الوباء المجتمعي

الوباء المجتمعي

لو اردنا ان نتحدث عن الاوبئة الاجتماعية في العراق لخرجنا بمحصلة لاتسر السامع بهذا الخصوص ، وقد لانستطيع ان نحصيها ، واليوم ارتأيت الى ان اتطرق الى احد تلك الاوبئة والتي تعد بمثابة عاهة خلقية واجتماعية الا وهو موضوع اليتيم وهذه العاهة هي ليست عاهة فردية بل هي عاهة  اجتماعية لانها تعيش داخل المجتمع وتنتج فراغا لان مثل هذه الظاهرة فيما لو تركت دون معالجة فسوف ينجم عنها الفساد ، والجرم ، والذل بل الشر بحد ذاته ويجب ان نتعامل مع هذه الظاهرة على اساس انها مشكلة مجتمع وليست مشكلة فرد فأذا نظرنا لها بهذا المنظار فسوف تكون نظرتنا اعمق من تلك النظرة التي تتعاطى مع اليتيم بعين العطف والحنان وهذه النظرة تدل على وعي مجتمعي عميق ولابد ان لا نتعامل مع اليتيم كونه فاقداً للاب والام فقط لان مثل هذا التعامل لايتناسب او يرتقي الى مستوى التعامل مع اليتيم من منظور المجتمع المتحضر وعلى كل التقادير يعتبر اليتيم عاهة اجتماعية كما ذكرت ويجعل من اليتيم فاقدا لحنان الاب والام فضلا عن دور المراقبة اللازمة له منذ الطفولة وهذا يخلف نتائج شريرة على الفرد والمجتمع فيما لم يتم علاجه كعاهة اجتماعية وبما يتناسب مع حجم العلاقة ويكون العلاج شاملاً روحيا وسلوكيا وماديا لان طبيعة الحياة قد تفرض على هؤلاء الايتام ان يصبح منهم مجرمون كبار لان فاقد الاب والام يفقد الحنان والرعاية الحميمية والحب وكل القيم التي من شانها ترقق القلب وتجفف منابع العنف في داخل النفس ومن هنا تصح التسمية على ان اليتيم عاهة اجتماعية ، وان معالجة تلك الحالة لاتقتصر على الغذاء والملبس والمأوى بالرغم من الضرورة القصوى لذلك ولكن كل ذلك لايكفي ما يتوفر عطاء الابوة والامومة المفقودة ومثل هذا الامر يوجب علينا جميعا ان نوسع مفهوم الرحمة ونجعله ان لايقتصر على الجوانب التي ذكرناها بل ان ندخل في موضوع الرحمة الشاملة وبمنظور انساني صرف وللاسف اليوم  المجتمع تقتصر نظرته الى اليتيم على مرحلة العطف فقط من حيث الشفقة ولكن المجتمعات المتحضرة في الدول الغربية تتحول فيها مسألة اليتيم الى قضية مجتمع ودولة وامة واذا ماتمت المقارنة بعدد الايتام في الغرب الذين اصبحوا قادة وعلماء واصحاب شركات كبيرة وبين الايتام الموجودين لدينا كعراقيين لخرجنا بمحصلة تفوق الخيال والتصور بين الحالتين ، واليوم واجب على الجميع ابتداء بمؤسسات الدولة وانتهاء بدور الايتام الاهلية التي ترى مثل تلك الحالات المؤلمة ان تعمل بكل الوسائل اللازمة والحديثة والتي تعنى بخدمة اليتيم وتيسير السُبل امامه ليكون مواطنا صالحا كي لايشعر بالضياع والفراغ بالشكل الذي نعمل على دمجه في المجتمع ليتفاعل قلبا وقالبا وان مايجب ان يبذل من جهود لاعطائه العاطفة هو جزء من الشعور بالمجتمعية التكافلية وهذا مانعمل ونبحث عنه ونرشد اليه الجميع ، وقبل الختام لايسعني الا ان استشهد بقوله تعالى  بسم الله الرحمن الرحيم ” فأما اليتيم فلا تقهر ” صدق الله العظيم  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 احمد العامري – بغداد

مشاركة