الموسيقى أعلى أشكال التعبير الرمزي لأي حضارة – فاروق سلوم

شهرزاد قاسم حسن أول باحثة عراقية في علم الأصوات عند الشعوب

الموسيقى أعلى أشكال التعبير الرمزي لأي حضارة – فاروق سلوم

استطيع ان استعيد صورة المجتمع العراقي المديني منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، واستطيع ان ارسم صورة المرأة العراقية  يومذاك وهي تكرّس حضورها في التعليم والريادة والنشاط الأجتماعي والثقافي وسط مجتمع يتطلع الى منجزات مدنية على طريق التطويرالمأمول يومذاك. ولن اغفل التوجهات الأجتماعية العراقية، نخبوية كانت او فردية ، نحو أهمية الثقافة ومنجزاتها في الفنون والموسيقى والأدب والسينما والفنون البصرية . ووسط تلك البيئة عاشت الدكتورة شهرزاد  قاسم حسن في بغداد مع معارف من جيلها تصغي الى اعمال موسيقية كلاسيكية كل اسبوع مع وجود بيئة اجتماعية داعمة فيها الكثير من التفضيل للأتجاهات الثقافية والميل نحو اعداد الأبناء وتعليمهم وصيانة توجهاتهم . ولأهتماماتها الموسيقية درست لسنوات العزف على آلة البيانو في معهد الفنون على يد اساتذة اجانب قبل ان تتولى تدريسها العزف على تلك الآلة العازفة العراقية المعروفة بياريس اوهانيسيان .

دراسة التراث

حتى تلك اللحظة لم تكن شهرزاد قاسم حسن قد ميزت الطابع المحلي للموسيقى العراقية بشكل كاف ، حتى تسنى لها دراسة البكلوريوس والماجستير في علم الموسيقى التاريخي في جامعة تشارلز في براغ ، كما درست  الدكتوراه  في باريس تحت إشراف المفكر “جاك بيرك” واستاذ الموسيقى “جيلبرت روجيت” في علم الاجتماع الإسلامي وعلم الموسيقى الإثني ” الأثـنوميوزيكولي” ، على التوالي .

وعند عودتها لبغداد في سبعينات القرن الماضي ، قررت  ان تصرف كل جهد لدراسة المنجز التراثي للموسيقى والأداء الصوتي العراقي . اولا بالأصرار على تأسيس مركز التراث الموسيقي العراقي الذي تم تأسيسه عام 1971 في بغداد ، وبرغم كل صعوبة استطاعت الدكتورة المتخصصة ان ترسي عملا مدروسا ينفذ عبر خطة عمل تقوم على العمل البحثي الدراسي  من خلال القيام بوصف اشكال الأداء الصوتي وتوثيقه ودراسته ثم قامت مع مجموعة محدودة من العاملين في تسجيل وتوثيق انماط الأداء الصوتي العراقي في كل مكان من ارض العراق حتى توفرت على اكثر من 200 ساعة و4000 توثيق والعديد من الأسطوانات القديمة.

وهي تقول عن خطة العمل هذه ” اكتشفت ان البقاء طويلا في عالم ثقافي غريب حضاريا لم تكن له نتائج ايجابية في مسألة الأحساس الضروري بالأنتماء الى الثقافة المحلية. ويمكن ان يؤدي ذلك الى انفصال نفسي وفكري مع المجتمع المحلي ” وفي تلك الفترة  وجدت الباحثة د. شهرزاد قاسم حسن انها تعيش جوار الروح و الوجدان العراقييين عبر وثائق صوتيه وموسيقية استحقت منها بشكل خاص ومن زملائها العديد من اوراق البحث والدراسة المتخصصة القائمة على التحليل عبر ” الأثنوميوزيكولوجي – علم موسيقى الشعوب ”  وذلك من خلال ذلك التوثيق الأساسي الذي شكل المعايشة الحية مع انماط التعبير الصوتي والموسيقي ثم الدراسة والتحليل لبلوغ جوهر المجتمع العراقي وطقوسه واحساساته وعقائده وثقافته الأنسانية .

انها تجد ان كل انواع الموسيقى في العالم متساوية في الأهمية وتستحق الدراسة والبحث . وفي تلك الفترة حتى عقد الثمانينات والى جانب تلك البحوث والدراسات اصدرت د. شهرزاد كتبا مهمة ابرزها ” دراسات في الموسيقى العراقية – 1981 ? مصادر الموسيقى العراقي – 1981 بالأشتراك مع الباحثة  امال ابراهيم محمد ، واخريات . ثم كتاب الآلات الموسيقية ودورها في المجتمع التقليدي – 1991 مع مجموعة من الباحثين العرب . وقد صدرت كتب وبحوث د. شهرزاد في طبعات فرنسية والمانية الى جانب انجازها العديد من البحوث التي تطلبتها المهام التي قامت بها في الخليج والبحرين وقطر وتونس واليمن والأمارات العربية ومصر وغيرها من البلدان حيث قدمت منجزها من المسوح والتسجيلات والوثائق في بحوث موسيقية متخصصة وفق منهجية دراستها علم الأصوات واهميتها في الأضاءة على الهويات الأنسانية وثقافاتها ومنجزها الحضاري.

كانت الباحثة خلال ادارتها لمركز دراسات التراث الموسيقي العراقي ، بكل وعيها العلمي وحماستها العملية ، تتصل بالمتخصصين العراقيين النادرين في العراق من اجل توثيق تلك المعارف التي تزخر بها عقول وتجارب هؤلاء من امثال الشيخ ” جلال الحنفي” والموسيقي المعروف ” الحاج هاشم الرجب”  وهي تعتبرهما من نوادر الخبرات العراقية في هذا المجال . تقول ” ان الموسيقى هي اعلى اشكال التعبير الرمزي لأي حضارة وان دراستها مع متغيراتها انما تكشف طبيعة المجتمع والأنسان وتعكس تطلعاته ” ووفق هذا الفهم الحضاري حققت بحوث واطروحات الباحثة العراقية د.شهرزاد قاسم حسن الكثير من ردود الفعل العربية والدولية الأيجابية لأهميتها الدراسية والعلمية والموسيقية .

وحين تقاطعت القرارات الأدارية والبيروقراطية مع منهجيتها القائمة على محلية البحث وعراقية الخصوصية التي يتطلبها البحث والدراسة والتوثيق في مركز التراث العراقي ،  وجدت ان تلك القرارات تخرج المركز من خاصيته المحلية عندما منحت صفة ” الدولي” للتسميه لمجرد المبالغة الأدارية والتظاهر . واختارت عوضا عن ذلك ان تعطي جهودا تدريسية مهمة للجامعات العراقية والدولية .. وعندما تعرض العراق في التسعينات للحرب والدمار غادرت الى الخارج لنشر تلك البحوث والدراسات واشكال المنجز التراثي الصوتي العراقي الذي تعرض للخراب وموسساته للدمار .

وجدت الباحثة العراقية في الجامعات والمعاهد المتخصصة وفي الحلقات الدراسية والمؤتمرات افقا واسعا لتقديم منجزها العلمي ووصف حالاته وعرض نماذج متعددة من الأداء الصوتي المحلي لتقول ان التراث العراقي برغم كل خراب سيتواصل لأنه جوهر الهوية الثقافية وبخاصة بحثها الذي قدمته في دنفر – جامعة كولولرادو في الولايات المتحدة الموسوم “الفضاء الاجتماعي لتقاليد الموسيقى في بغداد قبل وبعد الدمار”  الذي حقق اصداءً مهمة لما انطوى البحث عليه من نماذج حية من الأصوات والآلات القديمة وتوصيف ماحل بهما بعد الحرب على العراق .

الباحثة الدكتورة شهرزاد قاسم حسن منذ التسعينات تدرّس في جامعة باريس وجامعة لندن وباحثة مشاركة في عدد من مراكز البحث الفرنسية والألمانية والهولندية ويصفها الباحث “ستيفن بلوم” في تقديم لها في احدى محاضراتها في برلين” انها منذ مدة طويلة باحثة رائدة في مجال “الفنون الشعبية” في العالم العربي . عملت كمساعدة ، ثم أستاذة في جامعة بغداد من 1967 إلى 1982 ? أسست وأدارت أول مركز للموسيقى التقليدية في بغداد وأنشأت أرشيفًا سليمًا يعتمد على العمل الميداني المكثف في جميع مناطق العراق.” كما يواصل القول في وصف ذلك :

قامت الدكتور شهرزاد حسن بعمل ميداني مهم في العديد من المناطق في جنوب وغرب العراق: وفي البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة واليمن الشمالي والجنوبي ومصر وتونس. تشمل أنشطتها العديدة كمنظمة ورئيسة لمجموعة دراسة الموسيقى في العالم العربي من عام 1990 إلى الوقت الحاضر ، وقامت من قبلُ بتنظيم ندوة مهمة في عام 1989 ? حول مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة  لعام 1932 ? وتحرير وقائع الندوة واعدادها للنشر بشكل يعبر عن فاعلية وحيوية في الجهد العلمي والتنظيمي “

خبيرة متخصصة

تعتبر الباحثة العراقية شهرزاد قاسم حسن التي زارت العراق عامي 2016 و 2018 خبيرة متخصصة في هذا الميدان ،وهي تواصل جهودها العلمية كباحثة متخصصة بعلم الأصوات عند الشعوب بأعتباره طريقا معبرا عن الثقافات والهويّات الثقافية والأثنية للشعوب في اسيا والوطن العربي وهي تقول عن علم الأصوات عند الشعوب ” يكشف هذا العلم ان لاوجود لمركزية غربية في مجال الموسيقى الكلاسيكية ، اذ لكل حضارة  لها كلاسيكيتها وذلك تعبير عن الأختلاف بين الموسيقات من حضارة الى اخرى من خلال تعبيرها عن المكنونات والمكونات الحسية والعاطفية للأنسان في كل منطقة حضارية ”   وهي منذ عقد التسعينات تحضر المؤتمرات المتخصصة التي اقيمت في مختلف دول االعالم من طاشقند في اسيا الى غرب امريكا الشمالية ، وتعكس اصالة هويتها المحلية وعمق مداخلها البحثية التي تعزز دور علم الأصوات في التعبير والكشف عن خصوصية الشعوب واحساساتها ومشاعرها وطقوسها وعقائدها المختلفـــة .

مشاركة