بعيداً عن السياسة.. قريباً من العالم الإفتراضي – علي إبراهيم

قراءة في رواية بتول

بعيداً عن السياسة.. قريباً من العالم الإفتراضي – علي إبراهيم

في الازمات السّياسيّةنجد مَن يهرع بقلمه ليدوّن الأحداث فيجعل منها وقائع، قد ترفع منجزه الادبيّ، أو تحطّ منها بحجةِ عدم ثبات ومصداقيّة الرواية بتصنيفها تأريخاً وليست في التأريخ الادبيّ.

ولكّن الروائي ّ علاء احمد أراد أنْ يخّط روايته في منحى? اجتماعيّ يتعلّق بالجانب النّفسي، والصحّي للانسان؛ لا سيّما إنّ رواية “بتول” والصادرة عن دار السراج مصر 2017/ط/1وغلاف الرواية يرمزإلى ط / 2 بواقع 218 صفحة، قد لخصّت الإشارة إلى مرض الإيدز  hivونتائجه السّلبيّة على جيل الشّباب من صورة بتول ضحيّةذلك المرض.ومِن محاسن الرّواية انهّا تتزامن مع مرض كورونا-كوفيد 19-؛والذّي حلّ على بقاع العالم، وكلا الفايروسينِ يؤثّران على جهاز المناعة. إذن هي رواية عن الوباء الذّي يحلّ على الإنسان، وقد تفتحّت نفسه على عصر المعلومات يتعرّف على ما ينفعه، ويترك ما يضّره.

ومِن إهداء المؤلّف إلى “عمر الذّي شهِد مولده مولد بتول… الدّنيا يا بُني دار شقاءفلا تبتئس” نجد شخصيّة عمرالطالب في كليّة العلوم، وعلاقته بالطالبة بتول ص 75 بترقيم   12 وهذا يعني إنّ الرواية من رقم 11-1 هي وصف لحياة بتول وأهلها عائلة كادحة يعمل ابوها في البناء، قياساً إلى عائلة عمر في تجارة قطع غيّار السيارات والفارق الإجتماعيّ واضح؛ ورغم ذلك اصّر عمر أنْ يختار بتول في حياته حتّى آخر لحظة من وفاة بتول بعد فِراق بينهما، ومعارضة ام عمر لاختياره، ووقوف الأب بجانبه يقول الرّوائيّ علاء احمد في آخر صفحة مِن الرّواية “ظلّ عمر بجوارها ينتظر إستفاقتها التّي طالت وقد دخل الفجر وما زالت على حالــــــــــها” ص 218. ويعّبر عن لحظة وفاتها “فجاءة إنهمرت السّماء بالبكاء وتغّير حال الجوّ دون مقّدمات شتّا مصحوباً بحلقات الرّعد الشّديدة”.

وهذا كُلّ ما عبّر عنه الرّوائيّ علاء مِن قصّة الحبّ بينهما، والتّي كان سببها إصابة طالبة الطّب بتول بمرض hiv، وصراعها مع المرض مع وجود امّها حين قال لها الطّبيب” الإيدز يا بتـــــول او فيروس hiv  ليس له علاج يقضي عليه ولكن هناك علاج يحافظ على حالة جهاز المناعة” /ص 124.. وامّا موقف بتول فهي تبرّئ نفسها مِن المرض “يعلم الّله كيف حالي ومَنْ انا انا لم اقترف كبيرة في حياتي ولم اتجرّا على عملٍ غير َسويّ.” ص 124. ولمّا عَلِم عمر بمرضها، فقد تقاذفته امواج الحياة بين مصدّق لها،وبين تحذير إمّه لنتائج هذا الزواج. وتحاول بتول وإمّها مغادرة البيت إلى مكان آخر بعيداً عن النّاس؛ وهي تسجّل هنا مرحلة الإنقطاع عن جذور ولادة الإنسان ومحيطه إلى مكان قصِّي تتخلّص مع إمّها من أجهزة الموبايل، إلا جهاز الحاسوب فقد إحتفظت ْ به مِن مكانها البعيد.. هذه خطوط الرّواية تقليدّية في الحدث، والوصف كأيّ بيئةٍ تضّم الأشخاص، والزمان، والمكان.

عالم افتراضي

 أمّا الجديد في الرّواية فيبدأ مِن صفحة 141بترقيم20    لغاية  30 نهاية الرّواية حيث إستفاد الرّوائيّ مِن جهاز الحاسوب ليوظّفه بالعالم الخارجيّ”الافتراضيّ” واعتبرته بتول طريقاً اوصلها إلى غايتها مع المرض الذي فتك بها. ولما كان هذا الجيل قد إستوعب عصر التكنولوجيا؛ فقد اوصل الحاسوب بتول إلى مَنْ يُنقذها مِن عذاب النّفس. “لم تجد بُدّاً إلا أنْ تتناول حاسبها الشّخصيّ لتلوذ به مِن مرقدها إلى أشخاص وعوالم أُخرى”ص 145.وقد نقف حائرين أمام هذا الجهاز، وما اصطنعه إلينا مِن علاقات وكثرة في المرئيّ وقِلّة في المكتوب “وهي تقلّب في الجهاز توصلّت إلى عنوان الإيدز ليس مرضاً” ص 143وعقدت صداقةً مع فراشة المتعايشين على موقع التواصل الإجتماعيّ، ورمزت لنفسها الباحة عن الأمــل” ص 144

ومِن خلال هذا الصّراع الإفثراضيّ يقرّر الروائي ّ” انطلاق فكرة فضفضةلمن يريد المشاركة ويحكي ما يوّد قوله” ص 149. ويرسم الرّوائيّ لعمر واقعه جاهداً البقاء في واقع الحياة الحقيقيّ، بينما تسرح بتول مع فضفضات التّواصل في الفضاء الخارجيّ.” هربواإلى ذلك الموطن الإفثراضيّ بعدما إستحال عيشهم في براح الواقع” ص 157. وميزة أخرى أراد الكاتب ان يدخلها في رواياته أنّ فضاء التواصل قد سمح للآخرين الاصحّاء أنْ يتابعوا أكروبات والبرامج للمشاركة في الرأي أكثر مِن الإهتمام لراي البيوت التّي يسكنونها. “بتول كغيرها في حالة مِن الذّهول عالم غريب ليس فقط لافتراضيته وإنّما لاشخاصه وما يحملون مِن هموم وظروف خاصّة”

ص 183.  وتقرر بتول العمل في جمعيّة امل لارشاد مرضى الإيدزص 184.  ولكي يؤكّد الرّوائي صدق الّثيمة، والتّي حاك منها رواياته يرجع إلى الواقع بلقاء بتول مع أميرة؛ التّي لعبت دوراَمهمّاَفي الفضاء الإفثراضيّ لتعرضهّا إلى اغتصاب جماعيّ في بلاد الغربة مع أهلها مِن لقاءٍ مع عربيّ اوقعها في فخّ الرّذيلة، وهي متحّررة عكس بتول المحافظة الملــــتزمة/ص 204.  ونعود إلى شخصيّة عمر الذّي يجبر على الزّواج مِن بنت خاله ص /  217وسرعان ما ينفصل مِن خلال تتبّع أميرة لعمر على مواقع التّواصل الإجتماعيّ، ومع زيادة مرض بتول يضعف جهاز المناعة لديها؛ فتكون في مستشفى للحجز الصحّي بمساعدة أميرة. ما اراده الرّوائي، وهو ينهي رواياته هو التآكيد على الحبّ عندما سمعَ عمر مِن بتول ذلك “وفي عجلةٍ تمّت مراسيم العقد وبصمـــــــت بتول منْ خلال الماذون ثمّ أشارت إلى أنْ يتدّل إليها فامسكت بكتفيهِ وأعلنت له بصوت يكاد يُسمع لاوّل مرّة أحبّك أحبّك” ص 218. اذاً هي رواية أراد كاتبها أنْ ينتصر للحّب على المرض الذّي قضى على بتول. ولغة الرّواية فهي غاية في البساطة، والمباشرة في الفصحى، وليس اللهجة المصرّية؛ ولم يعالج الرّوائيّ احمد شخصيّاته بالبلاغة والرّمز لاّنّ واقع المرض الذّي سيطر على الفضاء الإفثراضيّ قد لا يجدُ مجالا َللرمز او محاولة تحديث الرواية على ما يجري الآن. والرّواية الصّادرة عام 2017 بطابعها الصّحيّ كان الرّوائيّ قد تناولها عام 2015 في رواية hiv وكما يذكر هو؛ وهذا لا يدع مجالا للشّك إنّ الرّوائي الشّاب علاء احمد تولّد 1985 قد تفهّم حاجات المجتمع في صراعه مع الأمراض،، والمحن بتعامل مع جيله الذّي يواجه غياب مستلزمات الحياة وقد تخصص بتشخيص أمراض العصر فقرر ان يلج هذا الباب بصيغة فنيّة جميلة ومعبرة عن احساسه بآلام الشّباب في عصر يساهم فيه العلم في حلّ المشكلات التي تستجد كل يوم في حياتنا.

مشاركة