بذور القسوة – نصوص – ياسين خيرالله الزبيدي

قصة قصيرة

بذور القسوة – نصوص – ياسين خيرالله الزبيدي

الظلمة تخلع على كل الموجودات في الخارج رداء قاتما، صفحة السماء تختفي تماما خلف سحب تنذر بمطر غزير، وبين آن وآخر يضيء المكان وميض البرق ويقلق سمعي صوت الرعد.. في تلك اللحظة تجدني اضطجع على اريكتي المتعبة، مستمتعا بالدفء تاركا مخيلتي تعوم في لجة الذكرى، استذكره واستحضر ايامه الخوالي، وفي خضم الذكرى تتقافز في ذهني اسئلة جمة…:ترى اين انت الآن؟ اين ساعدك الضخم؟ اين ولت صورة العقال المتربع بشمخ فوق كوفية تعبق برائحة الرجال؟ بعدك من يفك الخصومات؟ ومن بعدك يقدم الرغيف لجارتنا؟بعدك من يستقبل الضيوف؟ لكم حاولت ان اضطلع بمهمة كهذه الا انني كنت اشعر بانني ربوة وسط مجموعة من الجبال….. للدموع والآهات ولوعثاء الطريق تركتنا.اغمض عيني على ذلك اليوم الذي خيم فيه الحزن على روحي واحاطت بي هالة من القـــــــــــلق وانا ارى شفتيك تفتران عن تلك الجملة(اســــــــــفي على عالمكم لقد ذهب الصفاء وتســــــــــاقطت الاشياء العظيمه) .

كان ابي ساخطا على عالمنا وكنت اشعر ازاء سخطه بانه عظيم ..حد الخيال.ما ان بدأت عيناي تميز الاشياء حتى اكتشفت شيئا في ملامح ابي فلقد كانت ملامحه مزيجا من القسوة والطيبة.خيل الي بانه حمل ذات يوم فأسا وانهال على وجهه عزقا ثم راح ينثر بذور القسوة والطيبة في وجهه فجاءت ملامحه هكذا………… حدث ذات مرة ان اطبق يده الغليظة على ساعدي الغض، انتشلني من وسط دعاباتي ، سرنا في نهج تمتلئ ارضه بالصخور، تصطف على جانبيه اشجار متشابكة، اشار ابي الى الجادة الوعره قائلا:اترى ؟هذه هي الحياة.شيئا فشيئا بدأ النهج يضيق الفينا انفسنا امام مغارة وقف ابي امامها وشرع يبسمل ، ويحوقل وما هي الا لحظات حتى اطلت علينا حشود الافاعي، امسكني ابي بعنف قائـــــــــــــــلا:اياك ومشيتها.بعدها التقط قوسا وسهما، طوح بالسهم في الفضاء واردف قائـــــــلا اجعله مثلا يحتذى به.

اقفلنا راجعين وفي الطريق صادفنا جمع غفير القى ابي التحية دون ان يتوقف. ثم اردف يقول وكأنه يجيب على التساؤلات المرتسمة على وجهي:الق التحية على من تعرف ومن لا تعرف!كانت كلماته لغزا لا اعرف كنه…………ذات مساء دعانا الى مجلسه جلسنا عند راسه ننتظر مايقول، كان يرسل بين آن وآخر انة متحشرجة، تحركت يده وراحت تجوس تحت الوسادة، تتبعنا بنظراتنا اليد المتحركة كانت يده تطبق على صرتين قذف بهما الينا قائلا:هذا ميراثي.

قلب اخي الصرتين ، كانت احداهما تحوي بذورا معتمة، قاسية اما الاخرى فكانت بذورا ناعمة تتالق بالق غريب………….في تلك اللحظة ساد المكان صمت موحش كان كل شيء ينطق بالبرودة، الجسد المسجى، النظرة المسمرة بالسقف، في تلك الاثناء تمتم اخي قائلا:علينا ان نتصرف بتؤدة، ونقيم له قداسا مهيبا، شرعنا بتجهيز ابي وكاننا نعده للزفاف، بوأناه نعشا جميلا، حملناه على الاكتاف، وسرنا بخشوع ورهبة.كان الليل مهيبا، كل مافيه يعزف لحنا حزينا لهذا الراحل دون اوبة.انزلناه بهدوء، وادخلناه حفرته بحنان، كان القمر مكتملا ينظر الينا وكانه يشاركنا طقسنا، وكان نوره الفضي يزيد وجه ابي بهاءا ووقارا.

بعد ان انتهينا وجدت اخي يتجه نحوي حاملا بيده صرة سوداء وقال لي:فيما يخص الميراث فلقــــد اخترت الصرة المحتوية بذورا معتمة، عندها التقط معولا وانهال على وجهه عزقا ثم راح ينثر البذور المعتمة في وجهه، بعدها اتجه نحوي وانهال علي وجهي بمعوله الرهيب ثم راح ينثر في وجهي ماتبقى من بذور القسوة…نظر كل منا في وجه الآخر، كان كل منا يبصر في وجه صاحبه الحدة والصرامة، لم تكن هناك مساحة للطيبة تذكر، يممنا وجوهنا شطر الافق المظلم يسربلنا الظلام، وتتشح وجوهنا بالقسوة وخلفنا جدث يصب لعناته علىينا وعلى زماننا.