الموزائيك العراقي
رجال عاهدوا الله
لو استعرضنا دول العالم دولة دولة لرأينا إن هناك قاسم مشترك لكل هذه الدول ألا وهو الاختلاف ! نعم الاختلاف هو القاسم المشترك ، لأنه سمة البشر، الأختلاف باللون وباللغة وبالدين والمذهب والمعتقد والرأي والشكل والانحدار الطبقي ووو وكل هذه الاختلافات هي ميزة وأمتياز لصاحبها لأنه بنفس الوقت بحاجة للمقابل المختلف عنه ، فعلى سبيل المثال لو أخذنا أي مجموعة بشرية وجعلناها تسكن بمكان خاص ومنعزل ومسيج ووفرنا لهم مستلزمات العيش والشرب البسيطتين ولفترة من الزمن وتأكل أنواع محددة من الأكل الذي تنتجه وليس لها علاقة مع بقية البشر.
امور الحياة
سنرى إن هذه المجموعة المغلقة في حالة ضمور فكري ونوعي وقد يؤدي بها للأندثار بمرور الزمن لأنها تبقى بحاجة للتنوع من ناحية المأكل لأنواع مختلفة من فواكه وخضروات شتوية وصيفية وكذلك يبقى إحتياجها لأنواع مختلفة لأمور الحياة المستحدثة اليومية ومستلزماتها ، لذا كان لزاماً على هذه المجموعة أن تختلط مع محيطها ومع بقية المجموعات البشرية ويكون هناك تبادل بكافة المجالات الزراعية والتجارية والصناعية والثقافية والفكرية ، والأختلاط والتعايش مع الآخرين هو حالة انسانية تفرضها الحياة منذ القدم ومثلما كان يحصل سابقاً مع عرب الجزيرة العربية الذين كان لهم روابط صلة وتجارة مع الدول البعيدة عنها كأن تكون مع أهل الشام والبيزنطينيين ومع أهل الحيرة وبلاد فارس والمصريين واليمن السعيد ، وماكان يحدث مع سكان أهل الجزيرة يحدث أيضاً مع هذه الدول والأقوام التي ذكرناها التي كانت لها تجارة مع القبائل العربية ، وقد ذكر ذلك بالقرآن الكريم بسورة قريش ( لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ) حيث كانت قبيلة قريش لها رحلتي تجارة للبلدان المجاورة ، ولا تقتصر فقط بالتجارة بل تتعداها لأمور الحياة الأخرى ، فنجد هناك أجناس أخرى غير العرب يعيشون بالجزيرة العربية مثل صهيب الرومي وبلال الحبشي وسلمان الفارسي وغيرها من القوميات ، لذا فأن الأختلاف مثلما قلنا لا يختصر على نوع واحد من الأختلافات فنرى كل دول العالم تحتوي داخلها على شعوب ولغات وأديان وطوائف ولو أخذنا أي دولة لا على التعيين وحتى لو كانت هذه الدولة صغيرة مثل لبنان أو البحرين أو الكويت لرأينا ان هناك أختلاف أما مذهبي أو ديني أو قومي ولا يقتصر هذا على الدول العربية بل حتى الدول الأوربية الكبيرة مثل أسبانيا وكلنا نعرف وجود مقاطعة كتالونيا وعاصمتها برشلونة والتي حالها حال أقليم كردستان العراق وأيضاً الدول الصغيرة مثل هولنده وبلجيكا ولوكسمبورغ التي تحتوي على قوميات مختلفة وأديان ولغات مختلفة ، أما أذا تابعنا دول آسيا فحدث ولا حرج والهند بقومياتها وأديانها ولغاتها خير دليل ، وحتى جارتينا تركيا وأيران نراهن يحتويان على مكونات قومية ودينية ومذهبية ، ودول أمريكا الشمالية والجنوبية لا تشذ عن هذه القاعدة فهي أيضاً تحتوي في بلدانها على أختلافات كثيرة جداً من حيث الدين واللغة والثقافة والجنس .
إن هذه الأختلافات الموجودة في كل دول العالم هي أمر طبيعي جداً وتكون مصدر قوة وتكامل إلّا في العراق فهي أصبحت مصدر تمزق وتناحر بعدما كانت سابقاً مثل الوان القوس قزح بألونه الجميلة ، وقد زاد الطين بلّه هو ماحدث بعد عام 2003 وأصبح هذا التناحر المذهبي والقومي طافياً على السطح (إن أستثنينا التناحر العربي الكردي الذي كان سببه التناحر والأختلاف مابين الحكومة المركزية والقيادة الكردية) ! ولم يكن بين الشعبين ، لكن زاد هذا الأختلاف والخلاف مابين مكونات الشعب كافة عرباً وكرداً وتركماناً وسنة وشيعة ومسيح وكل القوميات والطوائف بعد ذلك ، وبوسط هذا الأختلاف والخلاف الذي لو أقرّينا بهما يحق لنا أن نتسائل كيف كان يبدو منتخب العراق لكرة القدم الفائز ببطولة آسيا عام 2007 بدون وجود يونس محمود من (كركوك) وكرار جاسم من (النجف) وهوار من (الموصل) ونور صبري من (بغداد)وعماد محمد من (كربلاء) وبقية اللاعبين الذين من بقية المحافظات ، وكذلك كيف لنا أن نستغني عن سماع أغاني ريف الجنوب العراقي والهيوة والخشابة البصرية ومووايل الشمال ودبكته ومقام بغداد وعتابة الغربية ونكتفي بلون غنائي واحد ، وليس الأغاني والفلكلور فقط بل حتى هناك أختلاف وتنوع بالفرد الواحد من حيث التكوين والإنتماء وهنا نستذكر لطافة ماقاله الفنان كاظم الساهر عندما سألوه في لقاء تلفزيوني أنت من أين من العراق؟ قال والدتي من النجف ووالدي من العمارة وسكن فترة بكركوك كونه كان عسكري وأنتقل للموصل حيث ولدت هناك ولقبي الدراجي وهي عشيرة بالعمارة وأصلها من سامراء !! وهناك أمثلة أخرى لهذا التنوع إذا أخذنا توزيع المزروعات بالعراق فنراها موزعة على المحافظات العراقية ، برتقال ديالى وتمر البصرة ورمان كربلاء ووو ولو تابعنا الحلويات والأكلات لوجدنا لكل محافظة من محافظاتنا العزيزة طعم وأمتياز بأحد الأكلات والحلويات .
ادوات تمزيق
لا نريد أن نبين أمتياز كل محافظة من محافظات العراق عن الأخرى ولكننا نستطيع أن نقول إن هذا الأختلاف الموجود هو مدعاة للتكامل لا للتفرقة التي ماكانت تحدث لو كان هناك ساسة وقادة يتصدون للمخططات التي تحيق بالوطن ولا يكونوا هم أنفسهم مشاركين بل وأدوات للتمزق بعلمهم أو بدون علمهم ، ولو كان هناك أيضاً وعي عند الشعب لما يحدث وما يراد بهم من قتل يومي وتمزيق وتشرذم لا شعب تأخذه حمية الجاهلية وينصر طائفته أو قوميته على حساب الوطن ، وأن يفهم الجميع إن بأختلافهم لا خلافهم قوة ولا يستطيع أي واحد أن يستغني عن الآخر ، أملنا بلطف الله لا يخيب وبوجود رجال عاهدوا الله أن لا يتمزق هذا الوطن ويضحون بدمائهم في سبيله ألا وهم رجال الحشد وجيش العراق البطل الذين سيعيدون للعراق زهوه ووحدته بأذن الله تعالى.
محمد جبر حسن – بغداد