المصالح الأمريكية

المصالح الأمريكية
أحمــد المرشــد
اعتقد انه لم يكن امرا جديدا ان يتهم مسؤول امني عربي الولايات المتحدة بانها تبحث فقط عن مصالحها وانها لا يهمها مصالح الآخرين، وانها في سبيل تحقيق اهدافها تدهس حرية الاخرين ومعتقداتهم . ولكن الامر الجديد في اعتقادي هو ان ينسحب مسؤول امريكي من منتدي مهم بمجرد ان يسمع تلك الانتقادات ولا تتوفر لديه الجرأة السياسية لمواجهتها رغم انه كان متاحا له ذلك. والمؤكد ان الحقيقة الساطعة صدمته، ربما لم يكن هذا المسؤول يتوقع ان يتحدث العرب بتلك الشفافية والتلقائية الشديدة عن رأيهم في الولايات المتحدة الامريكية، وان العرب لم يعد تردعهم القواعد الدبلوماسية وادب الضيافة واكرام الضيف، فالحرية التي يتشدق بها الامريكيون اصبحت سمة في العالم الآن، وطالما كان من حق الجميع ان يتحدثوا بحرية، فمن حق العرب ايضا ان يتكلموا كلاما مفيدا وان يفصحوا عن رأيهم الحقيقي في امريكا سيدة العالم الحر كما تدعي.
الحكاية ببساطة شديدة هي انسحاب السفير الامريكي لدي المنامة من ندوة علي هامش مؤتمر “الأمن الوطني والأمن الاقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية” الذي استضافته مملكة البحرين مؤخرا، عندما وجه الفريق ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي، انتقادات شديدة للسياسة الأمريكية في المنطقة واتهمها بالعمل لتنفيذ المشروع الايراني الصفوي وتصدير ثورة الخميني، وطالب الأمريكيين بأن يكونوا واضحين في سياستهم مع الدول العربية والقضية الفلسطينية، وتسببت هذه الانتقادات في خروج السفير الأمريكي في البحرين من المؤتمر. في حين ان الفريق ضاحي خلفان لم يقل سوي الحقيقة عندما اشار الي ان الولايات المتحدة لا تبحث سوي عن مصالحها اما الآخرون فلهم رب يحميهم.
وربما يكون هذا الموقف ردا شافيا علي ما كتبه بعض الصحفيين العرب الذين يتهمون ادارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بانها تناصر حكام الخليج وليس شعوبه، وذلك طمعا في الثروات النفطية بالمنطقة وانها ــ اي واشنطن ــ تنافق الانظمة الخليجية حتي تستفيد من اخر قطرة نفط .. في حين ان واشنطن وقفت الي الشعوب العربية الأخري ــ الانظمة الجمهورية ــ ضد انظمتها الحاكمة . وكان رأي هؤلاء انه رغم اعتراف الولايات المتحدة بان المنطقة تمر بحالة تغير سريعة تعصف بكل الكيانات القديمة، فان هذا لا يمنع ان تقف الولايات المتحدة وبقوة خلف الأنظمة الملكية في الخليج، رغم مطالبة واشنطن لملوكها باجراء بعض الاصلاحات السياسية لارضاء شعوبها، مثل التحول الي نظام الملكية الدستورية.
ولهؤلاء واولئك نقول ان منطقة الخليج ليست بمصائر بقية الدول العربية الأخري، فشعوبها تعيش حالة اقتصادية مرتفعة رغم الازمات المالية و الاقتصادية العالمية، وليس صحيحا ان واشنطن وهي تبتعد عن الأنظمة الاستبدادية في المنطقة حسب قولها، تزداد قربا من الأنظمة الملكية، رغم ادراكنا ان من مصلحة واشنطن الابقاء علي استقرار دول الخليج، وهذا مرجعه طبعا هو تغليب لغة المصالح أولا وأخيرا.
فالولايات المتحدة كما قال ضاحي خلفان في محاضرته تعيش مجموعة من الازمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ومن اجل حل مشاكلها الداخلية تعمل علي خلق ازمات بالخارج ، فهي تحقق انتعاشا من تلك الأزمات الخانقة التي توجدها في العالم عبر اجهزتها واذرعتها المتعددة. فهي تمنع تماما ظهور أي قطب منافس للولايات المتحدة سياسيا او اقتصاديا، وتنحاز نحو اليمين المتطرف الذي يلبي طموحاتها في الهيمنة علي اقتصاديات العالم. وتكرس استراتيجية مدروسة بعناية فائقة ، من اجل تحقيق هذا الهدف عبر تحطيم أي عملة دولية جديدة منافسة في أسواق التداول العالمية »اليورو« .. ثم نأتي للاستراتيجية الاهم وهي العمل علي قيادة العالم بهيمنة التفوق العسكري الأمريكي.. تلك هي اسس مشروع الامبراطورية الأمريكية، والتي تتحدد استراتيجيته في السيطرة المباشرة علي منابع النفط العالمي والتحكم بكل عمليات التنقيب والانتاج والتسويق والأسعار عبر وضع اليد علي مواقع النفط العربي والأفريقي والآسيوي من خلال السيطرة الجيوسياسية. ثم السيطرة الاقتصادية عبر اقتصاديات السوق الحر والسيطرة المطلقة للدولار كقوة مالية مغطية للديون الأمريكية كونها عملة وطنية أمريكية سواء كانت بالتلاعب بقيمتها الأصولية تخفيضاً او اصداراً يغرق سوق التداول بغطاء حكومي.
وقد نشير هنا الي دراسة بحثية مرموقة ربطت بين ظهور المشروع الأمريكي الامبراطوري بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانحسارية الماركسية اللينينية، من خلال تبني استراتيجية استعمارية تحت غطاء الديمقراطية والاصلاح ومكافحة الارهاب بعد اختلاق العدو الوهمي »الاسلام«. فجاءت أحداث »11 سبتمبر« لتكون اشارة الانطلاق لهذا المشروع المؤسس له منذ عقدين فجاء الغزو الأمريكي علي أفغانستان ثم العراق .
وتؤكد الدراسة البحثية ان الولايات المتحدة ابعدت او غيبت المضمون القانوني ــ الأخلاقي في آليات عمل المشروع الامبراطوري الأمريكي، ومن ثم انتهكت الشرعية الدولية وضوابط والتزامات القانون الدولي المنظم للعلاقات الدولية وآليات عمل منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن .. والدليل هو غزو العراق عبر تغييب الاطر القانونية والسياسية والأخلاقية لهذا المشروع في السلوك السياسي للادارة الأمريكية، فجاء قرار شن الحرب علي العراق قرارا امريكيا صرفا بدون اي غطاء أي قرار أممي. والذرائع والحجج التي سوغتها الادارة الأمريكية قد انكشف زيفها رسميا وعلي حد اعترافات الادارة الأمريكية نفسها.
العراق كان نموذجا مصغرا للمنطقة، فالمشروع الامريكي لم يتوقف علي دولة بعينها وانما منطقة الخليج و الوطن العربي والمحيط الاقليمي ومن ثم العالم بأممية جديد عبر دمج العالم تحت الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية.
اجمالا.. ليس امامنا نحن الخليجيون علي الاقل في الوقت الراهن سوي الانتباه لطبيعة هذا المشروع التوسعي، وبحث كيفية مواجهته عبر تنويع مصادر التعامل مع العالم، فهذا العالم ليس الولايات المتحدة فقط، فهناك قوي عالمية اخري تتمثل في الصين وروسيا والاتحاد الاوربي ودول مجموعة العشرين، فعلينا تنويع مصادر السلاح وعدم الاعتماد علي السلاح الامريكي فقط، وكذلك تنويع تعاملاتنا النفطية واستثماراتنا وتوسيع قاعدة التعامل المالي بحيث لا تقتصر علي الدولار، فهناك سلة العملات التي تتبناها الكويت مثلا وتجنبها تلاعبات الدول في عملاتها، واذا لم يكن سلة العملات امرا ممكنا، فأمامنا اليورو رغم خسائره الحالية، خاصة وان جزءا كبيرا من الودائع الخليجية توجد في المصارف الاوربية.. ثم امامنا الاتحاد الخليجي بكامل مشتملاته السياسية والاقتصادية لنكون قوة وتكتلا اقليميا وعالميا يستطيع مواجهة المشروع الامريكي ممتد المفعول زمنيا ومكانيا.
كاتب بحريني
/2/2012 Issue 4113 – Date 4- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4113 – التاريخ 4/2/2012
AZP07