بالعربي الهجين – نصوص – بان المالكي

بالعربي الهجين – نصوص – بان المالكي

الساعة التاسعة و النصف صباحاً، جدتي تُشير إلى المذياع و تطلب منيّ تغيير المحطة وهي تقول: مُنذ فترة و أنا لم أستمع لنشرة أخبار مُفصلة من فضلكِ ثبتي هذا “الراديو المسَخَّمَ ” على إذاعة عربية عسى أن يلقوا نشرة الأخبار على مسامعنا بعد قليل، رغم إن المحطة كانت عربية و بأمتياز إلا أن جدتي المسكينة لم تفهم شيء .! فالمذيعة كانت تستخدم المُفردات الأنكليزية أكثر من أستخدامها للغة العربية “الأم” حتى أُصيبت جدتي بالدوار و من فرط بساطتها أخبرتني إن المذياع الذي أشتراهُ جديّ هو وحدهُ قادرٌ على سحب أغلب الموجات الراديوية دون تشويش أو إنقطاع و أن الأجهزة المُستخدمة حالياً [ستوك] لا تنفع بشيء .!!

جدتي لم تعلم إن المحطة كانت عربية بأمتياز و أن المذيعة كانت تستخدم المُفردات الأنكليزية لأنها تَعدُ جُزءاً مِن “البرستيج” و الثقافة المُبقعة التي أدنى ما يُقال عنها “تراهّة” .

تطورنا يا جدتي، تطورنا و أصبحنا مُثقفون على هيئة PDfنستدلُ على المُثقف من مدى أتقانه للغة الأنكليزية و لا بأس بمفردتيّن من معجم المعاني الوسيط يبرز بهما قوة ثقافتهُ المُزخرفة .

أن نتقن لُغة أضافية إلى جانب لُغتنا الأم أمرٌ مُعتزٌ به ولا ضير فيهِ أبداً و كما قيّل من تعلم لُغة قومٍ أمن مكرهم شرط أن يكون التحدث في الوقت و المكان المُناسبيّن، إذ أنهُ من المُخجل حقاً أن نشاهد أعلاماً يعج برَهْطٍ من المُثقفيين المُتحذلقين “إن جاز التعبير” ينتهجون هذا النهج غير المُبرر أطلاقاً خاصةً و إن الأعلام وجه المُجتمع و مرآتهِ العاكسة، الأمر لا يشمل الأعلاميين فقط و لستُ أستثني أحداً لكني أشرتُ في مجرى الكلام للأعلامييّن كونهم أداة فعالة و سلطة رابعة قادرة على تقويم سلوكيات المجتمع و تغييره نحو الأفضل. مُشكلة اللغة العربية إنها وجدت عند أمة ضعيفة، سريعة التلقيّ و الأستهلاك حتى عندما يتعلق الأمر بإعاقة نمو مِلكة الأبداع ، والتبعية الفكرية، و ذوبان الذات الحضارية، وجمود اللغة العربية بما إن الأمر تعدى إلى مناهج و أسلوب تعليم، ففي السابق كانت الموضوع يقتصر على أسماء واجهات المحلات

التجارية و بعض المُفردات الشائعة مثل ” Hello ، Bye ، Ok ” وغيرها من المُفردات سهلة الفهم التي كان أحد أسبابها الأستعمار الأنكليزي للبلدان العربية، أما الآن فأصبح البعض يتكلم بخمسة مُفردات أجنبية مُقــــابل كلمة عربية واحدة .!

في بحث أجريَّ للجالية العربية في الولايات المتحدة لمن يتقنون كلا اللغتين جاء في أحد الأسئلة: أي اللغات أكثر عملية و حديثة و حيوية فجاء الترتيب لصالح اللغات الأجنبية بنسبة 100بالمئة  – 91.31بالمئة  -87بالمئة  أما اللغة العربية

فقد نالت 65بالمئة  -48بالمئة -78بالمئة  ، وفي سؤال عن اللغة التي يفضل أفراد العينة كتابة أبحاثهم ودراساتهم بها وجد أن اللغة الإنكليزية نالت 87بالمئة  و اللغة العربية 13بالمئة  من ذلك نلاحظ أن الكثير يريد استخدام اللغة الأجنبية مما يؤدي في المستقبل إلى تدهور اللغة العربية ولو نظرنا إلى واقع اللغة العربية في شمال أفريقيا لوجدنا أن هناك لغة هجينة بين اللغة العربية و بين اللغة الفرنسية, لذا لابد من الأهتمام بنشر التعليم باللغة العربية والقضاء على الأمية, فالأمية سجلت أرقاماً رهيبة ومفزعة على طول العالم العربي, ومن المؤكد أن من نتائج الأمية ضعف الولاء للغة الأم وهي العربية في حالتنا.

الحقيقة التي لا بُد من الأشارة إليها هو أن تعلم اللغات الأجنبية ذو فائدة قيمة جداً حيثُ أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يتقنون أكثر من لغة لهم قدرة أكثر على التركيز و التحليل و يتميزون بذاكرة قوية أيضا، شرط أن نكون محافظين على عراقة و حضارة لغتنا الأم و أن لا نسبب خلطاً في المفهوم العام للثقافة و التي هي أوسع من أن تنحصر ” بلغة ” فما بالك إن كانت لغة هجينة في غير وقتها .؟ فما معنى أن نتكلم باللغة العربية على سبيل المثال أمام مواطن أمريكي الجنسية ..! سيُصاب المُستمع بخــــيبة أمل لأنهُ لم يستطع فهم شيء مما نقول، فكيف بالذي يتحدثُ بلــــغةٍ غريبة عن لغتهِ الأم أمام أبناء جلدتهِ و بـــشكل لا يخلو من المُــــبالغة أحياناً ! المُشكلة إن الأمر بات لا يقتصر على لُغة أنكليزية مُطعمة ببعض المُفردات العربية، فقد أنتشرت مؤخراً في وسائل التواصل الأجتماعي مُفردات هجينة ذات أضافات غريبة، مثلاً: علاو و هلاوز و تعني: هلو أو دلبي ، قلبوشتي ،

و تعني: قلبي …. إلخ من الكلمات المُستحدثة التي تَنْم عن ذائقة فريدة يتمتعُ بها أبناء جيلنا المُغرر !! ليت الأمر أقتصر على برنامجٍ تلفزيوني أو نشرة أخبار بلغة ركيكة حتى المشاعر الأنسانية يا جدتي أضحت مُوَشَّاةٌ على سبيل الحداثة و التطور !