بقال برتبة دكتور

بقال برتبة دكتور

 من المفرح ، بل والمستغرب جداً إلى حد التساؤل ، والفضول .

أن لو دخلت دكاناً ، عفواً أقصد صيدلية أن تجد الصيدلي هو ذاته من يناولك محتويات الوصفة .

اليوم قد تجد خريج علم نفس ، أو تربية رياضية لم يحظ بعمل ، أو ربما طالب أدارة و أقتصاد نشط أستبق دوره نحو بطالة مرتقبة، وغداً مهندس كهرباء أو ميكانيك أو مصلح غسالات أو معلم أو عسكري، وآخر المطاف متقاعد ملول ، دائم التذمر .

من شدة ما يعارك ذباب وجهه ، حوّل المكان إلى مقهى يرتاده من على شاكلته .

حتى أصبحت كل الأفق مشرعة الاذرع للجميع أن يسترزق بعد أن تنازل الصيدلي عن اسمه و شهادته العلمية .

حين أقدم على بيع أمتياز شهادة الصيدلة للاجدر بالنسبة لمتغيرات مجتمع غريب عجيب .

الأكثر غرابة أن سكان المحلة على كامل المعرفة بهؤلاء المتناوبين على محل بقالة الأدوية ، رغم هذا ينادونهم بـــدكتور .

حقيقة لا أجد ما يحضرني من تسميات لمثل هذا السلوك المستفز ، أهو تملق عن جهل ، أم ثقافة العميان التي أودت بـالقطيع إلى التهلكة لكثرة ما تغاضوا عن معنى وخطورة ما يسمى حبة الدواء، أم أنها من مكملات التحذلق الأبله والفهلوه الغبية ، تيمناً بمقولة أشقائنا المصريين (الرزق يحب الخفية) رغم أن حتى الصيدلي لا يمنح هذا اللقب إلا أذا كان اكاديميا من حملة شهادة الدكتوراه .

الأسباب كثيرة في الاستخفاف بهذه المهنة والكل يدركها ، أولهم الصيدلي بعينه فهو من تبرع بسنوات جهده  بكل سهولة لمن يتجانس معه على تحديد الراتب وساعات الوجود  بأقل تكلفة ، وآخر ما يكترث له أن ينتدب صيدلياً بـأجر أعلى ، لكنه بخبرة لا تقارن بغيره .. عجب العجاب أن يتقمّـص دور الطبيب .

شاءت الأقدار ، فأصبحنا نحن معشر الأطباء لا نتفاجأ من الصيدلي أو من يحل محله في أدارة مشروع الملاحم التجريبية بأرواح البشر بأرسال أوراق طلب تحاليل ، و فحوصات مخبرية ، و غير ذلك من أشكال الأدوية المتناولة باليد و بدون فحص طبيب ، و تغير في التشخيص وصل الحد إلى الإعتراض والتشكيك بما نكتب من علاج ، و طريقة ما نشخص من مرض ،  ناهيك عن خدمات أخرى مقدمة لا تمت إلى مهنة الصيدلة بصلة ، زيادة الخير خيرين” ، كزرق الإبر وقياس الضغط ، و لا بأس بتركيب المغذي الوريدي ، واذا لزم الأمر فحص ومعاينة البلعوم والبطن و … و …. و … لا نستغرب يوما ما أن توفرت مستلزمات طبية أخرى كالسونار وأجهزة فحص القلب و ما شابه . كمن كذب على نفسه ، و صدق كذبته .

شكرا لأمة تفتخر أن ترسّخ و تعزّز شعار الرجل غير المناسب في المكان غيرالمناسب ، و أخص بشكري البالغ القصد لتلك التي ضحكت من جهلها الأمم .

أقول قولي هذا ، ولا أنسى أن أستثني كل من يحترم آدميته ، وحرمة مهنته بأي شكل كانت ، و مهما بلغت من البساطة و التواضع .

شروق المرسومي

مشاركة