رافد جبوري
واشنطن
كان يوم الثلاثاء الثاني عشر من تشرين الثاني نوفمبر يوما مهما ومفصليا فيما يخص العلاقة بين الادارة الاميركية ورئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي. فقد اتصل وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو برئيس الوزراء العراقي وتحدث معه حول التظاهرات موجها اللوم الصريح للحكومة العراقية باستخدام القمع ضد المتظاهرين وشدد على ضرورة ان تجرى الاصلاحات التي وعدت بها الطبقة السياسية العراقية بسرعة. في نفس الوقت الذي صدر فيه بيان من الخارجية الاميركية عن المكالمة وغرد بومبيو مؤكدا لها ولخطوطها العامة كان عبد المهدي ظاهرا على شاشات التلفزيون يتحدث اثناء جلسة مجلس الوزراء في حديث كان في جزءه الاهم مرافعة ضد بومبيو ربما تكون اعادة لما قاله عبد المهدي اثناء المكالمة او قد تكون ردا لم يستطع ان يدلي به في المكالمة فقدمه على شاشات التلفزيون. حديث عبد المهدي كانت خلاصته ان التظاهرات جيدة وسيتم تنفيذ ما وعدت به الحكومة لكن الحكومة باقية والعراق بلد ديمقراطي وفيه حريات. اما اعمال قمع المتظاهرين فقد جرت بحسب قوانين وقرارات مستوحاة من نفس القوانين والقرارات التي وضعتها القوات الاميركية ابان احتلالها للعراق وكانت تتعامل بموجبها مع العراقيين.
هذا الافتراق في الموقف قد يسجل نقطة مهمة في العلاقة بين عبد المهدي وادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب, وقد تسحب الدعم الاميركي عنه تماما اذا استمر في نهجه في عدم الاصغاء والتفاعل الايجابي مع الجانب الاميركي. هنا طبعا من المهم ان نسجل ان الجانب الاميركي يمثل مصالح الولايات المتحدة الاميركية واننا من الناحية التاريخية نثبت بان الولايات المتحدة مسؤولة عن كل ما حدث في العراق من كوارث منذ احتلالها له في عام الفين وثلاثة في قرار كان الاسوأ في تاريخ الولايات المتحدة بحسب وصف الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب. لذلك فاننا لا نعتقد ان للولايات المتحدة سلطة اخلاقية خصوصا فيما يخص الوضع في العراق الذي اسست عمليته السياسة ورعت مبادئ المحاصصة الطائفية فيه بكل ما ترتب على ذلك من نتائج اوصلت الامور الى ما وصلت اليه الان من اسباب فجرت غضب العراقيين وانتفاضتهم الحالية التي سبقتها حركات احتجاجية متعددة في السنوات الماضية.
لكن مع ذلك فان من الواقعي الاقرار بان الولايات المتحدة هي صاحبة نفوذ كبير في العراق لا يدانيه سوى نفوذ ايران الذي طبعا ما كان ليحدث ويكبر لولا الغزو الاميركي للعراق وسماح واشنطن لايران بالتمدد بعد ذلك . على اي حال فقد بدأت واشنطن بالتحرك بجدية اكثر حول الوضع في العراق بدءا من الاسبوع الحالي مع البيان الذي صدر من البيت الابيض الذي اعرب عن القلق من قمع التظاهرات وقطع الانترنت ودان ايران وقال بان العراقيين لن يقفوا مكتوفي الايدي ازاء تدخلها وكذلك دعم مبادرة الامم المتحدة في العراق في اجراء اصلاح انتخابي وانتخابات مبكرة.
بعد ذلك جاء دعم المرجع الشيعي السيد علي السيستاني للمبادرة اثناء استقباله لممثلة الامين العام للامم المتحدة جنين هينيس بلاسخارت في النجف. وقد كتبنا في اكثر من مقال سابق بان معادلة السلطة في العراق تتحدد في النهاية بموقف ثلاثة قوى هي طهران وواشنطن والنجف, وها نحن نرى ان اثنين من اضلاع ذلك المثلث باتوا يدعمون مبادرة الامم المتحدة التي تدعو فيما تدعو اليه الى انتخابات مبكرة وتغييرات اخرى في العملية السياسية في العراق. صحيح ان هذا لايعني ان واشنطن والسيستاني يدعمان تغيير النظام في العراق كما يطالب كثير من المتظاهرين لكنهما ايضا باتا في جانب معاكس للجانب الايراني الرافض لاي تنازل امام التظاهرات. كذلك فان الاختلاف الواضح في المواقف بين عبد المهدي وبومبيو يكاد يؤدي الى ان تسحب واشنطن دعمها لعبد المهدي كرئيس لوزراء العراق, وهذا سيعني انه لن يستمر في منصبه وسوف يرحل عنه. صحيح ان الولايات المتحدة لا تمتلك نفوذا مطلقا في العراق ولا تملي ارادتها لتنفذها الاطراف العراقية بصورة فورية ولكن فقدان اي رئيس وزراء عراقي للدعم الاميركي يعني فقدانه لمنصبه وقد حصل ذلك مع ابراهيم الجعفري ونوري المالكي في الماضي.
تبقى طبعا قضية التظاهرات والانتفاضة الشعبية وهي اكثر جوهرية من كل تلك الصيغ في العلاقة بين واشنطن وطهران وعبد المهدي. فالتظاهرات هي ظاهرة عراقية انطلقت من ظروف موضوعية في العراق وادام المتظاهرون زخمها بشجاعتهم الخارقة وصمودهم امام القتل والقمع الوحشي وتقديمهم للضحايا بالمئات وللجرحى بالالاف. لكن التظاهرات تتحرك في مساحة سياسية يمتد فيها النفوذ الاميركي والنفوذ الايراني. ليست تلك قضية المتظاهرين المباشرة لكنها تؤثر في مسار وظروف المرحلة القادمة.
واشنطن