الموت يغيّب الناقد والأكاديمي المغربي بنعيسي بوحمالة

 

الرباط – عبدالحق بن رحمون

بعد صراع مع المرض، غيب الموت الخميس بمدينة مكناس الناقد الأدبي والمترجم الدكتور المغربي بنعيسي بوحمالة عن سن يناهز 72 عاما، وترك رحيله صدمة في الأوساط الثقافية والجامعية، ولطالما أدهش بنعيسى بكتابته الرصينة المشهد الثقافي ، وأضاء طريق الشعر المغربي، وأزاح عنه بعض المعميات، هذا الناقد والمترجم الذي أتحف المنجز النقدي المغربي بإضافات رفيعة المستوي ولها عيار من الوزن الثقيل.

والفقيد كان من اصدقاء -الزمان -المتابعين لها والمشاركين فيها عبر الحوارات التي عقدت معه.

وبنعيسي بوحمالة كان أحد الأعضاء السابقين للهيئة التنفيذية لهيئة بيت الشعر في المغرب، وكان مشرفا علي مجلته “البيت”،

له إسهاماته الغزيرة في المشهد الأدبي ودور في مصاحبة القصيدة المغربية المعاصرة، ومواكبة منجزها بالنقد والقراءة المضيئة. وينعيسي بوحمالة الذي لمع اسمه وتخطي حدود المغرب بفضل إسهامه في تطور الفعل النقدي، له عددا من المؤلفات أبرزها “النزعة الزنجية في الشعر العربي المعاصر: محمد الفيتوري نموذجا” الصادر العام 2004 ، و”أيتام سومر: في شعريّة حسب الشيخ جعفر”، في جزأين، العام 2009، وقراءة في ديوان “بين انكسار الحلم والأمل” للشاعر المصري سيد جودة ، إضافة إلي مساهماته في كتب جماعية حول الشعر المغربي والعربي والعالمي نشرت بالمغرب وبعدة بلدان عربية.

وأما على مستوي الانفتاح على الأدب العالمي فقد ترجم بنعيسي بوحمالة منتخبات من أشعار الألماني بول سيلان والفرنسي إيف بونفوا والبلجيكي جيرمان دروغنبرودت والإيطالية دوناتيلا بيزوتي والكرواتية لانا ديركاك والسلوفاكي جوراج كونياك.

كما قدم وترجم كتابا جماعيا بعنوان “البحر الأبيض المتوسط: ضفة من تلقاء أخري” ، يضم نصوصا منتقاة لشعراء وقاصين ومسرحيين وموسيقيين، وسينوغرافيين وغيرهم من المبدعين المنتمين إلي بعض الدول المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان، مثل أليم سورغارسيا، ونينا فينيتسانو، وأمينة سعيد، وكارلوس غراسا تورو، وسيرج بي، وسلافين ماركو بيروفيتش، وأندري نيتون.

وقال الناقد والباحث المغربي خالد بلقاسم في تصريح سابق  لـ (الزمان) “إن الأستاذ بنعيسي بوحمالة اقترن اسمه في المشهد الثقافي العربي بخطاب واصف رصين، أرسى في شأن القصيدة العربية والقصيدة المغربية أيضا، وطعمه بمعرفته الواسعة للشعريات العالمية، وأيضا باشتغاله علي الترجمة. والملامح الكبري فيما أزعم يقول خالد بلقاسم والمتعلقة بالخطاب الواصف لـ: بنعيسي بوحمالة يرتبط أساسا بوعي بمسؤولية الكتابة النقدية، فهو في كتابه الأول” النزعة الزنجية في الشعر المعاصر: محمد الفيتوري نموذجا” أو في أطروحته الكتاب الباذخ “أيتام سومر: في شعريّة حسب الشيخ جعفر”، واللافت في الكتابين حرص علي استقصاء الظاهرة وتتبع تفاصيلها والإنصات لمختلف وجوهها، في مسؤولية تعي أن العملية النقدية هي عملية إنتاجية بامتياز، وتعي أيضا أن الكتابة النقدية لايمكن أن تستقيم إلا بأناة وصبر وحرص علي الإلمام بالظاهرة من مختلف وجوهها.

كما يعتبر الباحث خالد بلقاسم أن كتابة بنعيسي بوحمالة تتميز إلي برصانتها، وعمقها وحرصها علي إغناء المشهد الشعري العربي والمغربي من زاوية نقدية ومؤكدا في ذات الوقت في تصريحه أن بنعيسي بوحمالة حرص دوما أن يولي عبارته عناية بالغة، من خلال خطاب عاشق تجاه القصيدة، ومن خلال لغة لا تنسي نفسها عن الاشتغال، وإنما تفكر في الاشتغال وهي تشتغل علي موضوعها أيضا، ومن ثم يخلص خالد بلقاسم علي تأكيده علي أن كتابات الناقد والمترجم بنعيسي بوحمالة فاتنة علي مستوي العبارة، وعلي مستوي التقاط مواقع القراءة، وعلي الحرص علي أن يكون الزمن المحرك للخطاب الواصف النقدي، خطابا قادما من شعرية بادخة. إلي جانب الكتابين يقول خالد بلقاسم لاننسي أن بنعيسي بوحمالة أسهم في كتب جماعية وكتب مقالات متعددة، وحرصه علي الدقة وعلي التفاصيل هو الذي جعل كتابته، تكاد تبدو أنها كتابة غير معنية بالنشر السريع، وهنا يكمن حرصه علي التأني وعلي السبق.

ومن جهة أخري أكد الشاعر نبيل منصر في كلمة سابقة صرح بها لـ (الزمان) وقال إن بنعيسي بوحمالة اسم نقدي لامع بالمغرب، استند إلى النقد الدالي، من خلال الانفتاح علي مناهج نقدية أخري، يحلل النص الشعري العربي، وخاصة نص حسب الشيخ جعفر إلي جانب مقاربته فيما هو ذاتي، ولكن ينتمي إلي عمق ثقافي أسطوري، منهجي، وعبر كل ذلك يقدم تحليلا فيه كثير من شخصية الباحث، وهذا النوع من النقد يقول نبيل منصر أسس لمرحلة جديدة في النقد المغربي ماتزال تتبلور، وانضمت إليها أسماء نقدية أخري، باختلاف الرؤيا، وبمتاع معرفي متجدد، والآن بنعيسي بوحمالة يقول نبيل منصر يضيء شجرة النقد المغربي خاصة في مجال الشعر بامتياز، بلوعة بمحبة، وبعمق يستند في النهاية إلي نوع من محبة الحياة، ومقاربة الشعر. ويخلص نبيل منصر إلي وصف الناقد بنعيسي بوحمالة بأن منجزه النقدي يمتاز بكثير من المحبة والحياة والاشتغال بما هو رمزي، باعتبار أنه يشكل ظلال وأعماق الحياة.

 

مشاركة