الألوانُ
تشتقّ مفرداتها من خارج القاموس
وصارتِ ( القلعة )
معارضَ للأزياء الوطنية
ألخاصة : أو ( خاصة صو ) ، نهر موسمي من روافد نهر دجلة ، يمرّ بمدينة كركوك ويشطرها إلى شطرين .
كاورباغي والقورية والقلعة : من أحياء كركوك القديمة