المعرض التقليدي بالرباط

المعرض التقليدي بالرباط
شرابيل للعاشقات وقفاطين للعرائس وبلغات للوقورين وحلي للمسحورين
فيصل عبد الحسن
ما تنقله الأزياء والمقتيات الشخصية، والتطريزات على القماش، والقلائد من رسائل عديدة للآخر كان موضوع معرض المشغولات اليدوية والفلكلورية الشعبية الأفريقية، الذي نظمته مؤسسة شرق غرب بالرباط مؤخراً.
وفي هذا المعرض أدهشت الزوار أشكال مناديل الرأس وسحر تطريزاتها، ونقلتهم أزياء مغربية وأخرى أفريقية إلى قلب أفريقيا، وغاباتها، وبساطة العيش في قراها ومدنها الصغيرة.
كما أن طرائق تزيين غرف المعيشة، وسينوغرافيا غرف الصالون، ببساطتها وعفويتها، وأشكال مقتنياتها، التي تركز على الجمالية والخدمية، في آن واحد، التي بدت في معروضات المعرض أثارت أكثر من سؤال حول جدوى أستعمال الناس لأثاث غال وفخم وخال من الروح تنتجه الآلآت ومعامل الإنتاج الواسع.
معرض المنتوجات الشعبية أو ما يسمى هنا بالمنتوجات التقليدية، التي أبدعتها انامل حرفية، أتت من مختلف نواحي المغرب ومن انحاء مختلفة من أفريقيا.
والمعرض الذي أستمر لعدة أيام حقق لزائريه متعة بصرية وفائدة معرفية، وساهم في مساعدة المشاركين فيه مادياً، كون معظمهم من اللاجئين الأفريقيين، الذي وفدوا إلى المغرب طلباً للأمان بسبب الحروب في بلدانهم، أو لأسباب أقتصادية بسبب أنتشار الجفاف في امكنة كثيرة من القارة الأفريقية.
قلائد سحرية
اكثر من مئة حرفي تقليدي شاركوا في صنع معروضات المعرض، ونقلوا مفاهيهم للجمال عبر ما إبدعته أناملهم.
وقد خصصت خيمة لكل نوع من أنواع المعروضات، ومن بينها، خيمة للحقائب اليدوية، التي حرص الصانع على نقش صور أبطال تأريخيين على واجهتها كصورة عبد الكريم الخطابي والملكة الأمازيغية ديهيا، وأرنستو دي جيفارا، أضافة إلى رسوم حروف ورموز أمازيغية، وصور أطفال من جبال اطلس.
وفي خيمة أخرى تخصصت بعرض الحلي والقلائد الأفريقية، وقد تنوعت الخرزالملونةالمستعملة في هذه الحلي، وقد جلبها الصانعون الأفريقيون معهم من بلدانهم.
وأغلى القلائد ثمناً هي القلائد السحرية مما عرض في المعرض، والقلائد السحرية عملت من خرز يعتقد الأفارقة أن له تأثيرات سحرية على من يتزين بها، فهي حسب أعتقاداتهم تعطي الثقة بالنفس، وتزرع الأمل في نفس من يضعها حول رقبته.
والفنون التلقيدية من أكثر الفنون نبلاً، فهي تتسبب في متعة الناس وفائدتهم، ويبقى مبدعها مجهولاً، لا أسم له يعرف، فهو لا يرجو من وراء إبداعه الفني شهرة أو مجداً.
وعادة يعيش الصانع التقليدي، ليمتع الآخرين ويسعد بأقتناء أعماله بأزهد الأسعار، لينفق على نفسه وعائلته، ولكي يستمر فيما يبدع لبهجة الناس وفائدتهم.
النزوح إلى أوربا
وتتنوع الأزياء المغربية المعروضة من قفاطين وجلابيات، وتكشيطات مختلفة للعروس، وأنواع اللباس الفاسي، والأزياء الأمازيغية، وجميعها بأسعار زهيدة تتراوح بين 300 درهم إلى 1000 درهم مغربي، الدولار يساوي ثمانية دراهم مغربية.
وتعتبر اسعار معروضات المعرض أقل بكثير مما يباع في الأسواق المحلية، وذلك لأن الصانع يبيع مباشرة للزبائن، ولا يوجد وسيط بين الأثنين هو التاجر الذي في العادة يرفع سعر البضاعة التقليدية عند عرضها في السوق إلى اضعاف ثمنها الحقيقي.
اضافة إلى ذلك أن كراء المكان الذي تعرض فيه المعروضات زهيد جداً، لأن الجهة التي سهلت لقيام المعرض هي مؤسسة فرنسية إنسانية، تقوم على تقديم الخدمة الإنسانية لمساعدة الأفارقة النازحين من بلدانهم في المغرب.
ومحاولتها خلق فرص عمل للنازحين للحياة والأستقرار في المغرب بدلاً من نزوحهم إلى أوربا، وخلق مشكلة مهاجرين غير شرعيين في دول أوربا، التي تعيش بعض دولها حالياً فترة أزمة أقتصادية حقيقية.
البلغة والشربل
البلغة الرجالية والشربل النسائي كان لهما مكان أثير بين المعروضات في المعرض، والبلغة هي ما يوضع في القدم، وقد جاءت تسميتها من بلوغ الهدف أما الشربل، وهو أيضا ما يوضع في قدمي المرأة والتسمية قديمة وتعود إلى أصول أندلسية إذ كانت تسمى serilla ثم تم تحريفها بفعل الزمن، فصارت تسمى بالشربل النسائي.
وأهم الأنواع من البلغة هي البلغة الفاسية، التي تصنع من الجلد الأصفر بينما يعمل الشربل النسائي في فاس والصويرة من الحرير، وتصنع يدوياً، وتطرز بخيوط ذهبية وفضية، وهناك أنواع أخرى من الشربل الذي يحاك من القش، ويلون بألوان عديدة، فيكسبها جمالاً آخاذاً.
وفي العادة كانت السيدات في المجتمع المغربي، والأندلسي تنادى بصاحبة الشربيل، ولا يذكر أسمها حياء وتوقيراً، وتحكي الروايات التأريخية في المغرب عن أحد العشاق إنه أقسم أنه حين يتزوج حبيبته، فهو سيجعلها تمشي على الذهب.
وحين تحقق له الهدف وتزوج الفتاة التي أحبها، وأراد البر بقسمه، ولكنه لم يكن يملك الكثير من الذهب لتمشي فوقه زوجته.
فطلب من الفقهاء تخريجاً فقهياً لقسمه، فوصفوا له صانع شرابيل في فاس، يحوك شرابيله من خيوط الذهب وكذلك فهو يجعل ما يمس القدم من الأسفل من الذهب أيضاً، وما أن تمشي العروس بشربيلها الذهبي، فإنه سيبر بقسمه.
أرواح الحرفيين
ليس فقط ما عرض في المعرض من شرابيل للعاشقات وقفاطين للعرائس وبلغات للوقورين وحلي للمسحورين بل هناك الكثير من المفاهيم حول طرائق العيش المختلفة أشاعها المعرض التقليدي بين زوراه.
وحامت حول الأشياء المعروضة أرواح أولئك الحرفيين الذين أمضوا الوقت والجهد لصنع الجمال، ولم يضعوا على ما أبدعوا من جمال توقيعاتهم ولا أسمائهم.
جنود مجهولون نفثوا من أرواحهم، وما ورثوه عن الأجداد من معارف وتقنيات، لما بين أيديهم من مواد أولية وأعطوها قيمة أكبر مما هي عليه حين تكون خاماً بين الخامات.
نمر يومياً على ما عرضوا من بضاعة صنعوها في عزلتهم، في أكواخهم، في قلب الغابات أو في بيوت صفيحيةعلى أكتاف المدن الكبيرة، وسفوح الجبال، وفي الصحاري المجدبة.
وربما نلتفت لوهلة لنداء خفي من هذه المشغولة المعروضة، أو ذلك الشرشف المطرز بالورود الجميلة، أو تلك الورود التي نسجت من الحرير، وزينت بخيوط الذهب، وربما نلبي النداء أو لا نلبي النداء، ولكن يبقى الحرفي المجهول ينتج لأغناء الحياة بالسحر والبهجة.
AZP09

مشاركة