بدايات ونهايات متشابهة ــ عادل الجبوري
إذا كان عام 2012 قد استهل مسيرته في العراق بازمة سياسية حادة وخطيرة تمثلت بإصدار امر قضائي باعتقال نائب رئيس الجمهورية والقيادي في القائمة العراقية طارق الهاشمي على خلفية ضلوعه بتمويل الارهاب، فإن هذا العام طوى صفحاته بازمة مشابهة تمثلت باعتقال عدد من افراد حماية وزير المالية والقيادي في القائمة العراقية ايضا رافع العيساوي ارتباطا بضلوعهم بارتكاب عمليات ارهابية في مدينة الانبار. وما بين الحدثين فإن المشهد العراقي العام كان حافلا في 2012 باحداث ووقائع كبرى وخطيرة تداخلت فيها الجوانب السياسية والامنية الى حد كبير.
ازمات الفرقاء
ولعل ازمة الهاشمي كانت مؤشرا واضحا على ان الامور سائرة بـاتجاه المزيد من التازيم والتعقيد، والوقائع اثبتت ذلك، فاصطفاف الاكراد ــ وتحديدا رئيس الاقليم مسعود البارزاني الى جانب الهاشمي بطريقة او باخرى، من خلال استضافته في كردستان، ومن ثم تسهيل سفره الى تركيا، فتح بابا جديدا للصراع والمواجهة بين الحكومة الاتحادية والاقليم، وافرز اصطفافات بدت نوعا ما وكانها مقدمات لتفكك وتشضي واعادة تشكيل لخارطة المشهد السياسي العراقي، واجتماعات اربيل التي جرت في شهر ايار من العام الماضي، وشاركت فيها قيادة التيار الصدري الى جانب قيادات القائمة العراقية والقيادات الكردية، وتبعتها اجتماعات النجف، اشرت الى وجود نيات وتوجهات جادة من قبل قوى رئيسية لاعادة ترتيب الاوراق، وكان خيار سحب الثقة عن حكومة نوري المالكي هو المحرك والمحور، واكثر من ذلك العقدة.
ومع ان خيار سحب الثقة وصل الى طريق مسدود بعد فترة من الزمن الا ان الازمات بقيت تتوالد وتدور في حلقة مفرغة في ظل غياب افق الحلول الحقيقية.
فبين الاقليم والمركز تفاعلت قضية عقود النفط المبرمة بين الاقليم وبعض الشركات الاجنبية، وتقاطع المواقف حيال الازمة السورية، وعقود التسليح، والانفتاح الكردي على تركيا في الوقت الذي بلغت مستويات التازم بين بغداد وانقرة اقصى مستوياتها، حتى وصلت الامور الى الحافات الخطرة والنقاط الحرجة جدا حينما اعلن المالكي عن تشكيل قيادة عمليات دجلة ليكون مقرها في كركوك وتشرف على مجمل الاوضاع الامنية والعسكرية في تلك المدينة ومعها ديالى، واضيف الى ذلك اقدام الحكومة الاتحادية على تحريك قطعات عسكرية باتجاه الحدود مع سوريا وفي مناطق تابعة للاقليم، وهو ما اثار حفيظة الاكراد، واعتبروه استهدافا لهم، حتى كادت الامور تتطور الى مستوى المواجهة العسكرية.
وبنفس الايقاع كانت تداعيات المواقف تتحرك بين الحكومة الاتحادية، او بالتحديد ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، والقائمة العراقية التي تمثل في الاطار العام المكون السني، وفي الوقت الذي لم تفلح العراقية بكسر المالكي وابعاده عن دائرة الفعل والتاثير، فإن الاخير هو الآخر اخفق رغم بعض تصدعات العراقية في اخضاعها او تفكيكها وانهاء وجودها.
ومجمل القراءات التحليلية للوضع العراقي كانت تذهب الى
ــ ان الازمة السياسية في العراق سائرة نحو الحافات الخطرة والنقاط الحرجة بوتائر متسارعة.
ــ غياب فرص وامكانيات الحلول الواقعية التي من شانها وضع حد للازمة ــ او الازمات ــ المتلاحقة.
ــ بروز ظاهرة التفكك والتشظي لدى مختلف القوى والكيانات السياسية.
ــ اتساع مستوى الخلافات والتقاطعات، الذي وصل الى كبار القيادات والزعامات السياسية العراقية، بحيث باتت الحاجة ملحة ــ بنظر البعض ــ لتدخل قوى خارجية بطريقة ما.
انعكاسات امنية
ومن الطبيعي جدا ان يكون احد افرازات الازمات السياسية المتلاحقة، هزات امنية متواصلة تزداد حدتها تاثيراتها مع تصاعد وتيرة الصراع بين الفرقاء السياسيين.
فما ان صدرت مذكرة القاء قبض على طارق الهاشمي اواخر العام 2011 حتى شهدت العاصمة بغداد بعد ايام قلائل سلسلة تفجيرات ارهابية حصدت ارواح مئات الناس الابرياء، لتتبعها عمليات مماثلة استهدفت زائري الامام الحسين الذي كانوا متوجهين سيرا على الاقدام من مختلف مناطق العراق لاحياء ذكرى الاربعينية، وكان ذلك في الايام الاولى من العام 2012، وهكذا كان مشهد القتل والدماء والاشلاء والضحايا حاضرا يسير بطريقة متوازية مع المشهد السياسي المحتقن والمتازم.
وبعد اقل من شهرين تعرضت مدن بغداد وكركوك وتكريت والموصل وغيرها لسلسلة عمليات ارهابية، وفي ذكرى استشهاد الامام موسى الكاظم عليه السلام، منتصف شهر حزيران الماضي، تعرض الزائرون لاستهدافات عديدة بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والقذائف سقط بسببها العشرات او المئات منهم بين شهيد وجريح.
وفي النصف الاول من شهر ايلول الماضي، تكرر المشهد الدموي الذي تبع صدور مذكرة اعتقال طارق الهاشمي، ولكن هذه المرة على اثر صدور حكم الاعدام عليه من قبل المحكمة الجنائية العراقية المختصة، وبعد اسابيع قلائل تعرضت مدن كركوك وبغداد والموصل الى سلسلة عمليات ارهابية اخرى على ايقاع تصاعد وتائر الازمة بين بغداد واربيل.
بعبارة اخرى يمكن القول ان مسلسل القتل اليومي في العراق لم ينقطع خلال العام 2012، رغم انسحاب القوات الامريكية منه اواخر عام 2011، وانتفاء الذرائع والحجج التي كانت تسوقها بعض الجماعات الارهابية والجهات الداعمة لها لتبرير جرائهما.
ورغم انه لاتوجد الى الان احصائيات دقيقة لعدد العمليات الارهابية التي وقعت في العراق خلال العام المنصرم، الا ان الاحصائيات التقريبية تشير الى انها الف ومائتين عملية ارهابية، وان ضحاياها من الشهداء تجاوز خمسة الاف شهيد، الى جانب اكثر من خمسة وعشرين الف جريح.
عودة العراق لمحيطه العربي
وفي مقابل الازمات السياسية والامنية المتواصلة، فإن سياسة العراق الخارجية شهدت خلال العام الماضي نقلات وتحولات مهمة، ربما كان ابرز معالمها انعقاد القمة العربية الثانية والعشرين في بغداد اواخر شهر اذار الماضي بحضور ومستوى تمثيل لاباس به.
وهذه القمة عززت الى حد كبير حضور العراق في محيطه العربي، الذي تراكمت المشاكل والازمات مع بعض اطرافه خلال العقود الثلاثة الماضية.
وطبيعي انه لم يكن منتظرا من قمة بغداد كما هو الحال مع القمم السابقة ان تخرج بحلول سحرية لما يعيشه الواقع العربي من عقد واشكاليات كبيرة وكثيرة، بيد انها اعطت زخما معنويا ضروريا للعراق بعد الاطاحة بنظام صدام وانبثاق نظام سياسي جديد قائم على التعددية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
الى جانب ذلك فإن الحكومة العراقية نجحت في مد الخيوط مع دول عديدة في المحيط العربي والاقليمي وعموم المجتمع الدولي.
ويبقى الموقف العراقي المتوازن من الازمة السورية، والذي عبرت عنه المبادرة التي طرحها رئيس الوزراء نوري المالكي في المؤتمر التاسع عشر لدول حركة عدم الانحياز الذي عقد في العاصمة الايرانية طهران في اواخر شهر اب الماضي، دلالة على صحة مسارات السياسة الخارجية العراقية، اذ انه رغم الضغوطات العلنية والسرية التي تعرضت لها بغداد من عواصم عربية دولية عديدة، الا انها تمسكت بموقفها القائم على اساس الحل السلمي للازمة السورية وتجنب الخيارات العسكرية ورفض التدخل الخارجي، وهذا الموقف كان من العوامل التي زادت من تازم العلاقات العراقية ــ التركية، ودفعت انقرة الى مغازلة اقليم كردستان من اجل زيادة الضغوطات على بغداد، وفي هذا السياق مثلت زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو لاقليم كردستان ولمدينة كركوك مطلع شهر اب الماضي من دون التنسيق مع الحكومة الاتحادية العراقية احد خطوات التصعيد التركي ضد العراق.
واضافة الى تركيا فإن كلاً من السعودية وقطر تبنتا سياسات اكثر عدائية للعراق خلال العام الماضي، بسبب الموقف من الازمة السورية، والخلافات الحادة بين ائتلاف دولة القانون من جهة والقائمة العراقية المدعومة من قبل هاتين الدولتين من جهة اخرى، ولكي تعبرا عن توجهاتهما حيال بغداد، فإنهما اكتفتا بإرسال وكيلي وزيري الخارجية لديهما لترؤس وفدي بلاديهما الى قمة بغداد العربية.
علاقات متنامية
بين بغداد وطهران
بيد ان التازم في علاقات بغداد مع انقرة والرياض والدوحة قابله تنامي العلاقات مع طهران، وقد كان الحراك السياسي والدبلوماسي بين البلدين خلال عام 2012 ملحوظا وعلى اعلى المستويات، فالمالكي زار ايران وكذلك فإن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد زار العراق، وكذلك فإن زعماء ومسؤولين سياسيين عراقيين زاروا طهران ايضا مثل رئيس المجلس الاعلى السيد عمار الحكيم، ورئيس التحالف الوطني ابراهيم الجعفري، ونائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، وآخرين غيرهم، مع مجيء مسؤولين ايرانيين كبار مثل مساعد الرئيس الايراني علي سعيد لو، ووزير الدفاع الجنرال احمد وحيدي، ووزير الخارجية علي اكبر صالحي، وقائد القوات البحرية في حرس الثورة الادميرال علي فدوي.
وتنامي العلاقات العراقية ــ الايرانية وانسجام المواقف بين الطرفين ساهم في التخفيف من حدة المواقف والتوجهات المتطرفة.
الصفحة الاخيرة
ربما كانت الانتكاسة الصحية الاخيرة للرئيس جلال الطالباني الصفحة الاخيرة في سجل الاحداث والوقائع الكبرى في المشهد العراقي العام، فهي فتحت الباب واسعا لتكهنات وقراءات واحتمالات متعددة لمرحلة مابعد الطالباني سواء مايتعلق بمنصبه الرسمي كرئيس للجمهورية او منصبه الحزبي كزعيم لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ولا شك ان مرض الرئيس وما يمكن ان ينتهي اليه سيكون احد ابرز القضايا التي ستشغل حيزا واسعا في تفاعلات المشهد السياسي خلال عام 2013، مع بقاء ملفات العام الماضي مفتوحة، في ظل عدم وجود مؤشرات حقيقية لاغلاقها، ان لم يكن ظهور ملفات اخرى قد تزيد الامور تازما وتعقيدا، ومن المستبعد ان تحدث انتخابات مجالس المحافظات المزمع اجراؤها في العشرين من شهر نيسان المقبل تغيرات كبيرة في الخارطة السياسية. اما الازمة السورية فيعتقد الكثير من المراقبين والمعنيين بالشان السياسي ان طريقة حسمها لابد ان تلقي بظلالها على الواقع السياسي العراقي، لكن في ذات الوقت يستبعد ان تحسم خلال وقت قريب، وان لم تأخذ ابعاد واتجاهات اخرى.
AZP07