بعض الذكريات عن صديقي العزيز الإعلامي الكبير الأستاذ سعد البزاز

بعض الذكريات عن صديقي العزيز الإعلامي الكبير الأستاذ سعد البزاز

عبد الرزاق عبد الواحد

كم دارا بنى.. وكم دارا اهدى.. وكم عائلة فقيرة اغنى بما قدم لها من وسائل العيش، وكم مريضا شفى بما قدم له من مساعدة للعلاج.

مرة قلت، واعيدها مرة اخرى، لو كان لدينا ثلاثة مثل سعد البزاز لما راينا طفلا عراقيا يلتقط لقمته من القمامة!

جمعتنا الظروف عشرين عاما في وزارة الثقافة والاعلام.. انا رئيس لتحرير مجلة الاقلام ثم تدرجت الى مدير  عام.. وهو رئيس لتحرير  جريدة الجمهورية. ثم مديرا عاما للاذاعة والتلفزيون وما كنت  لاكون مديرا عاما لولا  ان السيدة الكبيرة امل الشرقي اختارتني لانوب عنها في ادارة دائرة ثقافة الاطفال اثناء غيابها عنها لتكملة دراستها العليا.

من اين ابدأ يا ابا الطيب في ذكرياتنا؟ أبدأها  من يوم نشرت في جريدة الجمهورية مقالتي الماساوية (وجع اتركه للتاريخ)؟ تلك المقالة التي احدثت هزة في الوزارة، وجرى على اثرها تساؤل كبير وتحقيقات كثيرة ؟، ام ابدأها من الحدث الاكبر  في تاريخي الشعري يوم نشرت قصيدتي (يا صبر ايوب)؟

كنت مدعوا  مع نحو عشرة اخرين. وكنا جالسين في حديقة البيت لحظة دخلت انت وكنت من جملة المدعوين. فجأة التقطت عينك الثاقبة طرف ورقة يخرج من جيبي، وادرك احساسك الاعلامي المرهف انها بداية قصيدة.

لن انسى يا سعد كيف اختطفت الورقة من جيبي واسرعت راكضا الى سيارتك..واحس بك المضيف وجرى خلفك ولكنك كنت اسرع حركة. في اليوم التالي ظهرت في جريدة الجمهورية  ابيات بخط شاعرها وتعليق عليها  يقول: انتظروا غدا معلقة هذه بدايتها!

وكان : احساسك الاعلامي الهائل يدرك يا سعد انني ساكمل القصيدة في الليلة نفسها فكانت كاملة عندك. وظهرت (يا صبر ايوب) بذلك الاخراج الرائع الذي لم تظهر به قصيدة من قبل.

قال احد النقاد العراقيين: لاول مرة اقرأ قصيدة تصعد الى مستوى الحدث.. سأكتب عنها مقالا تستحقه.. ولكن المقال لم يظهر، حين سالته قال والله  استاذ شعراء الحزب ما رضو اكتب عنك!!!

واعود اليك يا سعد..

اتذكر يوم كان لدينا اجتماع  في طابق الوزارة الارضي، وقمنا لنخرج معا.. وحين فتحت الباب حشرت نفسك معي بحيث لم استطع الخروج فقلت لك: اذا كان على العمر فأنا اسن منك.. واذا على الوظيفة فأنا مستشار بدرجة خاصة وضحكنا معاً!!

ثم كلفتني يا سعد بالنيابة عنك لتكريم الصديق يوسف العاني وهو شرف ازهو به، ويوم كرمتني بتطويق عنقي بقلادة الابداع الكبرى  لن انسى انك قدمت الى عمان لتقوم بنفسك بهذا التكريم. وحين اردت وضع القلادة حول عنقي قلت: ايها العملاق اسمح لهذه القلادة المتواضعة  ان تتشرف بتطويق عنقك.. كنت في منتهى الذكاء ومنتهى الادب يا سعد ولاسيما لانك اجريت التكريم  في بيتك بالذات!

ودعوت اليه ادباء ووزراء واصدقاء احترمهم جميعا.والقيت انا قصيدة في التكريم يشرفني ان اوثقها في هذه الذكريات:

سلام عليك ابا الطيب

سلام المحب الوفي الابي

حبيتك من يوم كن شبابا

وها نحن يا سعد في الشيب

وحاشا فما زلت في مشرقيك

واما انا فدنا مغربي

قضينا ببغداد عشرين عاما

شراعين في مركب محرب

يطوحنا الموج والعاصفات

مسيرين في هواها المرعب

نشق العباق بعري الصدور

ولم نتذمر، ولم نتعب

وملء الليالي جراحاتنا

نجوم تشعشع في الموكب

اتذكر ( يا صبر  ايوب) يا سعد؟

انت الانرت بها كوكبي

وقصتها ليس يدري سوانا

بها ليلة الحديث الاعجب

سلام عليك. ابا الطيب

سلام القريبين والغيب

تفقدت اهليك رغم البعاد

ولم تبق للعتب من معتب ِ

وكنت  لآبائهم كالشقيق

وكنت لآبائهم  كالاب

ولا بأس يا سعد.. كان العراق

منارا واصبح كالغيهب

وكان غنيا، وكان ذكيا

ومازال لولا الزمان الغبي

فطوباك طوباك فردا تحاول

ستر المئات من الغلب

وطوباك، تحم مئات العراة

تقيه من الناب والمخلب

مددت يديك لكل الصغار

وما قلت ديني، ولا مذهبي

زمان غدا فيه اطفالنا

طعام قطيع من الاذؤب

سلام عليك ابا الطيب

سلام المقيمين والغيّب

فما زلت نهرا كريم المياه

وكم من ثري بها مجذب!

كتبت الذكريات في عمان

في 29/8/2014

خلال تكريم الشاعر