بعد الستين من العمر
محاورة شفافة بين الكأس والتبغ والحكومة
نجاح سميسم
إنها الخمسون ماذا مَرَ بي
غيرَ هذا الوحلِ هذا العَفَنِ
إنها الخمسون ماذا ظلَ لي
غيرَ هذي الكأس أستهلكها
غيرَ هذا التبغ يستهلكني!!
وأنا قد علّقتُ عليها بالآتي
فهما صنوان لم يفترقا
وأنا صنوهما في المحنِ
سارت الخمسون تمشي خببا
بين حرب وحصارٍ وشقا
بين تهجيرٍ وتشريدٍ معا
بين تقتيلٍ وخوفٍ مزمنِ
جائت الستون تروي قصصاً
قصصاً عن قهرنا.. عن خوفنا
عن ذلنا.. عن ظلمنا…
وبقينا أنا والكأس معا… ولفافاتٍ
من التبغِ القديم العَفِنِ
تارةً أستهلكُ الكأس وأمضي ثملاً…
منتشياً…. منكسرا….
أنفثُ الدخان من تِبْغِي القديم العَفِنِ
وبصوتٍ خافتٍ منكسرٍ.. أُعلنها…
أن هذا الكأس… هذا التبغ.. يستهلكني
………… وعلق سعيد المظفر بهذا العمودي….
سارت الخمسون تمشي خببا
بين حربٍ وحصار الوثنِ
بين تهجير وتشريد لنا
بين تقتيلٍ وخوفٍ ممعنِ
جاءت الستون تروي قصصاً
قهرنا بل عجزنا والأحنِ
وبقينا أنا والكأس معاً
ولفافاتٍ بتبغٍ عفنِ
تارةً أستهلك الكأس الظمي
ثم أمضي ثملاً في وهنِ
تارةً أبحثُ عن ( سيجارةٍ)
من لفافات الدخان المزمنِ
وبصوتٍ خافتٍ أعلنها
إن هذا التبغ يستهلكني
{ { {
هذه المحاورة الثلاثية بين الكأس والتبغ والحكومة
سببها الآتي:-
مساء أمس حصل أتصال هاتفي بين الأكاديمي والسياسي الأستاذ الدكتور علي الرفيعي عميد كلية القانون/ جامعة بغداد السابق ورئيس التيار الأجتماعي الديمقراطي حالياً وبيني بعد فوز السيد مصطفى الكاظمي بمنصب رئاسة الوزراء وتناولنا الوضع السياسي المرتبك من عدة جوانب آخذين بنظر الأعتبار الصراعات الخارجية والداخلية( وهذا الموضوع هو الشغل الشاغل لأغلب العراقيين الذين يترقبون تشكيل الحكومة بفارغ الصبر للخلاص من حكومة عادل عبد المهدي سيئة الصيت والمنتهية صلاحيتها والمراهنة على حكومة الكاظمي علَ وعسى أن توصلهم إلى مرحلة من الأستقرار النسبي مع العلم إن الإحباط واليأس قد وصلا إلى الحد الأعلى عند أغلب العراقيين من الحكومات السابقة والحذر وعدم الثقة من الحكومة المقبلة بسبب سيطرة الأحزاب والكتل والقوى الكردية والشيعية والسنية وتحكمها بمسار القرارات الحكومية نتيجة المحاصصة والفساد وتغليب مصالحها الضيقة على مصلحة الشعب العامة…. )، وكانت وجهة نظرنا أن ينتظر المنتفضون ماسيفعله الكاظمي في الأيام المقبلة، وهل سيباشر بمحاكمة قتلة المتظاهرين، وهل سيبدأ بالخطوات العملية لمحاسبة الفاسدين ووضعهم وراء القضبان ، وهل سيعالج الأزمة الأقتصادية بعد هبوط أسعار النفط بطريقة علمية ومن خلال مختصين بهذا الجانب، وهل سيبدأ بالخطوات الأولى نحو الأنتخابات المبكرة، وهو قد أعلن بلسانه أن حكومته هي حكومة للحل وليست حكومة أزمة، وقد كان رأينا أن هذه هي المرة الأولى التي خسرت فيها الأحزاب التقليدية المتحكمة زمام المبادرة ، آملين أن تكون هذه المرحلة هي الخطوة المستقبلية لحلحلة الأوضاع مع علمنا أن المشكلة ليست في منصب رئيس الوزراء وكابينته وإنما المشكلة في بنية المنظومة السياسية برمتها….
بعدها تم الأتصال بيني وبين الأديب والسياسي المستقل المهندس سعيد المظفر رئيس التجمع الثقافي العراقي الحديث في البصرة وكان رأيه نفس رأينا،ولكن الأخ سعيد المظفر قال لي ( هو شكد بقه من عمرنا، ولشوكت بعد نعيش ونصبر على الذي سرقوا أحلى سنين العمر.. عُمُرْ وتعده للخمسين… ثم قال لا والله جزه الستين وجبناها قهر بقهر من ضيم البعث وصدام وجاك الذيب جاك الواوي وإجه التغيير وكلنه خلصنه تالي طلعوا هذوله من نفس الطينة ومن نفس العجينة والأتعس يحكمونه بأسم الدين ويسرقون بأسم الدين ومن تعترض يكفروك ويفسقوك أذا ماقتلوك وخطفوك ويكلولك كال السيد الراد علينه كالراد على الله… وهاي شلون تخلص وجيب ليل وأخذ عتابه بس إسمع هذه القطعة الشعرية قرأتها من دون أن أعرف ناظمها ودعنا نكملها )…. وإليك هذه القطعة:
إنها الخمسون ماذا مَرَ بي
غير هذا الوحل، هذا العَفَنِ
إنها الخمسون ماذا ظلَ لي
غير هذي الكأس أستهلكها
غير هذا التبغ يستهلكني!!
…….. لذلك أكملنا هذه الأبيات بالمقطوعات التي أوردتها في المقدمة أعلاه وأسميتها محاورة بين الكأس والتبغ والحكومة.
لقد أنهيتُ المقالة بهذا القدر، ولكن بعد أن قرأها الأستاذ حسين سميسم المقيم الآن في أمستردام ، حيث ترك بلده العراق مرغماً عام 1979بعد مضايقته من قبل النظام السابق وتهديده بالتصفيه بسبب آراءه وأفكاره المعارضة لتوجهات ذلك النظام الغاشم وعاش في الغربة بعيداً عن بلاد النهرين،التي تربى وترعرع ورضع حبها الذي سار مع مجرى دمه حتى توحد هو والوطن في ذلك العشق الأبدي، عاش في الغربة متنقلاً في أرض الله التي ضاقت منافذها عليه إلى أن إستقر منذ أكثر من ثلاثين عام في أمستردام… عاد إلى الوطن بعد سقوط النظام السابق راغباً في العيش بين أحضان إهله ومحبيه، ولكن الوطن إستُلِبَ من جديد من قبل المتحكمين الجدد شذاذ الآفاق،فعاد أدراجه إلى أمستردام حيث الأمن والآمان والأستقرار والسكينة.
نعم بعد أن قرأ مقالتي هذه بعث أبياتاً مجاراةً لأبياتنا السابقة أعلاه،تصــــــــــف حاله في الغربة، وحال الوطن هذه الأيام، وإليكم هذه الأبيات:
مرَتْ الخمسون تحكي غربتي
حُلُماً كان دخول الوطن ِ
بين هَمٍ وأشتياقٍ عارمٍ
وسهادٍ في فراشٍ خشنِ
ثم جئنا ورأينا مشهداً
زادَ من همي وأحيا شجني
ورأينا القردَ ينزوا عالياً
وخيار القوم بين المحنِ
وطناً يحكمه إمعةٌ
فاسد الرأي خسيس المعدنِ
………… وبهذه الأبيات أختتم هذه الحوارية بين الكأس والتبغ والحكومة وعذراً للسادة القراء على الإطالة….