المخطط الأمريكي للشرق الأوسط 9
اللوبي اليهودي وتأثيره على الكونغرس ومخططات تفكيك العراق إلى 3 محميات
تأليف: باولو سنسيني
ترجمة وتحرير: مالك الواسطي
تقدمة المؤلف
إن الاحداث التي نعيشها اليوم والتي تمثل لنا “حاضرنا المعاش” ، تظهر لنا اليوم أكثر ضبابية وعتمة وكأنها محاطة بهالة من الغموض وعدم الفهم. فحاضرنا قد نجده اليوم خاضعا لوسائل الاعلام التي يستطيع اصحابها أن يقنعوا الآخرين بما يرونه هم دون غيرهم حتى وان كانت تلك الرؤى غير متطابقة والواقع نفسه. إذ يكفي أن تقوم المؤسسة الاعلامية بـ”تكرار” الخبر على العامة لتتمكن من اقناعهم بما تريد. فالأيديولوجيات أو “القص الايديولوجي” الذي كان السمة الاكثر شيوعا في حياة العصر ابتداء من منتصف القرن التاسع عشر حتى بداية الالفية الثانية والذي كان محور الاحداث المؤثرة في حياة المجتمعات أي في حياة الملايين من البشر لم يعد اليوم المصدر الرئيس الفاعل في صياغة الاحداث وتفاعلها.
فالأمر هنا يكمن في ماهية الدوافع التي دفعت مرسل الرسالة الى ارسالها لموظفين يعملان في مكتب التطوير الدولي للشركة وفي مقرها بإسرائيل بالذات وما هي العلاقة التي تربط هذين الموظفين بالهجوم على البرجين؟ فهل تم اختيار الموظفين صدفة أم أن اعلام هذين الموظفين قد جاء لهدف مبرمج؟ والتساؤل نفسه يمكن قوله حول اختيار مرسل الرسالة المعلنة عن وقوع الهجوم شركة Odigo ، وهل كان هذا الاختيار مصادفة أم جاء لهدف مبرمج؟ وماذا لو كان هذا المرسل للرسالة واحدا من المتعاملين مع الشركة أي انه مسجل بسجل قسم الخدمات التابع للشركة فإن العاملين في الشركة يستطيعون بسهولة مطلقة معرفة مصدر الرسالة كما أن الموساد أو الـ FBI لما يمتلكونه من اجهزة قادرين على معرفة مصدر الرسالة ومكان تواجد المرسل لحظة أرساله للرسالة الالكترونية ومن الجدير بالأمر أن نشير الى أن شركة Odigo قد تم شراءها عام 2002م من قبل شركة Comverse Technology التي تقوم بتزويد المؤسسات القضائية الامريكية بالأجهزة الالكترونية وبرامج السوفت وير المتطورة والتي تعمل على التنصت وتتبع أثر المكالمات الهاتفية على شبكة الاتصالات وفي الفترة الاخيرة قامت الشركة بتزويد جهاز الـ FBI بنظام تتبع وانصات على شبكات الاتصال يسمح بتسجيل المكالمات حتى تلك التي تمر عبر اجهزة المودم علما بأن بعض برامج التنصت وتتبع اثر انشطة شبكة الانترنت قد جاءت في مفترة برمجتها مدعومة بنسبة 50 بالمئة من وزارة الصناعة والتجارة الاسرائيلية. فالتساؤل المركزي في هذا الموضوع بالذات هو من يكون مرسل تلك الرسالة ومن أي مكان أرسل رسالته؟ هل هو أحد المرتبطين بإحدى اجهزة المخابرات؟ أيكون مرتبطا بجهاز المخابرات الاسرائيلي أو في احدى وكالاتها؟ وما الذي اراده من انذار الموظفين العاملين في شركة Odigo؟ فمن يكون مرسل الرسالة ومن أي مكان ارسلها؟
يمكننا أن نفترض إن المرسل اراد مثلا الكشف عن الهجوم قبل وقوعه، فإن كان كذلك لماذا لم يتدخل شخصيا؟ أو إنه اراد ابلاغ الموظفين في شركة Odigo ليقوما هما بهذه المهمة وهذا ما قاما به ولكن بعد وقوع الهجوم أو إنه علم بأن تدخله لا ينفع في ايقاف الهجوم لضيق الوقت ولهذا أراد أن يترك أثرا يسهم في التحقيقات التي تهدف الى الكشف عن الفاعل ويكون هو بهذا الفعل في مأمن من المخاطر الناجمة عن الابلاغ المباشر. وهذا يعني بأن التهديد الذي تضمنته الرسالة الالكترونية ضد اليهود ما كان الا غطاءً يبعد الشبهة عنه. وعن هذا الموضوع المهم لم نقرأ سوى حفنة قليلة من المقالات في شهري أيلول وتشرين الاول من عام 2001م ثم نزل الستار عليه كليا كما غاب أي أثر له في وسائط الاعلام ومنها شبكة الانترنيت.
وبتواصل الاحداث وتزاحمها نلاحظ لاحقا أن الكونجرس الامريكي في شهري نيسان وأيار من عام 2002م، قد أقر بأكثرية الاصوات (352 ضد 21 في البرلمان و 94 ضد 2 في مجلس الشيوخ) تشريعين متشابهين الاول يؤكد: ” أن الولايات المتحدة وإسرائيل يوظفان قدراتهما بشكل مشترك لخوض حرب مشتركة ضد الارهاب.” وفي شهر حزيران من نفس العام أقر البرلمان وبأكثرية الاصوات (399 ضد 5) تشريعا آخر يؤكد فيه على التضامن المطلق مع الشعب الاسرائيلي ويؤكد ايضا بأن استخدام القوة من قبل الدولة الاسرائيلية مبرر وقابل للتبرير في كل الظروف. كل ذلك لم يمنع جهاز المخابرات الـ FBI من تكثيف نشاطه خاصة في تلك المرحلة الحرجة التي عاشتها الولايات المتحدة وأن يصل الى قناعة تدعوه الى اثارت مجموعة من الشكوك حول احدى الشخصيات المهمة في الادارة الامريكية الا وهو السيد Irving Lewis الذي كان يعمل مساعدا لنائب الرئيس الامريكي Dick Cheney ويتمتع بنفوذ كبير مجبرة إياه على الكشف عن اسم أحد رجالات الـ CIA السريين Lawrence Frankin والذي كان من كبار مسؤولي البنتاغون والقريب جدا من Douglas Feith و Paul Wofowitz لكنه كان يعمل أيضا لصالح إسرائيل أي أنه كان جاسوسا إسرائيليا في الادارة الامريكية. ولحق هذا الاسم اسماء أخرى كـ Steven J. Rosen و Keith Weissman اللذان كانا من صفوة قادة اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة وقد كانا من الناشطين في مجموعة American Israel Pubblic Affairs Committee التي يرمز لها بـ (AIPAC) ، حيث قاما بتزويد رجالات الموساد بوثائق سرية عبر السفارة الاسرائيلية كما قاما بتزويد بعض الصحفيين من الاتحاد الفيدرالي للصحفيين في واشنطن ببعض الوثائق السرية والمهمة في الوقت نفسه.
وبتطور هذه التحقيقات وتدحرجها الى الاعلى في الكشف عن المسؤولين المتورطين بتهمة التجسس قام السيد Wolfowitz الذي كان طموحه الرئيسي أن يكون الرجل الاول في شؤون وزارة الدفاع ، بتقديم استقالته بشكل مفاجئ لكنه سرعان ما اعيد تعينه من جديد رئيسا للبنك الدولي وبنفس الطريقة والاسلوب أي بعد أن تم تجاوز فترة زمنية قصيرة اضمحلت بها التحقيقات بدأ Douglas Feith نشاطاته في حقل التجارة بين الولايات المتحدة واسرائيل من خلال مكتب المحاماة التابع له Feith& Zell. هذا ما دفع أول صحيفة اسبانية …El Paisî من الكشف عن رأيها الذي يتطابق مع آراء الكثير من المحللين الدوليين الذين لم يمتلكوا الشجاعة الكافية بالبوح عن آرائهم قالت الصحيفة:”” لو كان وزن الدولة يقاس بمستوى تأثيرها في الاحداث فأن الدولة العظمى التي تتمتع بمثل هذا الدور ليست الولايات المتحدة بل إسرائيل”.
إن هذا الرأي شش يبدو للوهلة الاولى (قويا) أو مبالغا فيه لم يكن الا تكرارا للرأي الذي ابداه Ariel Sharon في 3 من تشرين الاول 2001م مجيبا Shimon Pares عبر حوار بثه راديو Kol Yisrael Radio قائلا: ” كل مرة نقوم معا بعمل شيئا ما تبادرني بالقول: أن كانت أمريكا ستقوم بهذا ام بذاك؟ فأنا هنا اريد أن اذكرك بعدم الاهتمام كثيرا بالضغوط التي تقوم بها أمريكيا على اسرائيل. فنحن الشعب اليهودي مسيطرون على امريكا والامريكيون يعرفون ذلك”.
هدير طبول الحرب
إن أول عمل قامت به الولايات المتحدة عند غزوها العراق بعد سنة ونصف السنة من غزوها أفغانستان بهدف القبض على اسامة بن لادن هو قيامها بالعمل على تهيئة الظروف اللازمة لتفكيك العراق الى ثلاث محميات على الاقل في رؤية استراتيجية تتطابق وما ابداه السيد Oded Yinon في مقاله الذي نشرته صحيفة The New York Sun في 17 من تموز عام 2006م.
ونتائج هذا التدخل الامريكي كما يرى Oded قد جاءت مرضية جدا وتشكل مدخلا حسنا لرؤية مستقبلية بالرغم مما احدثه من كوارث “إنسانية” قدرت في نهاية عام 2012م بعدد القتلى العراقيين الذي تجاوز 3,3 مليون و4,5 مليون افغاني كنتيجة للاحتلال العسكري الامريكي الذي بدأ في شهر تشرين الاول من عام 2001م في افغانستان. وهذا ما دفع السيد Douglas Bloomfield ، احد المسؤولين السابقين في مجموعة AIPAC خلال مقابلة له مع قناة BBC NEWS من الاشارة الى أن AIPAC تمتلك امتيازات هائلة في كونها لا تجد في الافق من يعارضها”. وفيما يتعلق الامر بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي الذي يمثل الجرح الاكثر عمقا والذي كان ولم يزل المسبب الرئيسي لأكثر من ستين عاما عن غياب السلام في منطقة الشرق الاوسط والذي اختصره السيد Thomas L. Friedman عن صحيفة النيويورك تاميز عام 2004م في القول بأن هذه المشكلة تكمن في :” أن شارون يحتجز السيد ياسر عرفات بمكتبه في رام الله كما يحتجز بوش في مكتبه بالبيت الابيض. فشارون قد أحاط عرفات بمدرعاته وأحاط بوش باللوبي اليهودي والمسيحيين المنحازين الى اسرائيل بدء من Dick Cheney الذي يفعل ما يقول له شارون أن يفعله. كما احيط الرئيس بوش بمجموعة من السياسيين الصغار الذين يشرون على الرئيس بوش بأن لا يمارس أي ضغط على اسرائيل وخاصة في فترة يتوجه بها الامريكيون الى الانتخابات وكل نشاط هذه المجموعة يهدف الى ألا يقوم الرئيس بوش بعمل أي شيء. وبدلا من أن يمارس الرئيس ضغطه وسلطته من اجل استقرار منطقة الشرق الاوسط واسيا الوسطى أي المناطق الاكثر قلقا والاهم ستراتيجيا في العالم يتجه الرئيس بل الرؤساء الامريكيون بمختلف الادارات الامريكية الى الدعم غير المحدود لكل نشاط اسرائيلي يهدف الى خلق الفوضى وتهشيم فكرة الاستقرار في تلك المناطق كما لو أن مصير البلدين (امريكيا واسرائيل) هو مصير واحد لا يمكن الفكاك منه وبمعنى أخر نقول بان هذه العلاقة الهيكلية التاريخية الجامعة بين اسرائيل والولايات المتحدة لا يمكن لها أن تكون قد بنيت على علاقات شخصية أو على توافق مرحلي للمصالح بل انها علاقة عميقة ذات بعد التاريخي وفاعلة بشكل واضح للجميع حيث لا يستثنى من هذه القاعدة سوى الرئيس الامريكي ايزنهاورDwight Eisenhower لما تمتع به من شعبية جماهيرية هائلة جعلته قادرا على صد بعض تلك التأثيرات الوافدة من اللوبي اليهودي على انشطة الكونغرس الامريكي أو الادارة الامريكية في زمنه. إن استقلالية هذا الرئيس في رأيه كانت تمثل “اسطورة أخر جنرال أمريكي” في تاريخ الولايات المتحدة!
فلو أملينا النظر في التقرير النهائي الذي جاء نتيجة بحث معمق شارك فيه مجموعة من المحللين في موضوع “الاثار السيئة الناجمة عن العلاقة بين الولايات المتحدة واسرائيل” والذي حررته لجنة موسعة شاركت فيها وكالات المخابرات الامريكية الى جانب ممثلين عن وزارة الدفاع والوزارات ذات العلاقة لوجدنا دون ادنى شك تصورات غاية في الاهمية علما بأن هذه الدراسة جاءت بدعم وبطلب اكثر من 16 وكالة مخابرات امريكية تقدر ميزانيتها السنوية على الخزانة الامريكية بـ 600 مليار من الدولار ومن بينها وكالة تابعة للقوة البحرية الامريكية والجيش والطيران ووحدات المارينز وحراس السواحل ووزارة الدفاع ووزارة الامن الوطني والخزينة وقسم الطاقة والـ DEA و الـ FBI و الـ NSA ووكالة مخابرات السياسات الفضائية والوكالة الوطنية لحرب الفضاء والـCIA .
إن نتائج هذا البحث الذي عرض في 82 صفحة تحت عنوان Preparing for A post Israelî Middle Eastî – (مرحلة ما بعد اسرائيل في الشرق الاوسط) ، قد بينت بأن المصالح الوطنية للولايات المتحدة تتعارض بشكل كامل ومصالح دولة اسرائيل واسرائيل كدولة تمثل التهديد الاكبر على مصالح الولايات المتحدة لان طبيعة هذه الدولة وانشطتها تعيق اقامة علاقات طبيعية مع البلدان العربية والاسلامية وبشكل متصاعد مع الشعوب الاخرى بشكل عام.
اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة
كانت التقارير والمعلومات التي تم الإشارة إليها تؤكد على أثر وفاعلية اللوبي اليهودي الصهيوني في قرارات الولايات المتحدة على الرغم من تعارض المصالح الأمريكية ومصالح إسرائيل بل إن طبيعة دولة إسرائيل وأنشطتها تعيق الولايات المتحدة من أن تبني علاقات طبيعية مع البلدان العربية والإسلامية وبشكل متصاعد مع شعوب الدول الأخرى وهذا ما أكده البحث الذي حمل عنوان “مرحلة ما بعد إسرائيل في الشرق الأوسط”. هذا البحث الذي عمل على صياغته فريق من المتخصصين يمثلون أهم الوزارات الأمريكية إلى جانب وكالاتها الأمنية وهذا يعني بالضرورة وجود قوة وتنظيمات تمتلك السطوة الكاملة في جعل السياسة الأمريكية تصب وتتفاعل حصرا مع أهداف هذه التنظيمات لذا فمن المهم هنا معرفة ماهية هذه التنظيمات وطبيعة عملها.
إن من أكثر المجاميع (اللوبي) تأثيرا وفاعلية على قرارات الكونغرس الأمريكي تلك المجموعة التي تعمل تحت مسمى American Israel Public Affairs Committee وتعرف بالرمز AIPAC وهذه المؤسسة تنشط في كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي وكثيرا ما يشار بوضوح إلى تأثيرها الكامل على أعضاء الحزبين معا ويصفها الرئيس بيل كلنتون بأنها تمتلك تأثيرا لا حدود له ويعتبرها من ” المجاميع” اللوبية الاكثر مهارة وقدرة على التأثير من أي مجموعة اخرى. بينما يصفها الرئيس الأسبق للبرلمان الأمريكي والمرشح للرئاسة الأمريكية عام 2012 Newt Gingrich قائلا: “إن هذه المجموعة تمثل الفريق الأكثر فاعلية في خدمة المصالح العامة” ، وفي المقابل فإن موقع هذه المجموعة على شبكة الانترنت يفتخر بوصف جريدة New York Times عندما تصف مجموعة AIPAC في كونها المنظمة الأكثر تأثيرا في صناعة العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. غير أن من يدعي وجود “اللوبي اليهودي” يتعرض إلى الاتهام المباشر بالعنصرية وبعدائه للسامية بينما تفتخر AIPAC وكذلك منظمة Conference of Presidents of Major American Jewish Organization ، المعروفة بالرمز CPMJO ، بقدرتهما وسطوتهما وميلهما المطلق إلى دولة إسرائيل حتى أن الصحف الإسرائيلية تصف هذه المنظمات باللوبي اليهودي في أمريكا بينما لا يسمح للآخرين الحديث عن هذه المنظمات كما تتحدث عنها الصحف الإسرائيلية بل إن الحديث عن هذه المنظمات أمر لا يمكن التفكير به بل هو من المحرمات. فما هو الشيء أذن الذي يجعل من AIPAC قادرة ومؤثرة في تحديد مسارات السياسة في الولايات المتحدة؟
بشكل عام يمكننا أن نجد إجابة لهذا التساؤل في أقوال كل من John Mearsheimer و Stephen Walt حيث يؤكدان: “إن تأثير هذه المجموعة عائد إلى قدرتها في توفير الدعم المالي لكل من المشرعين والمرشحين الى الكونجرس الأمريكي. فهذه المنظمة تدعم برامج المرشحين والمشرعين وتدين أولئك الذين يتعارضون مع برامجها الستراتيجية فسلطة هذه المنظمة كامن في قدرتها على جمع التبرعات لصالح بعض المرشحين فالمال يشكل في الانتخابات الأمريكية الحجر الأساس في تحقيق النجاح السياسي والمرشح من أي حزب يحتاج إلى كميات كبيرة من الأموال لإعداد حملته الانتخابية وهذه المنظمة تضمن لأصدقائها من المرشحين كميات كبيرة من الأموال تتناسب ومدى ثقة هذه المنظمة بالمرشح نفسه. وليست هذه المجموعة وحدها المؤثرة في السياسة الأمريكية بل هناك مجاميع أخرى كـ Anti-Defamation League المعروفة بـ ADL التي تلزم من تؤيده أن يبقي نقد دولة إسرائيل ودعم الولايات المتحدة لها خارج أي نقاش سياسي وإن ظن المرشح بأفكار تتعارض ومصالح إسرائيل فيجب عليه اعتبارها أفكار غير قانونية ولا يجب التمسك بها. هذه التصورات تختصر القول بأن الجميع يجب أن يلزموا الصمت وعدم إثارة اللغط على الرواية الرسمية التي تبثها إسرائيل تحت عنوان (habara) ، ولا يجب الحديث بشكل سلبي عن إسرائيل أمام الرأي العام أو عبر وسائط الإعلام وإلا فإن التهمة جاهزة لمن يقوم بذلك إذ يعتبر مناهضا للسامية ولوجود دولة إسرائيل وبالتالي فهو من أعداء اليهود. (إن مصطلح Hasbara ، يعني تلك النشاطات المتعددة في حقل العلاقات العامة التي تهدف إلى توسيع ايجابي لمعرفة إسرائيل في العالم. هذا المصطلح قد أطلق من قبل دولة إسرائيل على إحدى وزاراتها ومؤيدي هذه الأنشطة يسعون إلى تقديم وعرض دولة إسرائيل على كونها دولة عادلة وحكومتها تنشد السلام وهذه الأفكار هدفها الرئيسي هو الحد من الأفكار التي ترمي إلى الكشف عن الممارسات غير القانونية لدولة إسرائيل وخاصة عندما تنفذ مشروعها الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.). هذه الحملة تهدف إلى إسكات جميع الأصوات المعارضة لإسرائيل وصولا إلى مستوى الفرد المعارض. لذا فإن وصف المحللين بحقول شتى والباحثين بأنهم (مناهضين للسامية) قد أصبح الأسلوب الأكثر إتباعا في إسكات جميع الأصوات بل أصبح هذا الأسلوب ورقة تهديد لكل من يفكر بنقد ممارسات دولة إسرائيل. وعن اللوبي اليهودي يقول المؤرخ David Biale :” انطلاقا من حرب الأيام الستة تمكن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة من أن يكون أكثر قوة حتى أنه أصبح من المجاميع المؤثرة فعليا على سلطة الكونغرس. هذا النجاح الهائل قد جاء نتيجة تجمع الجماعات المؤيدة لإسرائيل في شبكة وطنية واحدة تقودها لجنة النشاط السياسي PAC التي تقرر لمن يمكن أن تقدم هذه المجاميع دعمها المالي استنادا إلى مبدأ ولاء المرشحين لإسرائيل. وبالضد من ذلك فإن المرشحين الذين يمكن اعتبارهم من قبل هذه المجموعة معارضين لدولة إسرائيل فما عليهم إلا الانتظار في أن تقوم هذه المجاميع بدعم منافسيهم. فإن أي عضو في الكونغرس الأمريكي يرغب في إعادة ترشيحه – وهذا ما لاحظه الرئيس السابق جيمي كارتر في شهر شباط من عام 2007م – عليه ألا يتخذ موقفا قد يفسر بأنه موقف عدائي لحكومة المحافظين في إسرائيل لأنه والحالة هذه يكون قد أقدم على الانتحار السياسي. فالاتهامات التي تطلقها هذه التجمعات على السياسيين الأمريكان لم ينجُ منها حتى الرئيس كارتر نفسه عندما أقدم على نشر كتابة Palestine: Peace Not Apartheid عام 2006م حيث تعرض الرئيس إلى نقد لاذع من قبل اللوبي اليهودي الذي وصفه بـ”السوقي المناهض للسامية”. وهذا أمر غريب بعض الشيء فإن كارتر عام 1979م قد عمل على تشكيل لجنة تهتم ببناء تذكار رمزي للذين نجوْا من مجزرة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست) وقد جعل رئيسا لها Elie Wiesel الذي منح لاحقا جائزة نوبل للسلام.