بشرى سارة من منهل الهاشمي
جواد الكاتب
بلد متوسط المساحة نسبيا (644, 834كم2)… (حسب معلوماتنا السابقة) يحوي على (18) محافظة (سابقا). فيه جبال، وأديان، سهول، صحراء، أهوار، وبحيرات. موقعه حيوي ستراتيجي “ركن” الوطن العربي له تاريخ عريق يتجاوز(7000) عام، اسمه “ميزوبوتيميا” أي بلاد ما بين النهرين…… بسعر مغر جدا غير قابل للمنافسة أو المساومة “ضمير ميت”. علماً بأن سند العقار “الطابو”: “مشاع” وضريبة البيع يتحملها الطرفان البائع والمشتري: ” دماء ودموع ابنائه” فعلى صاحب الحظ السعيد من الراغبين ممن يجد لديه القدرة على الشراء يرجى مراجعة أقرب مكتب (سمسار) لمسؤول ممن يملأون البلد…. الخ..
يصف المتنبي الأدب الساخر بأنه (ضحك كالبكاء) بمعنى أنه احتجاج وثورة وتمرد على الواقع المجحف ..هو اللعب بالمفارقات والجمع بين المتناقضات وهو من الفنون الأدبية الصعبة والتي تحتاج إلى الموهبة والثقافة العالية..
عراق للبيع
(عراق للبيع): هو عنوان المقال الساخر الذي سطره الكاتب “منهل الهاشمي” أمام القرّاء ليجعله عنواناً لكتابه – عراق للبيع- ب 485 صفحة من الحجم الكبير، صادر عن مكتب سنتر العلوم للطباعة/ بغداد- 2022.
في مقدمة رائعة ص11من الكتاب نفسه، عرض كلماتها الشجية أ. د. كاظم المقدادي استهلها بعبارة “الأدب الساخر… بين مبتكر وماكر” إذ يذكر(في زمن غابت عنه قيم الابتكار وترسخت فيه سهولة التكرار، واختلطت فيه الأخبار وشيوع ثقافة المجاملة والانحدار.. نكاد لا نعثر على نص سردي أصيل.. لا في الأدب الساخر ولا في الرواية، لتمسي كتابة المقالة والمقامة ضرباً من الغواية. ومن سوء حظ الكاتب منهل الهاشمي أنه ظهر قبل عقد ونيف، وسط هذا الركام من الزيف والحيف، والتنكيت والتبكيت، في مكان أغبر وزمن أصفر.. زمن الأنترنيت الذي حولناه بقدرة قادر إلى – عنتر نت- فاختلط الحابل بالنابل وصار المثقف بأمرة الجاهل.. وأمست السرقة الأدبية حلالا والابداع احتيالا، فابتعدنا عن كتابة نص مكتنز ومؤثر ورشيق، وتحولت الأزمنة الأدبية إلى طارئ وطليق).
لدى مطالعتي الكتاب استوقفتني مواضيعاً شتى تناولها المؤلف بروحية إبداعية وبالأخص تلك القصص التي تحاكي مفهوم القصة الأدبي لكنها تتميز براياتها الكاشفة عن الغطاء، والمتحرشة بالفاسد والطاعن والمطعون، عنوان ملفت للنظر ومبكي ((عراق للبيع.. أدب ساخر)) هكذا هو العنوان، ناهيك عن صورة الغلاف المحزنة بحمل خيرات العراق وتراثه وإرثه في عربة. “عنوان الكتاب مستل من عناوين إحدى المقالات اخترته بقصدية دونا عن سواه، فالعنوان عتبة النص كونه خير مصداق لمحتوى الكتاب ومغزاه وهو القاسم المشترك لمواضيعه السياسية وعبارته الساخرة الموجعة والصادمة (عراق للبيع) تختصر كل ما حل بالبلاد والعباد من خراب ودمار عظيمين عقب الاحتلال الامريكي الغاشم. وقد وضعت وسما فرعيا للكتاب “أدب ساخر” بدل مقالات ساخرة ذلك ان بعض المواضيع كانت عبارة عن قصة أدبية ساخرة وبكل ما تحتويه من مقومات القصة من ثيمة، أحداث.. شخصيات .. حبكة.. وحوار مسرود بتسلسلها الارسطي المعروف بداية، وسط، نهاية..” منهل الهاشمي.
تعددت مواضيع الكتاب إلى 103 عنواناً تضمن القصة الساخرة والحوار والمقالة تناولها بسخرية تميل في دلالاتها إلى الكلمة المنتفضة للوضع العراقي الراهن ولكل السلوكيات المنحرفة.. رسم الهاشمي شخوصاً وأعطى علامات تهدف إلى كشف الواقع وإبراز الزيف المتغلغل فيه، مع أنه كان صريحاً وحاداً مع الفساد والاحتلال إلا أنه نجح في بث رسائله المشفرة إلى القارئ بدليل العنوان المؤثر أو في الوصايا العشرة (الكشرة) أو نيولوك، لا تفهمونا غلط، من السلطان لا تخاف، بيان رقم 1? الحسناء والجحش، ها نجاهد والله نجاهد، حقا بكى لوريا … والقائمة تطول أو بالأحرى محتوى الكتاب برمته، أبدع في إرسال خطابه الساخر لتتجلى لدينا كمتلقين طريقة فك رموزها والعمل بالتأويل والتقييم أي التصحيح بما ينبغي تصحيحه.. أثبت المؤلف الساخر في هذا الكتاب الرائع أن يدخل إلى ذائقة القارئ بشكل عجيب، لسلاسة سرده وسهولة طرحه، وهذا ناجم بالطبع عن نظرته العميقة للواقع واحساسه به وثقافته العالية وتمكنه من أدواته السردية في النقد اللاذع وإظهار العيوب، علاوة على اختصاصه السينمائي في الاخراج، فأغلب مقالاته وقصصه وحواراته هي مشروع فني وسياسي واجتماعي جاهز للتجسيد فيما لو أردنا ذلك وهو ناجح بكثير أي يتغلب على كثير من مسلسلات التقاطات عشوائية هنا وهناك تفقد حتى روحية الفن.
أنا أعتقد أن ما طرزه الهاشمي في لوحات أفكارنا من أدب ساخر وتهكم علني وخفي بشفراته هي ثورة بحد ذاتها تسعى دائماً للتغيير باستخدام السخرية كسلاح ذو حدين طالماً أدواتها الكلمة لمواجهة السلبيات المتغلغلة في المجتمع.