الماء البارد وسيلة للرزق

الماء البارد وسيلة للرزق

بطالة الخريجين

جُملة يرددها شاب في مطلع العشرينات يمتلك عربة صغيرة , يتجول بين السيارات في تقاطع باب المعظم , ذو وجه شاحب ؛ قتلت فيه معاناة البطالة كل معاني الشباب والحيوية , يرتدي فوق رأسه قبعة رمادية اللون ممزقة جراء حرارة الشمس المحرقة , ويحمل بين يديه صندوقا فيه قناني من الماء المعدني , ويردد : ” برد كلبك .. فدوه لربك “. أنه جعفر , الحاصل على شهادة البكالوريوس في هندسة الحاسبات وبتقدير امتياز . فقد والده وهو لا يزال طفلا , فأصبح على كاهل جعفر أن يكون هو رب الأسرة . فقد كان يتنقل من عمل لأخر لأسباب عديدة , أما ان يكون اجره الأسبوعي غير كافٍ لتغطية مصاريف الجامعة أو معيشة أهله , أو أن أرباب العمل يضّيقون عليه لمجرد أنه من طائفة معينة. نسأل أنفسنا كل يوم ونكاد نسأم لعدم وجود أجوبة شافية !! ما الذي جعل جعفر أو “الخريج” يتجول تحت أشعة الشمس الملتهبة حاملا قنينة الماء مترجيًا راكبي السيارات أن يشتروها , متحايلا عليهم بهذه المقولة !؟ لعّلي أجد جوابًا وهو أن الوضع الذي يمر به البلد هو ألسبب القوي لتبرير ذلك ! لكن هل من المعقول أن وظيفة براتب 300 ألف دينار , قد تكون باهظة لدرجة أن الشخص العاطل يدفع مبلغ خمسة ملايين دينار للحصول عليها ؟! وهل بمقدور هؤلاء البسطاء أن يملكوا هذا القدر من المال !! وحتى أن استطاعوا تدبيره عن طريق الاستدانة , فكيف يمكن لهم أنهم أن يسددوه ؟ وعليه يقوم العاطل ببيع كل شيء للسداد حتى وان كانت ملابسه. أسباب وأسباب تدفع هؤلاء الأشخاص والخريجين من أمثال جعفر لعمل أي شيء لكي يتدبرون أمر المعيشة وقد تكون غير قانونية , فمنها قد ينضم العاطل إلى جهات أو جماعات إجرامية , ويقوم بعمليات قتل أو خطف وبالتالي يُلقى به إلى الهاوية أو أنه يقوم بعمليات قروض مزيفة أو نصب واحتيال عن طريق مؤسسات أو شركات وهمية ينضم إليها عندما تغلق في وجهه كل الأبواب أو أنه يعمل بنظام (الفايز) الذي ساد كثيرا بالفترة الأخيرة فيجمع الأموال وبالتالي يلوذ بها إلى محافظة أخرى أو إلى خارج البلد .. الخ. بالطبع لا توجد مبررات لعمل مثل تلك الأعمال غير الشرعية ؛ لكن الشباب في هذه الأيام خصوصا وعندما تكون جيوبهم خاوية يكونوا مندفعين ومجبرين على عمل أي شيء من أجل حوائجهم. فلم لا نحتويهم ونحميهم من العنف والطيش الذي يسيطر عليهم ونجعلهم من قادة المجتمع عن طريق أقامة مؤسسات أو شركات صغيرة أو تبّني المواهب والكفاءات وخصوصا أن أصحاب الشهادات كثيرون في البلد (على قفا من يشيل ) !! فلم نجعلهم يُعرضون تلك الشهادات للبيع أو التخلص منها لغرض تسديد حوائجهم.

عصام ثاير – بغداد

مشاركة