
هاشتاك الناس
برلماني أم رئاسي؟ – ياس خضير البياتي
منذ عام 2003، والعراقيون لا يزالون يتجادلون حول سؤال مصيري:هل نحتاج إلى نظام برلماني أم رئاسي؟ سؤال يتكرر، وكأننا نبحث عن نوع جديد من «الدايت السياسي»، نبدّل فيه شكل الحكم، على أمل أن نخسر بعض الكيلوغرامات من الفساد والمحاصصة والشللية…لكن النتيجة واحدة: نفس الوجوه، نفس الشعارات، ونفس «الكرش» السياسي!
في النظام البرلماني، يُفترض أن الشعب ينتخب نوابًا، ثم يختار هؤلاء حكومة تمثله. لكن في العراق، الحكومة تُختار غالبًا في فندق، والنائب يتذكّر أنه «ممثل الشعب» فقط أمام الكاميرات. البرلمان العراقي بات يشبه جلسة عائلية في عيد الأضحى: الجميع يريد «قطعة من اللحم»، ولا أحد يسلّم السكين.
إن جاء من حزب معيّن، قيل انقلاب. وإن جاء من طائفة، قيل تهميش. وإن حاول أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، قيل: «ما عنده جذور!»فنحصل في النهاية على رئيس بلقب طويل: «فخامة القائد الأعلى»،
لكن بصلاحيات أقصر من وقت استراحة برلمانية…بينما مكتبه الإعلامي لا ينتج إلا الخُطب والتوجيهات والتغطيات. أما الواقع، لا أحد يستمع، ولا شيء يتغيّر. وكلما تعثّر النظام، اتهمنا شكله، لا جوهره. كأننا نخسر في الشطرنج، فنبدّل الرقعة بدل أن نتعلّم قواعد اللعبة!
في العراق، جرّبنا كل وصفات الحكم: توافقية، أغلبية، وحدة وطنية…وفي كل مرة، نفس النتائج: منصب يُخترع، لجنة تُشكّل، ووزير بلا حقيبة يطمئن الناس بأن «الوضع تحت السيطرة»، بينما الواقع ينهار.
المشكلة ليست في طبيعة النظام، بل في من يديره. العراق لا يحتاج إلى تغيير «نوع النظام»، بل إلى إعادة تشغيل لوعيه السياسي. نحن لا نغيّر النظام، بل نعيد تشغيله بنفس الملفات التالفة:نفس العقليات، نفس التحالفات، ونفس الشعارات التي استُهلكت منذ أول دورة انتخابية!
العراق لا يحتاج إلى «برلماني» أو «رئاسي»، بل إلى نسخة احتياطية من نفسه الى وعيٌ جديد، لا يتعطّل مع أول خصومة، ولا يُدار بمنطق «خلّيها تمشي، بس نضمن حصتنا».
وقد يقول قائل: «لننظر إلى تجارب العالم، لعلنا نتعلّم». فحسنًا، لنتأمل: الولايات المتحدةنظام رئاسي منذ قرون، والرئيس هناك قوي، لكنّه محكوم بقانون لا يرحم – حتى لو اسمه ترامب. ينجح هذا النموذج لأن هناك شعبًا يراقب، وقضاءً مستقلًا، ومؤسسات تُحاسب.
بريطانيا، الشعب ينتخب البرلمان، والبرلمان يختار الحكومة، فإن فشلت، تستقيل. الخلافات تُحل بانتخابات، لا بمفاوضات تحت سقف فندق خمس نجوم. ينجح نظامهم لأن الديمقراطية هناك فعل، لا شعار.
لبنان، نظام برلماني بطابع طائفي: الرئيس ماروني، رئيس الحكومة سني، رئيس البرلمان شيعي.
المناصب موزعة بـ»التفاهم»، والقرارات متوقفة على الإجماع… والإجماع مستحيل. النتيجة: نظام لا يتحرك إلا ببطء، وإن تحرك، عاد إلى النقطة نفسها. مثل طبخة مجدّرة: إن زاد العدس، فسد الرز!
فنزويلانظام رئاسي نظريًا، لكنه عمليًا احتكار للسلطة. الرئيس يملك كل شيء: الحكومة، البرلمان، القضاء، وحتى الطحين! فأصبحت الديمقراطية مجرد واجهة، خلفها انهيار اقتصادي، وهروب جماعي نحو أي مكان فيه كهرباء وخبز.
إذن، السؤال الحقيقي: هل نختار الرئاسي أم البرلماني؟بل: هل لدينا بيئة سياسية ناضجة، ومؤسسات فاعلة، ومجتمع يعرف كيف يُحاسب؟فأي نظام في العالم، إن لم يحمه وعيٌ سياسي ومساءلة شعبية، سينهار، ويُعاد تدويره على الطريقة العراقية.
العراق لا يحتاج معجزة سياسية، بل نظامًا: لا يعمل بالبطارية. لا يتوقّف عند أول خصام. لا يحتاج توقيع 13 حزبًا لتغيير موظف استقبال!وإلى أن نجد هذا «النظام الأسطوري»، ستبقى الأسئلة معلّقة، مثل جلسات البرلمان، والمشاريع المتلكئة، والوعود المؤجلة… حتى إشعارٍ آخر.
yaaas@hotmail.com


















