مخرجو اليابان في مهرجان كان
الموجة السينمائية الساخطة تضرب الصورة المتحركة
علي باسم عبد الحميد
بغداد
مقالنا هذا يختص بأنجازات السينما اليابانية في مهرجان كان والجوائز التي حققتها هذه السينما الاسيوية العريقة صاحبة الانجازات الاكثر عالميا من القارة الصفراء وما حققه مخرجوا هذه الجزر من جوائز في مهرجان عريق مثل مهرجان كان الفرنسي الدولي.
يعد مهرجان كان واحدا من أهم المهرجانات القديمة في مجال السينما التي تقيمها فرنسا كل عام في شهر مايو ( ايار) حيث بدأهذا المهرجان عام 1939 في جنوب فرنسا ومركز اقامة هذا المهرجان في قصر المهرجانات في شارع (لاكروازييت) الشهير على سواحل خليج كان.
ان السينما اليابانية لها علاقة وثيقة بالسينما الفرنسية منذ بدايتها التي كانت في عام 1897 اي بعد سنتين على ظهورها في فرنسا ، استقد مت السينما الى اليابان عن طريق السينمائيين الاوائل الاجانب حيث استوردت اليابان جهاز الاخوين لوميير الفرنسي وكانت اولى الكاميرات التي تم استيرادها نوع (gaument) أي ان اليابان استوردت الجهاز من البلد الام المصنع لهذا الفن الجديد، ورؤية القائمين عليه في هذه الجزر البعيدة المنغلقة على نفسها اجتماعيا عن العالم ايامها.
كانت اليابان من البلدان الاسيوية الاولى في حصد الجوائز العالمية في مجال السينما على الرغم من معاناتها بعد الحروب التي دخلتها ولاسيما الحرب العالمية الثانية التي انتهت في اليابان في 15 أب 1945 وبعد هذه الحرب كان لابد للشعب الياباني من وسيلة ترفيه فكانت السينما. كان الاهتمام بالسينما اعمق منه قبل الحرب وكانت بداية النهضة في السينما اليابانية وتاثرها بالمجتمع الغربي وظهور الموجات والمذاهب الفنية الجديدة التي اثرت على السينما اليابانية وعدم نسيان السينما اليابانية وامكانياتها غير المحدودة قبل الحرب العالمية الثانية حيث كانت سينما منافسة في السوق السينمائي العالمي
ان الانفتاح الذي حصل بعد الحرب العالمية الثانية اسهم بشكل كبير في تطور الحياة اليابانية وكان للسينما نصيب كبير في هذا التطور على المستوى الاكاديمي والانتاجي و الجمهور الذي يرجع الفضل الاول له والاخر في تطور السينما اليابانية فلولا اقبال الجمهور الياباني على هذا الفن لحصل احباط داخل العاملين فيه وماكان حصل التطور في صناعة فن الفيلم الياباني وكل ذلك يعود الى البناء المتسلسل والمدروس قبل وبعد الحرب العالمية الثانية من المسؤولين والعاملين في صناعة الفيلم السينمائي في اليابان.
ان البناء الصحيح المتسلسل والجدية في العمل وفق ازمان معينة محسوبة وهو ما عرف عن اليابانيين في كل شيئ والمساعدة الخارجية البسيطة ونوع الحرية التي حصلت بعد الحرب كل هذا استغله صناع السينما في هذه الجزر فكان لهم ما كان سنة 1951 بفوزهم باول اوسكار عن فلم (راشمون) للمخرج العملاق الراحل اكيرا كيراساوا.
ونحن هنا لسنا بصدد انجازات السينما اليابانية في الاوسكار ولكن سوف نتحدث عن انجازاتها في مهرجان كان وذلك لاسباب عديدة اهمها ان السينما اليابانية منذ يومها الاول ولحد الان تتطلع للسينما الفرنسية ليس فقط كسينما وانما كاداة ورؤية وبالنتيجة تعاون اثمر الكثير. مهرجان كان السينمائي مهرجان عريق تقيمه فرنسا كل عام في مايو/ ايار ومنذ سنة 1939 ويمنح المهرجان جوائز أفضل (فيلم ــ اخراج ــ ممثل ــ ممثلة ـــ سيناريو ــ جائزة لجنة الحكام) وكان للسينما اليابانية نصيب كبير منذ البداية في هذا المهرجان حيث استطاعت هذه السينما الرائعة والكبيرة بكل شيئ من فرض نفسها في هذا المهرجان كأول سينما اسيوية تحصل على ترشيحات كثيرة وجوائز ومنذ سنة 1954 ولغاية 2013.
وكانت الجائزة الاولى لليابانيين في الاخراج في مهرجان كان سنة 1954 وتحديدا في الدورة السابعة من هذا المهرجان في فيلم (cate of hell) وهذا العنوان هو اسم الفلم في الترشيح اما الاسم الياباني فهو (jigokumon)للمخرج الرائد تينوسيوكي كنويوغاسا والذي يعد من اوائل المخرجين في السينما اليابانية وصاحب اول فيلم يشار اليه على انه فيلم متكامل العناصرالسينمائية وان كانت بسيطة ان ذاك وهو فيلم (صفحة مجنونة) والذي انتج سنة 1926 ويضع من خلاله البنية الاساسية للافلام الدرامية المعاصرة للسينما اليابانية.
حصد جوائز
وتتوقف السينما اليابانية عن حصد الجوائزالاخراج في مهرجان كان السينمائي لغاية سنة 1978حيث ياتي دور المخرج الثائر المتمرد على الاسلوب الياباني الكلاسيكي في الاخراج واحد عمالقة الساموراي وهو المخرج (ناغيزا اوشيما) ، حيث يعد هذا المخرج من قادة الموجة الجديدة والتي ظهرت عام 1959 وقد اسهم في اول عمل من اعمال هذه الموجة كمساعد مخرج في فلم (مدينة الحب والامل).
لقد تجاوز المخرج (ناغيسا اوشيما) كل الخطوط الحمر التي كانت موجودة في الحياة الاجتماعية اليابانية وهو ما كان واضحا في فلمه المشهور (امبراطورية الاحاسيس – empir of sinses) والذي عرض عام 1976ولكن لم يعرض سوى لأيام في امريكا واوربا ولكن في السينمات الفرنسية فقد عرض بشكل واسع وقد اسهم في هذا الفيلم المخرج الفرنسي (اناتول دومان) والذي يعد من مخرجي الموجة الجديدة في السينما الفرنسية ايضا. بعد سنتين قدم (ناغيسا اوشيما) عملا اخر فيه تجاوز للخطوط الحمر للسينما ليس فقط اليابانية وانما العالمية من خلال فيلمه والذي فاز به بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الفرنسي وفي دورته 31 (امبراطورية الشغف ــ empir of passion) والذي عرض في العام 1978 وتدور قصة الفيلم عن علاقة غرامية بين شاب صغير وأمراة كبيرة نسبيا عن الشاب وكانت غيرة الشاب من زوج المرأة فتقرر المراة في ليلة قتل زوجها وكان الزوج كثير الشرب وهو ما سهل عملية القتل فقتلته خنقا والقت به في اسفل البئر ولتفادي شكوك الناس تظاهرت بأن زوجها ذهب للعمل لمدة 3 سنوات خارج طوكيو وتستمر العلاقة بينها وبين عشيقها الشاب ولكن الشكوك تبدأ ترواد الناس ويبدأ شبح زوجها بمطاردتهاالذي يحاكي بها حكايات الاشباح وما تقوم به من مضايقة للقاتل وتانيب لضميره ثم يتدخل القانون لحل القضية ويكشف الحقائق وكانت مدة الفيلم (108) دقيقة. ولد ناغيسا اوشيما في 31 اذار 1932 وقدم للسينما اليابانية والعالمية 25 فلما طويلا وللتلفاز 25 عملا تلفازيا واربعة افلام قصيرة وهو من رواد الموجة الجديدة التي ظهرت في اليابان سنة 1959 والتي كان من روادها (ايمامورا شوهيه ويوشوجي يوشيدا و ماسهيروا شينودا) وقد اسهم ناغيسا باول افلام هذه الموجه كمساعد مخرج وقد عمل مساعد مخرج تحت يد المخرج (كاجيرو ياماموتو) وهو من المخرجين المعروفين في فترة الحرب العالمية الثانية في استديوهاتplc ، اما اولى أعماله في الاخراج فكانت سنة 1960 وكان فيلمه يحمل عنوان (ليل وضباب في اليابان) والذي صور فيه تمردات الشباب، اما في التلفاز فكانت اولى اعماله سنة 1962 وكان فيلمه يحمل عنوان (yoth on the ice) ومدته 25 دقيقة.
فترة انسانية
لقد تميزت اعمال ناغيسا اوشيما بانه كان يظهر تفكك العائلة اليابانية وفقدانها لتماسكها الصارم وهو ما كان عكس ما قام به رواد الفترة الانسانية التي تعلي القيمة الانسانية وتهتم بها وهي فترة سابقة لفترة الموجه الجديدة ، كان اخر فيلم له يحمل اسم (تابو) وانتجه سنة 1999.
توفي ناغيسا اوشيما في 16 / 1 / 2013 وبموته طويت صفحة من صفحات السينما العالمية واليابانية والتي انطوت على الكثير من التعدي على كل ماهو مسموح به في السينما كان الهدف منه ادانة المجتمع على ما وصل اليه من عنف وجريمة وغيرها من الامور التي تمس المجتمع الياباني الذي عرف بتماسكه واحترام التراتبية فيه وعدم تجاوز الفرد الياباني على ما هو مالوف. وتتوقف السينما اليابانية لمدة تتجاوزالعقد من الزمن عن حصد الجوائز في كان ثم جاء المخرج العملاق (اكيرا كيراساوا) الذي اتحف السينما اليابانية والعالمية بالكثير من الافلام التي احدثت نقلة في السينما العالمية من كل النواحي بعد ان مر بمرحلة من الاحباطات بسبب فشل فلمه (دوديسكادن) الذي انتج عام 1970 والذي كان تسلسله 22 في سلسلة الافلام التي اخرجها، و لسبب ما اعتبر فشلآ في وقته عدم قدرة الجمهور على فهم رسالة الفيلم حيث كان اكيرا كيراساوا متقدما زمنيا على جمهور السينما وبعد هذا الاحباط جاءت سلسلة من الاحباطات لهذا المخرج لايسعنا ذكرها ولكن عاد هذا الساموراي العجوز للقتال من جديد ولينتصر بسيفه الذي حمله في كثير من المهرجانات التي فاز بها بجوائز ليقطع جائزة احسن مخرج عن فلمه (كاغيموشا او ظل المحارب) عام1980 وليحصل على السعفة الذهبية وذلك بمساعدة ودعم من كبار مخرجي السينما الامريكية امثال (جورج لوكاس وفرانسيس دي كوبولا) الذين يكنون كل الاحترام لهذا المخرج القادم من الشرق والذي تتلمذوا على افلامه التي اخرجها منذ عام 1943 والذي كان اولها فيلم (جووا ساجا او ملحمة الجودو) والى اخر فلم له والذي كان تحت عنوان (ليس بعد او لم يحن الوقت بعد) والذي انتجه عام 1993 لقد كان كيراساوا من الذين عاصروا الرعيل الاول للسينما اليابانية و كان ظهورهم الواضح بعد انسحاب القوات الامريكية وظهور الحركة الانسانية في السينما اليابانية التي اشرنا اليها و كان هو ومجموعة من المخرجين في فترة الخمسينات امثال (كينو شيتا و كوباياشي واخرون) من رواد هذه الحركة.
ولد المخرج السينمائي الياباني (أكيرا كيراساوا) عام 1910 وتوفي عام 1998 وترك للسينما اليابانية والعالمية ثلاثين فلما روائيا طويلا والذي كان منها فلم (kagemusha او ظل المحارب) والذي كان تسلسله في سلسلة الافلام التي اخرجها الفيلم رقم 24 وتدور احداث الفيلم عن احد المحاربين في القرون الوسطى تم قتله وكيف حاول افراد قريته سرد قتله كل من وجهة نظره وكان هذا السرد السبب في اخفاء موته لكون السرد كان من وجهة نظر كل منهم ولكن الحقيقة ظهرت فيما بعد. ولم تتوقف السينما اليابانية من حصد الجوائز في مهرجان كان السينمائي في فئة الاخراج حيث جاء محارب اخر من محاربي الساموراي وهو المخرج (ايمامورا شوهيه) ليحصل على جائزتين في مهرجان كان وبسنوات متفاوتة وهو واحد من خمسة مخرجين حصلوا على جائزة الاخراج في مهرجان كان مرتين حيث كانت الجائزة الاولى في عام 1983 عن فلمه (the balld of naryana او انشودة ناراينا) وتدور احداث الفيلم عن قرية صغيرة يتوقع اهلها حدوث مجاعة فيها فتظهر السلوكيات الانانية والشريرة الكامنة لدى افراد هذه القرية حتى قبل ان تصل المجاعة والقحط الى هذه القرية.
جائزة أولى
ثم عاد نفس المخرج ليؤكد حضوره مرة اخرى في مهرجان كان السينمائي وحضور بلده اليابان في الخارطة السينمائية العالمية وبدون أي تواجد لمخرج ياباني اخر منذ حصوله على جائزته الاولى في مهرجان كان عام 1983 ولكن هذه المرة عن فلمه الرائع (سمكة الانكليس او ثعبان البحر) في العام 1997 حيث تدور قصة الفيلم عن شخص يقتل زوجته بسبب خيانتها له فيسجن ثم يخرج من السجن بعد تمضيته مدة عقوبته ولكن المتاعب تطارده ولاسيما حين يقع في حب فتاة جميلة و يحاول بطل الفيلم ان يخفي ماضيه عنها وهنا يحدث نزاع داخل الشخصية وتظهر قدرة الممثل في تجسيد هذا الصراع وتظهر قدرة مخرج العمل ايمامورا شوهيه في ادارة هذا الصراع واظهار كل قدرة الممثل في هذا الصراع والسيطرة عليه. ولد المخرج (ايمامورا شوهيه) في طوكيو سنة 1926 وكانت حياته الفنية زاخرة بالانجازات حيث كانت بدايته كمساعد مخرج على يد واحد من مؤسسي السينما اليابانية وهو المخرج (ياسجيروا أوزو).
كان شوهيه من قادة الموجة الجديدة في السينما اليابانية والتي ظهرت وبرزت عام 1959 هو ومخرجين اخرين منهم (ناغيزا اوشيما و يوشيجي يوشيدا وماساهيروشينودا) وكان اول فيلم لهذه الحركة (مدينة الحب والامل) وهذه الحركة اعقبت الحركة الانسانية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية والتي كان من مؤسسيها (اكيرا كيراساوا).
لقد كانت الموجة الجديدة ساخطة ومتمردة على الاوضاع السياسية والاجتماعية في اليابان وعمل ايمامورا شوهيه في الجانب الاكاديمي والتنظيري حيث عمل ايضا كمؤسس ومدير لمعهد يوكوهاما للبث والسينما ثم تحول المعهد فيما بعد الى كلية بمنهج دراسي لثلاث سنوات اطلق عليه معهد اليابان للصور المتحركة ، كانت اخر انجازاته فيلم (المطر الاسود) وصوره بالاسود والابيض عام 1989 توفى المخرج (ايمامورا شوهيه) عام 2006 بعد ان ترك ارثا سينمائيا اضافة الى انجازه العظيم ليس على المستوى الياباني فقط وانما على المستوى العالمي بحصوله على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الفرنسي مرتين وهو انجاز مهم لكونه لم يحصل سوى خمس مرات مع مخرجين اخرين من غير دول فازوا بجائزتين منذ انطلاق هذا المهرجان السينمائي العالمي عام 1939.
هنا ينبغي ان نذكر افلاما كان لها صدى في مهرجان كان السينمائي وكان هذا واضحا في الدورة 66 لمهرجان كان السينمائي حيث حصل فيلم (الولد مثل ابيه) على جائزة لجنة التحكيم وذلك عام 2013والذي كان من اخراج (هيروكازو كوريدا) وبطولة (ماساهارو فوكوياما)وقبله كان هناك فيلم (اثنان) لمخرجه (نوبوهيروا سوا) والذي نال جائزة لجنة التحكيم في سنة 1999 وكان هذا فلمه الاول وهناك الكثير من الافلام اليابانية كانت حاضرة في المنافسة مثل فيلم (صيف كيكو جيرو) وذلك في الدور 52 والتي كانت في سنة 1999 للمخرج (كيتانوا تاكاشي)ويجب ان لاننسى المخرج الياباني المعروف (كوبايشي ماساهيرو) في شارع (لاكروازييت) اكثر من اليابان نفسها والذي كان وجوده واضح في الدورة 58 في سنة 2005 عن فيلمه (Bashin) ، ان ما تم ذكره وما لم يتم ذكره من تواجد للسينما اليابانية في مهرجان كان الفرنسي السينمائي كان نتيجة لجهود القائمين الاستثنائية لهذا الفن وهذه الصناعة منذ الوهلة الاولى ومنذ ان وضع القائمون على هذه السينما اللبنة الاساسية للشروع بالعمل في مجال الفن السابع.