المتسلقون – عبد المنعم الاعسم
وهي ترتفع، قالت شجيرة ليف متسلقة الى نخلة: لقد وصلتُ بايام قليلة الى الارتفاع الذي وصلتـِه يا صديقتي بمائة عام. لم تردّ النخلة على سفاهة المتحدث وبينهما قياس الصبر والعجالة، ومنزلتان متجاورتان لكنهما مختلفتان.
المتسلق معروف بالتعجل. انه يأتي مع البصر ويغيب بلمح البصر. لا ينمو نموّا رأسيا بل يزحف على الارض، وتسميه علوم البايولوجيا «المدّاد» حيث يستخدم مهارات خاصة في الانبطاح والزحف، ويستعين باي جسم يجاوره للصعود.
يقول عالم النباتات الانجليزي روبرت براون ان افضل المسطحات التي تناسب الصاعد من النباتات المتسلقة هي الجدران غير المطلية كفاية، فيما المتسلق ينأى بنفسه عن المعارك الفاصلة.. و «يصلّي وراء من غَلب» وينقل الغزالي في «فضائح الباطنية» عن واحد من المتسلقين قوله «اُمرتُ ان ادعو (الناس) من الجهل الى العلم، ومن الضلال الى الهدى، ومن الشقاوة الى السعادة (ثم) املكهم (استحوذ على) ما يستغنون به عن الكد والتعب».
طرق وعرة
وجه المتسلق مدوّرا، لكنه يستطيل ما دام ذلك يلائم المناسبة ويسهّل الصعود. انه يأخذ اشكالا عديدة ومتضاربة على مدار الساعة. عيناه لا تستقران على نقطة. تتحركان في مدار غير ذي قرار. لا يورط نفسه في التنافس عبر الطرق الوعرة. انه يستد اليها جيدا افضل من ادلاء البادية.
لا يبكي إلا حين يكون للبكاء ثمن، ولا يضحك إلا حين يعرض تكشيرته للبيع. له اكثر من اسم، واكثر من موصوف، واكثر من ولاء. لا يهمه ما يتغامز الناس حوله. غدّار. جبان . صفيق، إذا وُضع بنار جهنم يصرخ : اني بردان. وإذا ما قـُبض عليه متلبسا بخطيئة يفلت كالشعرة من العجين. يستمتع كثيرا بافلام متسلقي الجبال فيتعلم منهم طريقة رمي الحبال وتثبيت نهاياتها على حافات الصخور، ويتحسب للسقوط تحسّب اولئك الذين تسلقوا قمم كليمنجارو من الوديان السحيقة.
المتسلق يضيق بالصبر. يحفظ نصوصا كثيرة منتقاة بعناية من بطون الكتب عن الحظوظ، وكيف تنقلب أقدار الناس. لا يخطئ في النحو. صوته جهوري، لكنه يصبح ناعما في حظرة صاحب الدولة. يأخذ من طبع النباتات المتسلقة الكثير. الزهو الكاذب. البدء من الاسفل. السفاهة . التدافع . اليباس..
اقول اليباس حين تصير تلك النباتات المتسلقة، في غالب الاحيان، حطبا بيد الحطاب.