المنطقة الخضراء بين بغداد وإقليم كردستان
فاتح عبدالسلام
اذن، هناك في داخل العراق متنفس كبير للمواطن المحاصر بأجواء القتل والدماء والحواجز والسيطرات وحرّ الصيف الذي ليس له مثيل في العالم. هذا المتنفس لدى مئات الألوف من العراقيين هو اقليم كردستان وعنوانه الأمن المستتب قبل جمال الطبيعة، وقبل موقعه الجغرافي.
يتساءل العراقيون وهم تجاوزوا مائتي ألف حسب احصائيات الاقليم الذين زاروا أربيل ودهوك والسليمانية المدن الكردية الرئيسية في العيد، لماذا لم تستطع الموازنات المالية الضخمة والامكانات العسكرية الكبيرة في بغداد أن تصنع أمناً للمواطن لاسيما في السنة الأخيرة التي شهدت انهيارات أمنية هائلة؟
الحكومة وأجهزتها لهم اجابات جاهزة حول وجود ارهابيين ومعارضين يريدون استهداف التجربة السياسية ورموزها في العراق. لكن سؤالاً آخر يرهق المواطن، هو لماذا لم تستطع هذه التجربة أن تنجح في توفير مستلزمات الحياة.. وليس الموت للعراقيين.. وإذا كانت تجربة فاشلة على حسب ما يرى المرء ويعيش فِلمَ لا تكون هناك تجربة جديدة. ويبدو انَّ هذا السؤال محرم وجزء من المؤامرة التي يشعر السياسيون انهم مستهدفون بها.
في داخل اقليم كردستان، يكتشف المواطن العراقي الآتي من بغداد وبقية المحافظات كذبات أمنية وسياسية كثيرة كان يعيشها يوميّاً، حين يرى انَّ المدن الكردية تحافظ على أمنها بخطط لا تعوق حركة الانسان ولا راحته الشخصية والعائلية ولا يوجد فيها شارع واحد مقطوع بحواجز كونكريتية، تلك الحواجز التي أصبحت عنواناً أمنياً رئيسياً في بغداد ومدن عراقية أخرى،
لا أريد الخوض في أسباب فشل تجربة سياسية في سطور قليلة، كانت على وفق مختلف الآراء وراء فقدان الأمن وتذمر الملايين.
لكن ألفت النظر هنا إلى إنَّ رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني يتجول بين مواطنيه بشكل عادي ويحضر احتفالات شعبية ويمرُّ ماشياً في أوساط المحتفلين لوحده الى منصة إلقاء الكلمات وقد شاهدته بنفسي في احتفالات عيد نوروز الماضي بحديقة كبيرة في أربيل. ان في اقليم كردستان قيادات سياسية ومقرات عسكرية وأمنية لا تخلو من مكاسب خاصة أحياناً، لكنها ليست جاثمة فوق صدور الناس. ولا يوجد منطقة خضراء تتفوق بامتيازاتها على مناطق الناس..الحمراء والصفراء والسوداء.
هناك نواقص كثيرة في اقليم كردستان كما حدّثني بها رئيس الاقليم في لقائي الصحافي معه المنشور في الزمان في بداية كانون الأول الماضي، لكنها أمور تخص خطوط الطموح في الاقتصاد والتنمية الزراعية والاكتفاء الذاتي من المنتوج والغذاء والتصنيع.
لكل تجربة نواقص ومنجزات. لكن حين تكون النواقص أكبر بكثير من المنجزات، تخرج التجربة برمّتها من سكة بناء الدولة إلى غابات التخبط والمجهول والصدف التي غالباً لا تكون سعيدة.
شتّان بين إقليم أخضر بالكامل مفتوح لجميع العراقيين.. ومنطقة خضراء للنخبة السياسية محاصرة في بغداد.
AZP20