المرجعية والعقل
قيل وهذه المفردة اللغوية (قيل) استعملها كما جرت العادة لتضعيف الروايات والأخبار: ((ان من مات ولم يعرف أمام زمانه مات ميتة جاهلية)) والحق لا أكاد استوعب ابدا كيف يتقبل البعض مثل هذا القول ويرومون تطبيقه في وقتنا الراهن على اساس أن من مات ولم يعرف أمام زمانه (المرجع الأعلى أو رجل الدين الاعلم) مات كما ماتت العرب قبل ظهور الدعوة الإسلامية، في وقت يتناسى فيه القائلون بهذا القول أمورا صرح بها القرآن الكريم منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى :
((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) سورة البقرة)) ، ثم يأتون مرة أخرى بقول آخر مفاده: ((يجب أن تتبع المرجع الديني أو الإمام الأعلى في كل ما يوجهك إليه من أمور دينك ودنياك من غير أن تسأل نفسك أو أن تطيع عقلك)) وإزاء قولهم هذا اقول متسائلا : هل من المنطق أن أهمل عقلي تجاه شخص انتخبه أو عينه عقلي نفسه؟ أو بعبارة أخرى مطولة قليلا: كيف لهم تحقير العقل وتصغيره لدرجة سمحوا له بالتدبر والتفكير لإنتخاب الإمام الاعلم من بين مجموع الأئمة، ثم منعوه من التدبر والتفكير فيما يقوله المنتخب مع علمهم ان المنتخب ليس معصوما كما الأنبياء والأئمة الاطهار؟
حقيقة أن هذه التساؤلات مرهقة نوعا ما وحقيقة أخرى أنني لا اروم من اثارتها في هذا المقال إلى الترويج للمعتقد القائل : بعدم وجوب التقليد أو المرجعية الدينية أو فاعليتها وضرورتها للمجتمع المسلم وغير المسلم، بل على العكس من ذلك أنا شخصيا من أشد المؤيدين لايدلوجية التقليد، وقد اتخذت من فكرة التقليد منهجا حتى في اموري الدنيوية ومتعلقات العمل، وذلك منذ مدة ليست بالقصيرة، فعلى سبيل المثال ومنذ بدايتي العسكرية في الجيش العراقي بحثت عن شخص اجعل من سيرته وما يقوم به مرجعا لي في القضايا التي تواجهني في الحياة العملية وقد وجدت ذلك في سيرة أحد اعلام الجيش العراقي، كل ذلك لاني مدرك تماما أهمية المرجعية فيما يعجز عقلي عن فهمه ولاني مدرك بدرجة اكبر ان المرجع الديني لم ولن ينفعني في مثل تلك الامور لعدم احتكاكه بمثلها، ومن هذا المنطلق اتسأل قائلا: لماذا لا توجد دعوة صادقة إلى ما يمكن أن نسميه (بالتخصص المرجعي) اي بمعنى لماذا لا يصح تقليد أكثر من مجتهد كلا بحسب ما يبرع به من علوم أو يختص به من عمل، فرجل الدين هذا مرجعا لنا فيما يتعلق بالعبادات، ورجل الدين ذاك مرجع لنا فيما يتعلق بالمعاملات هذا مرجعي فيما يخص أمور الدين وذاك مرجعي فيما يخص أمور الدنيا … مع العرض ثمة أصوات على مر التاريخ لا يمكن التغاضي عنها تصدح دائما ان السياسة ليست من واجبات المرجع ، أليس من الأفضل لنا أمام تلك الأصوات وأمام يقيننا القائل أن علمية رجل الدين في أمور الدين لا تعني ضرورة علميته في أمور الدنيا وأمور أعمالنا اليومية أن نعمل وفق نظام التخصص المرجعي، ونبدأ من اللحظة بالبحث عن مرجعيتنا في كل مفصل من مفاصل حياتنا، لعل في مثل تلك الدعوة ما هو خارج عن المألوف، ولكنها دعوة ولدتها أسئلة نعتقد أنها أسئلة منطقية، أسئلة لا تزال معلقة بلا جواب شاف ،أسئلة قد لا يجرؤ البعض على اثارتها لكونها تتناول ما يعرف بالمقدس، أسئلة قد لا يثيرها البعض لاعتقادهم أن لا طائل منها…
حسن الفتلاوي