
بقاء – هدى جاسم
في لحظة خاطفة اكتشفت ان العالم حولها لم يكن حلما بائسا تتخطاه بمجرد انها ستصحو من نوم عميق ، قالت في نفسها من هم هؤلاء الذين يسمحون لانفسهم تخطي ماتريد ويعبثون بخصوصيتها كيفما شاؤوا وكيفما ارادت طموحاتهم ؟، كيف تسنى لهم دخول حياتها بدون استئذان ؟ من فتح لهم الابواب بترحاب ؟.
فوجئت ان سنين عمرها تتسرب من بين احلامها ولا تتوقف عند حدود التعب واليقين ان مابقي منها ليس بمقدار مارحل عنها ،فوجئت ان سنواتها كانت لكل من حولها الا هي تركنها على رف عتيق لتعلوه الاتربة ولا يقترب منها احد لينفض الغبار ويعيد لها ماتركته من اجلهم ، نظرت في المراة طويلا لتجد تجاعيد الحزن والفراق والرحيل الى عالم اخر ، وجدت امرأة بلا ملامح وعيون تدمع من شدة الارهاق وجدائل بيض تغفوا على حنين طفولة لايأتي ابدا .
اللحظات الجميلة مرت بين سنواتها العجاف كزهور ذابلة لا تمنح العطر ، الضحكات كانت تتخطى بها دمع ينهمر من قلبها الذي لم يعد ينبض كما كان في السابق وان اصابعها لم تعد تستطع التلويح من بعيد لسفن مغادرة او قادمة بخبر جديد .
الاصوات حولها تختلط بين الماضي والحاضر وهلوسة الحلم تجتر الكوابيس عنوة لتصفع صباحاتها بلا مبرر او خوف من ان تلك المرأة لم تعد قادرة على المواجهة وصناعة الفرح لكل من حولها .
فجأة وبلا سابق عهد منها قررت ان تمنح لكل احلامها المخيفة اجازة قسرية لما تبقى لها من سنوات ، وتضع المعول على رف الذكريات الحزينة لتضربها في الوقت المناسب وتمنح كل الاقدار كل الوقت لتضع اوزارها في المكان المناسب بعيدا عن قلبها الموجوع اصلا ، قررت ان تقاتل من اجل نفسها وتلبس احلى الثياب وتسدل جدائلها بيض كانت ام سود على كتف ارهقه الزمن لتقول للعالم ها انا من جديد . قررت ان تقول «لا « لاول مرة بعد ان اكلتها مقولة ال»نعم « بدون مبرر او بمبرر غير مقبول ، قالت في نفسها لماذا لا اكون كما اريد ؟ امرأة تمسك باصابعها الحلم وتمضي لضحكاتها بلا خوف وتلبس ثياب الفرح وسط اكوام الحزن ، امرأة تقطف ثمار الخير وسط شر يتربص بكل الاشياء ، لماذا لاتكون امرأة تركض نحو سهول بعيدة وجبال شامخة تضع اول خرائط منزلها الدافئ هناك حيث لا احد يخبرها انها ستفقد بعض تأريخا فجأة وبدون سابق انذار .
وضعت كل احلامها وقراراتها في كف ومن احبتهم ضمن تأريخها ووجودها في كف اخرى لتجد فجأة ايضا انها تميل اليهم بكل احزانهم وكبواتهم وخوفهم من ان تكون بعيدة عنهم، هنا قررت ان تمضي ماتبقى لها معهم ايضا وان كانت ستقف امام نفس المراة وهي طفلة بشعر ابيض ووجه مجعد بالحزن واصابع لاتقوى على التلويح للسفن القادمة والراحلة هي امرأة مصنوعة منهم واليهم ستعود وتبقى.















