المساعدات تمنع الإنهيار
باترك ور ــ القاهرة
وجهت الأزمة السياسية في مصر ضربة لآمال في اقالة الاقتصاد من عثرته بسرعة لكن مساعدات الحلفاء الخليجيين ستقي البلاد من الانهيار المالي على الأرجح.
وأدت مصادمات بين أنصار الرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي وقوات الأمن الى مقتل ما لا يقل عن 830 شخصا منذ الأربعاء الماضي في أسوأ أحداث دموية في تاريخ مصر الحديث.
وكانت الحكومة التي تولت مقاليد الحكم بعد الاطاحة بمرسي الشهر الماضي تأمل في اصلاح بيئة الأعمال وجذب استثمارات عبر تحسين الوضع الأمني وازالة العقبات اللوجستية وضخ أموال جديدة. وكان ذلك كفيلا بخفض حدة التوترات الاجتماعية بتوفير الوظائف وتحسين مستوى المعيشة.
لكن أعمال العنف الأخيرة ربما أحبطت هذه الآمال لأشهر مقبلة على الأقل. واذا استمر تدهور الأوضاع قد يتباطأ الاقتصاد بشكل أكبر عن نسبة النمو الهزيلة في الربع الأول هذا العام والتي بلغت 2.2 في المئة. وهذه النسبة لا تسمح بخفض البطالة التي بلغت نحو 13 في المئة حسب الأرقام الرسمية.
وقال سايمون كيتشن الخبير الاستراتيجي في بنك اي.اف.جي هيرمس اذا شهدت ارهابا وتفجيرات على نطاق واسع فلن تتعافى السياحة أو الاستثمار الداخلي وستتواصل هجرة رؤوس الأموال.
لكن بعد خلع مرسي وعدت السعودية والكويت والامارات مصر بمساعدات وقروض وشحنات وقود باجمالي 12 مليار دولار. وصل من هذا المبلغ خمسة مليارات فعليا بسرعة غير معتادة تشي بالأهمية التي توليها دول الخليج لاستقرار مصر.
وهذا يعني أن أزمة ميزان المدفوعات أو انهيار المالية العامة للدولة التي لاحت في عهد مرسي لم تعد واردة.
وأشار الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أمس الاثنين الى أن السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم مستعدة لتقديم مليارات اضافية لمصر اذا لزم الأمر.
وقال الفيصل أما من أعلن وقف مساعدته لمصر أو يلوح بوقفها فان الأمة العربية والاسلامية غنية بأبنائها وامكانياتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر.
ويتوقف كثير من الأمور على ما اذا كان الصدام بين الجيش والاسلاميين سيتطور الى صراع مسلح. وحتى اذا لم يحدث ذلك فمن شأن أعمال العنف الأخيرة أن تضر الاقتصاد لأشهر مقبلة.
وقد لا تتعافى السياحة قبل العام المقبل على أحسن تقدير. وفي عام 2010 زار مصر 14.7 مليون سائح حسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وفي أعقاب ثورة 2011 تراجع عدد السائحين الى 9.5 مليون قبل أن يرتفع العدد الى 11.2 مليون خلال 2012. وتسهم السياحة مباشرة بنحو سبعة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي لمصر طبقا للهيئة العامة للاستعلامات.
وعلى خلفية أعمال العنف الأخيرة علقت شركات سياحة أوروبية مجددا رحلاتها الى مصر وحذرت الولايات المتحدة مواطنيها من السفر الى مصر. واستأنف مستثمرون أجانب كبار مثل جنرال موتورز وبي.ايه.اس.اف الألمانية للكيماويات والكترولوكس السويدية للأجهزة المنزلية أعمالهم جزئيا أو كليا في مصر هذا الأسبوع بعد اغلاق لعدة أيام.
وستباشر هذه الشركات أعمالها على الأرجح الا اذا تفجرت أعمال العنف على نطاق واسع لاحقا. لكن وجود درجة من الاضطرابات والتوترات السياسية ولو منخفضة في الأشهر المقبلة قد يضر بالاقتصاد بصورة غير جوهرية اذ قد يصبح المشترون الأجانب أكثر حذرا في التعامل مع الصادرات المصرية.
وقد تكون جهود وضع المالية العامة لمصر الهشة بشكل كارثي على طريق مستدام واحدة من ضحايا أعمال العنف الأخيرة. فقد ورثت الحكومة المدعومة من الجيش عجز موازنة بلغ 3.2 مليار دولار شهريا منذ يناير كانون الثاني أي نحو نصف الانفاق الحكومي.
وتتوقع هذه الحكومة البقاء حتى مطلع العام المقبل فقط ليتم استبدالها بعد الانتخابات المقررة وبالتالي ليس لديها تفويض شعبي باتخاذ اجراءات كبيرة لتقليص عجز الموازنة. ومع انشغالها بالصراع مع الاخوان تقل قدرتها على الدفع باتجاه اصلاحات اقتصادية ذات حساسية سياسية على الأرجح.
وقال جون سفاكياناكيس رئيس قسم استراتيجيات الاستثمار بمجموعة ماسك السعودية اذا تواصل العنف سيقل الدعم السياسي للحكومة باتجاه السيطرة على عجز الموازنة من خلال خفض الدعم.
لكن العجز عن اصلاح المالية العامة قد لا يصبح مشكلة كبيرة ان استطاعت مصر جذب موارد من دول الخليج الثرية المصدرة للنفط ومعظمها يرى أن سحق الاخوان المسلمين أولوية جيوسياسية لأنهم يرون في الجماعة تهديدا طويل الأمد لممالكهم.
وبلغ احتياطي النقد الأجنبي المصري 14.9 مليار دولار نهاية يونيو حزيران قبل وصول أي من المساعدات الخليجية المعلنة في يوليو تموز. وبدون تدفق المساعدات تراجع الاحتياطي بما بين مليار وملياري دولار شهريا. وبالتالي فقد تغطي هذه المعونات عجز الميزان الخارجي حتى مطلع 2014.
والمساعدات الخليجية المعلنة الى الآن تغطي عجز الموازنة بضعة أشهر فقط. لكن الثقة الناتجة عن هذه المعونات تساعد الحكومة في تمويل القسم الآخر من العجز بالاقتراض. وتراجع العائد على أذون الخزانة الحكومية بعد خلع مرسي لكنه ارتفع مجددا بسبب أعمال العنف الأسبوع الماضي. لكنه يظل أقل بنقطتين مئويتين أو أكثر عن أعلى مستوى بلغه في عهد مرسي. الأهم أن مصر تستطيع كما قال الأمير سعود الاعتماد على مليارات اضافية من الخليج اذا أدت أزمتها السياسية الى هجرة جديدة لرؤوس الأموال أو تأجيل الانتقال للحكم المدني.
وهذا كفيل بتعويض أي خسائر محتملة على مصر في حال قيام الاتحاد الأوربي أو الولايات المتحدة بخفض المساعدات الاقتصادية والعسكرية للقاهرة اعتراضا على أحداث القتل.
وكان الاتحاد الأوربي وهيئات مالية دولية وعدت مصر العام الماضي بمنح وقروض قيمتها خمسة مليارات يورو 6.7 مليار دولار على عدة سنوات ولم تصل سوى نسبة هامشية من هذه الأموال وحجب الكثير منها بعد فشل القاهرة في تحقيق الاصلاح الديمقراطي. وتمنح واشنطن مصر سنويا مساعدات عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار ومساعدات اقتصادية 250 مليون دولار فقط.
وأنفقت قطر التي تتمتع بعلاقات جيدة مع الاخوان نحو أربعة في المئة من ناتجها الاجمالي لدعم مصر قبل سقوط مرسي. وتشير التقديرات الأولية الى أن القاهرة قد تحصل على 40 مليار دولار أخرى فضلا عن التعهدات المعلنة الشهر الماضي اذا أرادت السعودية والامارات والكويت تقديم مساعدات توازي المساعدات القطرية. وقد بلغ فائض الموازنة السعودية 1.3 مليارات دولار في عام 2012 وحده. لكن حتى ان حدث ذلك فالاعتماد الضخم على المساعدات يمثل رهنا لمستقبل مصر لأن معظم هذه المساعدات قروض يتعين سدادها في نهاية الأمر.
بيد أن هذه الأموال تمنح القاهرة مساحة للمناورة. وقال فريق التخطيط الاقتصادي بالحكومة أمس الاثنين ان الحكومة ستعمل على جذب استثمارات أجنبية جديدة لاسيما من الدول العربية لتمويل الموازنة واستيراد السلع الأساسية.
ووعدت الحكومة بالاسراع في تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص خاصة في شق الطرق والصحة وبناء المستشفيات ومنح أولوية للمشاريع الاستثمارية التي تؤثر على الحياة اليومية للمواطن. وقد تجعل أموال الخليج من هذه المشروعات واقعا.
وتبرهن مرونة البورصة المصرية على أن المساعدات الخليجية حافظت على آمال التعافي الاقتصادي. فرغم أن سوق الأسهم تراجعت أربعة في المئة تقريبا منذ اندلاع العنف الأسبوع الماضي فهي لا تزال مرتفعة 21 في المئة عن مستواها في يونيو»حزيران.
ومنذ الأسبوع الماضي اتسعت الفجوة بين السعر الرسمي للجنيه وسعره بالسوق السوداء أمام الدولار ــ والتي اختفت تقريبا في الأسابيع الأولى بعد عزل مرسي. لكن الفجوة تظل أقل من اثنين في المئة بينما وصلت الى سبعة في المئة أو أكثر في عهد مرسي.
رويترز
/8/2013 Issue 4488 – Date 21 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4488 التاريخ 21»8»2013
AZP07